في موجة الحر.. ابتكارات ونكات وشعر شعبي / أكرم الخاطر

تحالف استراتيجي ثابت ومتين بين الحرارة والكهرباء في العراق، بعضهم يكتفي بوصفه بالثنائي الشرير "تجنباً لبلاوي الدنيا"، بينما يصر آخرون على وصفه بالثلاثي الشرير بعد اضافة طرف ثالث وهو الحكومة متمثلة في وزارة الكهرباء ووعودها "الفاشوشية" ومشاريعها الوهمية وعقودها الفضائية، ويذهب البعض الى ادراج عوامل مساعدة في ارتفاع درجة الحرارة، منها الزحام الناتج من السيطرات وكثرة استيراد السيارات ودخان عوادمها الخانق وانتشار ملايين المولدات في شوارع وأزقة المدن، وكذلك التصحر وتجريف البساتين وتحويلها الى قطع أراضي سكنية ووو.
وازاء تعقد المشكلة وعدم توفر أي جدية لحل أزمة الكهرباء، لجأ العراقيون الى حلول أخرى للتخفيف من الضغط النفسي والمعاناة اليومية طبقا لقانونهم المعروف "ما كو شي يصعب عالعراقيين"، فكانت أولى بوادر الحل هي النكات ثم تبعتها الحلول الأخرى.
شر الحرارة ما يضحك!
نعم، فقد استغرب راكب وهو يرى سائق الكيا متحجبا بـ "خاولي مبلل" فسأله:"شنو صايم اليوم"؟ فرد عليه السائق: "لا، بس مدا اتشوف الشمس طالعه اليوم هيه وجهالهه"! وثمة مبتكر يبحث عن براءة اختراع، اقترح أن نضع للجو تحميله بلكي تنخفض حرارته، ويروى عن مُحشِشَين أجنبييَن اقترح أحدهما على الآخر أن يذهبا الى العراق في شهر تموز بصفة فنانين، وعندما سأله صاحبه: "بصفة شنو"؟ أجابه: "انت فنان تشكيلي وآني فنان أشكيلك"، وعندما سمع أحدهم أن درجة الحرارة في محافظة البصرة وصلت الى 57 درجة مئوي قال:" اذن هسه اليچذب الله ايذبه بالبصرة"، ويروى أن أحدهم حدق في نخلة محملة بالرطب فقال متندرا وهو يسبح في عرق جسده:"كله علمودك يا حلو"، نعي أحدهم التيار الكهربائي الراحل رحمه الله قائلا:"ينعى الشعب العراقي الشيخ كهرباء آل نتله ووالد كل من نور وضياء ومكيف هواء آل سبلت وشقيق المرحومين هاتف ارضي وماء الاسالة اثر مرض عضال في البنى التحتية". وبينما كان أحد المثقفين يتحدث إلى راكب الى جانبه قائلا: واقع الحال ان فصل الصيف في العراق أصبح يمتد الى ثمانية أشهر في السنة، أما بقية الفصول ومع ندرة الأمطار فقد تم دمج طقسها بأربعة أشهر، أجابه ساخرا: "هم رجعنه للدمج"! كما ناشد مواطن عراقي الحكومة، ورئيس الوزراء، ووزير الكهرباء أن يجدوا حلولا واقعية وهي ألا تنقطع الكهرباء على مدار 24 ساعة بل تنقطع ساعة وتشتغل عشر دقائق، أحسن من الماكو"!
ابتكارات وحلول أخرى
إذا كان ميسورو الحال قادرين على الاحتماء منها بمكيفاتهم ومبرداتهم، فإن عامة الناس يتحايلون على ابتكار وسائل تحميهم من الحرارة المتواصلة في الليل والنهار، وإذا كان الصيف يزعج الجميع فإن تجار الثلج والماء والعصائر يستقبلونه بفرح، فكلما ارتفعت درجة الحرارة ازدهرت تجارتهم. ومع حلول فصل الصيف في كل عام، يميل العراقيون إلى اللهاث خلف أخبار هيئة الأنواء الجوية في ظل أزمة الكهرباء التي غالبا ما تتحالف مع الحر الشديد وتزيد من ارتفاع درجاته الخانقة قبل أن يصل شهر تموز الذي "ينشف الماي بالحِب وآب اللّهاب الذي يحرق المسمار بالباب".
