صفحات مجيدة من تاريخ الحركة الطلابية اتحاد الطلبة العام في مدينة الثورة.. البدايات والسفر النضالي.. القسم الأول .. / هاشم عباس خصاف

الثورة مدينة الفقراء والكادحين تسكن شرق بغداد بملامحها المتعبة، حفرت اسمها في ذاكرة العراقيين بعد ثورة 14 تموز 1958، إذ هاجر اليها عدد كبير من ابناء الجنوب الذين تفتحت الافاق لهم في العمل والتعليم بعد تلك الثورة، ظلت هذه المدينة مهملة، بعد انقلاب شباط الاسود عام 1963 ولكن ذلك الاهمال لم يفت في عضد ابنائها لكي يبنوا ويتعلموا، حتى جاء انقلاب (17/تموز/1968) الاسود، وبدأت معه عمليات الاغتيال والتصفية والاعتقال لكل الرموز الوطنية والتقدمية، وكان ابناء المدينة منهم ان لم يكونوا في مقدمتهم، في تلك الايام كان الص?اع على اشده بين القوى التقدمية وقوى القمع والارهاب وكان التقدميون من الطلبة والعمال والكسبة في تلك المدينة يحاولون تنظيم صفوفهم لمواجهة موجات الاعتقال والموت والاغتيال، وكان عام 1969 الفرصة السانحة لتلك المواجهة، في ذلك العام اعلنت السلطة الحاكمة عن تنظيم (انتخابات) زعمت انها ستكون ديمقراطية ومع ذلك الاعلان كانت روح المواجهة تتقد في نفوس عدد من الشباب الذين لم تتجاوز اعمارهم (العشرين عاماً) في تلك الايام التي صبغ فيها الجلاد (ناظم كزار) مدير الامن العام لحكومة البعث الحياة بالدم، في تلك الايام اجتمعت نخبة ?ن طلاب ثانوية قتيبة يقودهم نعيم علاوي جاسم ( ابو ربيع) لتشكيل قائمة باسم (اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية)، والمفارقة ان هذا الاتحاد لم يكن قد اعاد تأسيسه بعد ثانويات بغداد، بسبب ظروف الارهاب والملاحقة والقتل، اذ كانت عملية الانتماء لهذا التنظيم تعني الدخول في جريمة السياسة من وجهة نظر السلطة وتستحق عقوبة الاعدام، في تلك الايام، بزغ فجر ثانوية قتيبة في الحركة الطلابية في العراق..

اول الخطى
تعد ثانوية قتيبة اعرق مدرسة في مدينة الثورة، وبسبب مكان وجودها في بداية المدينة درس فيها طلاب من منحدرات مختلفة، (الاغنياء والفقراء)، فكان فيها طلاب من مدينة عرفت بسكن التجار وهي (جميلة) ومن احياء راقية كحي المهندسين وطلاب من شارع فلسطين والطالبية، فضلا عن ابناء الفقراء من مدينة الثورة الذين يشكلون العمود الفقري للطلبة، هذا فضلا عن الانحدار القومي والديني المتعدد فيها المسلم والمسيحي والصابئي والعربي والكردي والتركماني، كان هذا التنوع قد جعلها عراقاً مصغراً تتناسب فيه المنحدرات مثل تناسبها في العراق، وكانت?هناك ثانوية شقيقة لثانوية قتيبة وهي ثانوية نقابة المعلمين المسائية، وثانوية بيوت الأمة المسائية في قطاع (11) وثانوية الشعب المسائية وتقع قرب جسر القناة الرابط بين مدينتي (الثورة) والنهضة، وكانت هذه الثانويات تنظر الى ما سيحدث في ثانوية قتيبة في الانتخابات، نعم انها الانتخابات التاريخية التي غيرت مجرى حياة المدينة، ان لم تكن قد غيّرت مجرى السياسة في العراق، نعم ليس في الطرح مبالغة، اذا عرفنا من تخرج من هذه الثانوية، وما الذي فعلته في الحياة السياسية.