ابتكارات بالجملة مع هذه الاسطوانة المشروخة كان لا بد من صنع ابتكارات وحلول مناسبة أخرى: فقد لجأ أصحاب سيارات الأجرة إلى نصب مبردات هواء فوق سياراتهم حتى لا تتقطع سبل رزقهم ولا يهجرهم زبائنهم. ومن الشباب العاطلين عن العمل من نصب دوش حمام في الشارع يغتسل فيه المواطنون لقاء أجر زهيد، ويقول أحد أصحاب الدوش: إن مشروعه البسيط انطلق عندما دفع له شخص إكرامية بـ500 دينار لقاء اغتساله في الدوش، لكنه لا يحدد سعرا معينا، فكل يعطي في حدود إمكانياته.
شاب آخر ابتدع فكرة المسبح المفتوح وهو عبارة عن مجموعة من المسابح البلاستيكية نصبها في إحدى الساحات وجهزها بالمياه المعقمة ، وخصصها للهو الأطفال لقاء ألف دينار لساعتين من اللعب والسباحة، وهي فكرة أحبها الأطفال كما نالت استحسان الأولياء الذين أثنوا على نظافتها وتعقيمها. وحتى لا تتعطل الحركة في أسواق بغداد من شدة الحر، لجأ بعض التجار إلى تركيب مراوح تبث رذاذ الماء لتخفيف وطأة الحر على المارة ومنحهم بعض الانتعاش ليواصلوا تسوقهم.
وللعراقيين وسائل وطرق تقليدية لتخفيف وطأة الحر من خلال تبريد الماء واعتماد “الحب” وهو عبارة عن آنية من الفخار مخروطية الشكل مصنوعة من الطين، ولا تزال بعض العائلات الفقيرة تستخدمه بعد أن أعلن الثلج عن ارتفاع أسعاره وسط الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي. ويستخدم العراقيون الأواني الفخارية التي تحافظ على برودة الماء فيها، إذ لا فائدة من وجود مبردات الماء والثلاجات في ظل انقطاع التيار الكهربائي. كما صاروا يمتنعون عن الخروج من البيت هربا من الحرارة. ومن أبرز وسائل مواجهة الحر سابقا استعمال المراوح اليدوية المصنوعة من سعف وخوص النخيل والتي كانت لا تخلو منها أيدي أصحاب المحال والباعة والأهالي وخاصة في وقت القيلولة.
ويتروّح التجار في المحال والدكاكين والسراديب بمروحة السقف التي تصنع من قطع القماش بعد ربطها بحبل يسحب بواسطة اليد. كما استعملوا ستائر العاقول المصنوعة من صفين من سعف النخيل. واهتم العراقيون في معمارهم بالوسائل التي تقاوم الحر، يقول الباحث جبار عبدالله حسين "إن من وسائلهم الأخرى في مكافحة الحر، هي أن المعمار العراقي كان أول ما يبدأ به هو تعيين مواقع واتجاهات الرياح والشمس ليكون البيت بعيدا عن التعرض لمواجهة الشمس صيفا، وبعيدا عن سموم الرياح، حيث تحدد كل العوامل المناخية والفنية فيه، من ذلك جعل جدران البيت سميكة لكي لا تتأثر بأشعة الشمس المحرقة، ووضع الزجاج الملون الغامق على الشبابيك بغية تخفيف حدة الحرارة وجعل سقوف الغرف عالية حتى لا تتسرب إليها أشعة الشمس". وتابع "إن البنائين القدماء استخدموا الطابوق لمقاومة الحرارة، ولهذا نجد المساكن القديمة مكشوفة مما يساعد على دخول الهواء في أرجاء الدار، واستعملوا للظلال الشبابيك الخشبية ذات الزخرف التجميلي "الشناشيل"، كما أن الأسواق القديمة التي لا تزال ماثلة إلى يومنا هذا، كانت مبنية بنفس الأسلوب وتتميز بالتهوية الجيدة التي راعى فيها البناء القديم عملية التهوية الذاتية والتخفيف من شدة الشمس. وهذا هو سر إبداع المعمار العراقي حيث لا تزال تلك الأسواق تؤرخ لإبداع بنائيها وفطنتهم وذكائهم والتزامهم بالوسائل اللازمة لمقاومة الظروف الجوية المختلفة". ومع بداية فصل الحرارة الذي انطلق مبكرا في العراق انتعشت مهن عديدة أخرى منها تجارة أحواض السباحة البلاستيكية التي ازداد الطلب عليها مع عطلة الأطفال كما سعرها، فقد ارتفع سعر الحوض متوسط الحجم من 20 ألف دينارا إلى 50 ألف دينارا، بينما وصل سعر الحوض الكبير إلى 75 ألف دينارا في بعض المناطق الملتهبة!
بائعو الثلج هم أيضا يعيشون موسمهم خاصة في المناطق التي تشهد انقطاعا مستمرا للتيار الكهربائي، ويكسب العشرات من الشباب العاطلين عن العمل لقمة عيشهم من حرارة الصيف اللاهبة، حيث يشترون قوالب الثلج ويبيعونها للمواطنين في سيارات حمل وعربات تجوب الشوارع والأزقة في مختلف مدن البلاد. ويجد آخرون في بيع الثلج فرصة لجمع المال، إذ يشتري بعضهم عربات حديدية تجرها الدراجات النارية، والتي بدأت تنتشر خلال السنوات القليلة في البلاد لسهولة حركتها وسط الزحام المروري، والتجول في الأزقة الضيقة التي يتعذر على سيارات الحمل الدخول فيها.
يقول أبو جاسم الذي يعمل بائع ثلج صيفا "مهنة بيع الثلج ازدهرت في الآونة الأخيرة مع استمرار انقطاع التيار الكهربائي، وبحث المواطنين عن بدائل لتبريد مياه الشرب التي لا غنى للجميع عنها في درجة حرارة شديدة". ويوضح أن "فرصة الصيف ثمينة بالنسبة للباحثين عن عمل، فتجارة بيع الثلج ازدهرت، فالمعامل تعمل بكل طاقتها ليلا ونهارا لتوفير احتياجات الناس من قوالب الثلج الضرورية جدا لتبريد مياه الشرب في المنازل".
ولجأ أحمد سالم وهو صاحب بسطة خضار في السوق إلى استعمال رشاشات الماء بحثا عن البرودة في ظهيرة الصيف الحار، وقال "في العراق نخترع كل شيء”. وتزدهر في الصيف تجارة الماء البارد والمثلجات والمشروبات الغازية التي يقبل عليها العراقيون خاصة في الشارع لإطفاء عطشهم.
تراب وسخام
بين الحَر الشديد والأمطار والفيضانات والبرد، تنعقد معاناة واحدة، يتبدل المناخ بقسوة، ترتفع درجات الحرارة إلى أكثر من "50" درجة مئوية، فتتمدد معاناة الناس وتتشعب. حرارةٌ شديدةٌ تعتصر الوجوه والأجساد، انقطاع التيار الكهربائي، شبه الدائم، عواصف ترابية قاسية، أمراض الحر العديدة، شح مياه الشرب، والوفيات. ذلك هو صيف العراق، موسم لا تختلف عنه قسوة "طركاعة الشتاء": برد قارس، أمطار، فيضانات، بيوت تتهدم، سقوف "اكسباير" تتهاوى، انقطاع التيار الكهربائي، أمراض البرد، وفيات. والضحية دائما واحدة. فقراء الشعب وكادحوه وكسبته، وشرائح أخرى عديدة. ومع حلول موسم الصيف يهرع العراقيون الى ممارسة طقوسهم المألوفة، تصليح وشراء المراوح و"المبردات" وقطع غيارها البدائية: الماطور والواتربم، والقايش، والحلفه، مع شراء المزيد من "المهاف"، و"الكِلل" الناموسيات، والبحث عن ربع قالب ثلج، وتناول "الرگي والبطيخ"، والتهافت على الماء البارد والدوندرمه والموطا والأزبري، و"خشمك ذانك"! مع كل هذا، يحن العراقيون الى ذلك الصيف في ظل قسوة البرد والأمطار والفيضانات "اشجابرك على المر غير الأمر منه"، كما يردد بعضهم:"الصيف أبو الفقير"!، ذلك لأنَّ شتاءهم يبدو أكثر قسوة، فهو منولوج البرد والأمطار الغزيرة والفيضانات و"هجمان بيوت" و"النشله والكحه والبلاعيم والصخونه"، والتهافت على تناول "الشوربه" بنوعيها "عدس وماش"، مع الشلغم والشونْدر واللبلبي، مع زوّاده ومي حار، وكذلك تناول الدهينه والحلويات، والتهافت على شراء ملابس "اللنكه"، من قماصل ومعاطف ولفّافات وطرابيش وجوارب صوف! ولكن، مع هذا، هاجم محشش عراقي مقولة "الصيف أبو الفقير"، وفضَّل الشتاء وفيضانه، معللا ذلك بقوله: "على الأقل، الشتا بيه كومة عُطل بسبب الأمطار والفيضان.. الصيف شكو بيه غير التراب والصْخام"!