لقد حددت السلطة يوم (19/11/1969) موعدا للانتخابات وكان (الاتحاد الوطني لطلبة العراق) ممثلا لها، في حين مثل اتحاد الطلبة عدد من الطلاب الديمقراطيين من دون ان يكون لمعظمهم ارتباط بذلك الاتحاد، وكان الاستعداد لذلك اليوم يجري بوتيرة سريعة وقوية، طلاب حملوا قضية تغيير واقعهم امانة في اعناقهم حاملين هموم الفقراء والمحرومين والمظلومين راية لعملهم ولأدبهم، وفي الوقت نفسه حملوا دماءهم على اكفهم في زمن القهر والطغيان والموت، وهم يواجهون غارات الامن على التقدميين في المدينة، في يوم 19/11/ 1969 كانت ملامح القائمة الدي?قراطية قد اكتملت وعلقت على حائط ثانوية قتيبة، بعد ان تشكلت لجنة طلابية لخوض الانتخابات، ولجنة اخرى للحشد الجماهيري الطلابي، مقابل قائمة (الاتحاد الوطني) التي عرفت باسم القائمة الموحدة، في ذلك اليوم فتحت صناديق الاقتراع ابوابها لاوراق الناخبين، فتقاطر طلاب الثانوية يلقون باوراقهم في ذلك الصندوق الرهيب من دون ان يعلنوا عن الذين انتخبوهم، كانت القائمة الديمقراطية تضم كلا من: نعيم عليوي جاسم (ابو ربيع)، ماجد صالح عطية، صاحب ثاني راضي، صباح ثاني راضي، صباح حسن، زيدان خلف، جواد كاظم الموسوي، عزيز، هاشم عباس الرف?عي، عبد الواحد فرحان.وكانت الاسماء الستة الاولى للمرشحين في حين شكل الاخرون الاحتياط.اما لجنة الحشد والدعاية للانتخابات في المدرسة والمدينة فتشكلت من الطلبة الاتية اسماؤهم:
نعيم عليوي جاسم، ماجد صالح عطية، علي جازع صافي، صلاح مهدي حسن، عدنان خلف، جاسم عليوي عنتاب، ستار غانم راضي، محمد عبد الكريم سلمان، ابراهيم طعمة، حسن حسين هاشم، علي جبار حسن، حسن شيال، فياض حسن سلطان، رزاق، غافل حسن. شكل هؤلاء الطلبة المناضلون النواة الاولى للتبشير باتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية (أ. ط. ع. ج. ع)، من خلال القائمة الديمقراطية، على الرغم من ان معظمهم لم يكن ينتمي الى الاتحاد (ان لم اقل كلهم)، وقد شكل موقفهم في التبشير للاتحاد، والقائمة الديمقراطية تحريضا لقوى الامن والارهاب لملاحقتهم?واعدام بعضهم فيما بعد، وكان حقد السلطة البعثية على هؤلاء المناضلين، يعود الى انهم افشلوا كل محاولات قائمة البعث للفوز في الانتخابات، فبعد ان اغلقت الصناديق ابوابها، في مساء يوم 19/11/1969 يوم الفصل وفتحت ثانية للعد والفرز فاظهرت النتائج فوز القائمة الديمقراطية بـ (316) صوتا مقابل (300) صوت للقائمة الموحدة التي ارادت سلطات البعث ان تفوز في الانتخابات بأي ثمن (التهديد، الوعيد، الاغراء بالمال، التزوير) نعم استعملت السلطات انذاك كل الاساليب من اجل ان لا تفوز القائمة الديمقراطية، لكنها فازت ودوى ذلك الفوز في ار?ان المدينة الهادئة الفقيرة ليوقظ ابناءها على مرحلة جديدة من النضال، في ذلك اليوم بدأ المناضلون يفكرون بجدية كبيرة لتأسيس اتحاد الطلبة في المدينة كلها وفي ثانوية قتيبة، اذ لم يكن التنظيم فيها قد انبثق بعد، على اثر اعلان نتائج الانتخابات اعتلى مدير المدرسة المربي الفاضل الاستاذ (نعمة جابر الدوري) منصة لالقاء كلمة ترحيبية بالاتحاد الفائز (القائمة الديمقراطية) وليسلمها مفاتيح الغرفة التي سيجلس فيها ممثلو الطلبة وفي اثناء الكلمة استعار المربي الفاضل نعمة جابر الدوري كلمة كانت من ضمن النصوص التي جاءت في بيان القائمة الديمقراطية كان ذلك النص يقول: (لا ديمقراطية عند البعثيين، الديمقراطية وضعوها في الجيب الايمن).