مفردات حرارية
"الحر، وشنو هالحر، وموجة الحر، وما كو هيج حر"، هذه بعض من المفردات "الحرارية" التي غزت الشارع العراقي مؤخرا وتم تداولها على نطاق واسع بين العراقيين منذ اندلاع موجة الحر وحتى بقايا ذيولها الساخنة، حتى غدت هذه "الحراريات" لازمة أو "مفاتيح" شائعة للبدء في حوارات موجة الحر العارمة وقصصها وكيفية التعامل معها. بعض العراقيين استذكر مبكرا "أيام الباحورة" التي لم تحل بعد في محافظة البصرة، وهي أيام معدودات تتسم بالحرارة الشديدة المصاحبة للرطوبة والتي تعمل على إنضاج التمور وتحويلها من ما يعرف ب "الخلال" الأصفر إلى تمور يستبشر بها الفلاحون لاقتراب موسم "الكصاص" – قص عذوق التمر، بينما يتأهب أصحاب "الجراديغ" – مكابس التمور، لبدء موسم عملهم السنوي بشراء التمور وكبسها وبيعها في الأسواق المحلية. ولكن جل ما يخشاه أصحاب المكابس هؤلاء في هذا الصيف الساخن هو أن تحيل موجة الحر هذه تمور النخل إلى دبس – عصير التمر، وهي في عذوقها وقبل أن تصل إلى أبواب جراديغهم التي لم تفتح بعد! ومثلما أنعشت العواصف الترابية في العراق خلال الأعوام الماضية تجارة بيع الكمامات في شوارع بغداد وزادت من مبيعات الصيادلة للعديد من الأدوية المخففة لحالات الاختناق والضيق لدى الأطفال والمسنين والمصابين بداء الربو، ساهمت موجة الحر الطارئة على إنعاش مهن بيع قوالب الثلج "أبو البوري" ومهاف الخوص وقبعات اللنكه وقناني المياه المعدنية الصحية منها أو المغشوشة "made in imreadi"، التي شهدت زيادات طارئة في مبيعاتها بسبب تهافت المواطنين على شرائها للتخفيف من شدة موجة الحر وتقليل نسبة الوفيات والإصابات في الأحياء الشعبية المطحونة. حتى أن بعض المتندرين قال: "رب موجة نافعة، ورب عجة نافعة"، كما أدت الموجة إلى دفع بعض مصلحي المبردات إلى ابتكار مبردات جديدة تخلو من المحركات "الماطور والسربس"، واعتماد تشغيلها على المراوح وبعض أنابيب التوصيل فقط مما أدى إلى انخفاض سعرها الذي وصل إلى 35 ألف دينار فقط، وهو سعر مغر للكثير من المواطنين "المحترين"، خصوصا أن هذه المبردات تعمل بأمبير واحد فقط، وهو ما زاد من إقبال المواطنين عليها وأدى إلى خسارة فادحة لأصحاب المولدات – الكهرباء السحب" المنتفعين من استفحال أزمة الكهرباء الأزلية! غير أن أسوء ما جاءت به موجة الحر الشديدة هي أنها زادت بحدة من قطع التيار الكهربائي المذبوح أصلا وضاعفت من ساعات انقطاعه الكثيرة بينما أصبحت دقائق عودته إلى البيوت تشبه "السلام عليكم" على حد تعبير الكثير من المواطنين المكتوين بالحر داخل جدران بيوتهم. والأدهى من ذلك أن حلول موجة الحر تزامن مع بدء العطلة الصيفية لملايين التلاميذ والطلبة الذين يشكون أصلا قلة وسائل الترفيه وعدم تمكن غالبيتهم من السفر إلى المصايف في إقليم كردستان أو إلى دول أخرى، مما جعل العديد منهم يتحسر على مصاعب ومنغصات أيام الدراسة والامتحانات ومخاطر الشوارع ويفضلها على ظلام وحر العطلة الصيفية.
ويخشى البعض من التعرض إلى المشاكل الصحية الناجمة عن الارتفاع الحاد في درجات الحرارة وتأثيراتها خصوصا على الأطفال والمرضى وكبار السن، كما وجهت دعوات كثيرة إلى المواطنين لتلافي التعرض إلى أشعة الشمس وضرورة تناول كميات كبيرة من الماء والمرطبات خلال هذه الأيام رغم الخشية من تلوثها. درجة الحرارة في العاصمة بغداد وعموم المحافظات الوسطى والجنوبية تقريبا تجاوزت نصف درجة الغليان بسبب تعمق تأثير امتداد المنخفض الجوي الحراري الموسمي المتمركز فوق أواسط أسيا. وبحسب "الاستاندرد" العالمي فان وصول درجة الحرارة إلى 50 درجة مئوية يحتم على السلطات في أي بلد تعطيل الدوام الرسمي لتفادي مخاطر موجة الحر وعدم حدوث إصابات. العراقيون الذين تكيفوا مع نصف درجة الغليان، وزعم بعضهم انه قادر على "تحوير الاحتباس الحراري نفسه في الشهور القادمة"، بينما أطلق أحدهم أهزوجة الحروب التي حصلت في العقود الماضية "تعب حتى الحديد وما تعبنه".
الحر في البصرة
البصريون يعتبرون تموز خصمهم حيث أغلقت المحال وبعض الأسواق التي استنفذت ما بها مبكرا، وفضل الغالبية من الشباب السباحة في شط العرب تحت لهيب الشمس، فيما استعان العاملون في الطرقات والأماكن المكشوفة بوسائل أخرى كنصب "الدوش". واشتكى العاملون في القطاع الحكومي من ارتفاع درجات الحرارة خاصة في منطقة الرميلة التي وصلت فيها درجات الحرارة 57 درجة كونها منطقة صحراوية، ما دفع بحكومة البصرة إلى منح مواطنيها عطلة لتلافي أضرار الموجة.
ويعاني أهالي البصرة ارتفاع درجة الحرارة في كل فصل صيف، مما اضطر أغلب المواطنين إلى الإقبال على شراء كميات من الثلج، الذي بلغ سعر القالب منه 4 دولارات أمريكية، لوضعها على وجوههم وأجسادهم المشتعلة، بينما هرب الكثير منهم الى شط العرب. وقال أحد الأهالي إن "ارتفاع درجة الحرارة وزيادة نسبة الرطوبة ينعكسان سلبا على نفسية المواطن البصري ويسببان قلقا وإرهاقا خاصة بالنسبة إلى أولئك الذين اضطرتهم الظروف إلى العمل تحت أشعة الشمس". وأضاف أن "اشتداد الحر يولد حالة من العصبية وعدم تحمل الآخرين، وينعكس ذلك سلبا أيضا على التعامل سواء مع الأسرة أو مع الأصدقاء والزملاء في العمل، مما قد يؤدي إلى حدوث مشكلات لأسباب بسيطة من الممكن تجاوزها في الظروف الطبيعية".
وقالت طالبة جامعية "إن وصول درجات الحرارة إلى معدلات غير مسبوقة يترك تأثيرا سلبيا على حياة المواطن العراقي بشكل عام، وقد يتسبب ذلك في النسيان وعدم قدرة الإنسان على التفكير وضبط موازين النفس أو التصرف السليم، مما ينعكس على قدرته على تأدية عمله بالشكل الأمثل". وأضافت "البصرة فيها كل ما هو غريب، فعلى الرغم من حرارة الجو التي يصعب على الإنسان أن يتعايش معها تجد البصريين بطيبتهم وخيالهم المرهف يتجاوزون تلك الأجواء القاسية". وبينت أن "الحر في البصرة يعني شيئا واحدا هو الصبر الجميل لأن أهلها جبلوا على الصبر، فهي مدينة الكوارث تاريخيا ومدينة الخير والجوع معا، فكل الثوابت في البصرة تتراجع أمام حقيقة واحدة هي صبر البصريين وطيبتهم".
وأمام موجة الحرارة والانقطاع المتواصل للكهرباء يصبح بائعو الثلج سادة البصرة إلى درجة أن معامل إنتاج الثلج بدأت بطرح نوع من الثلج يسمّى "البوري" وهو طبقة خفيفة جدا من الثلج تطرح عادة في الأسواق أيام الأزمات الشديدة، والسبب في ذلك أن جشع أصحاب معامل الثلج يدفعهم إلى إنتاج الثلج دون انتظاره حتى يكتمل تجمّده. وينصح الأخصائيون أهالي البصرة بإبعاد الأطفال والنساء الحوامل وكبار السن ومرضى القلب والسكري والغدة الدرقية عن أشعة الشمس المباشرة، لأنها تشكل خطورة على حياتهم. وبيّن هؤلاء أن ارتفاع دراجات الحرارة يؤدي إلى فقدان الجسم كميات كبيرة من السوائل نتيجة التعرض إلى أشعة الشمس، مما يؤدي إلى الإصابة بالإعياء الحراري وضربة الشمس والتي إذا لم يتم علاجها قد تشكل خطورة على حياة المصاب.
ويفضل الكثير من البصريين الهرب من البيت، أحدهم قال: "المكوث في المنزل لم يعد يطاق. الكهرباء مقطوعة طول الوقت والجو حار جدا بشكل لا يحتمل مع غياب إمكانية تشغيل أي أجهزة.. صار الواحد يكره العودة إلى منزله لأن بعض الأماكن ألطف جوا من البيت". كما قام أصحاب بعض المتاجر بابتكار وسائل للتخفيف من حدة الحر مثل وضع رشاشات مياه مؤقتة من النوعية الخاصة بالاستحمام في الشوارع.
وقال الدكتور عبدالخالق النعيمي أخصائي الأمراض القلبية إن "موسم الصيف بدرجات حرارته العالية يعرض الأشخاص إلى العديد من المشاكل، فالتعرض إلى درجة الحرارة المرتفعة يؤذي الأشخاص كبار السن، فكلما تقدم عمر الإنسان قلت قابلية جسمه للتعامل مع الحرارة، وهناك عدد من الأمراض التي قد نتعرض اليها بسبب ارتفاع درجة الحرارة تتمثل خاصة في ضربات الشمس".
وأضاف النعيمي "يفقد الجسم الكثير من السوائل بسبب التعرض للحرارة الشديدة خلال فصل الصيف، مما يؤدي إلى هبوط ضغط الدم، فالجفاف الذي قد يحدث خلال فصل الصيف يؤدي إلى الإغماء والإجهاد، وفي بعض الأحيان قد تقل قدرة الجسم على التعرق".
الحر والكهرباء و.... صناعة الشعر الشعبي!
ومن الحر وانقطاع التيار الكهربائي يولد الشعر والابداع أحيانا، فهذا الشاعر الحراري/ الكهربائي المجهول ينشد أجود الشعر وأبدعه في حق الكهرباء والحر، يقول:
ماتكدر تجينه امحنيه رجليهه
بلوه الكهرباء شلون تاليهه
ماتكدر تجينه وطبع دلوعه
بس ساعه تهل وخمسه مكطوعه
واحنه الصيف اجانه شحلو موضوعه
الروح بيا مكان وّين اوديهه
ما تكدر تجينه وشاغله الأفكار
واليطلب الحسنه المهر بالدولار
تشرط قصر عالي امحوّط ابأسوار
والمايكدرلهه بحرّه يكضيهه
ما تكدر تجينه وخايفه علينه
حكمتهه هوه التبريد ياذينه
ديدنهه تحبنه ودوم توصينه
سبلتكم قناعه فياي يغنيهه
ما تكدر تجينه والمكيف دوم
بي صارت كآبه وشال كومه هموم
تضحكله المهفه تكله جالك يوم
ارجع منشأك خل عزتك بيهه
ماتكدر تجينه والحكومه بخير
من يوم الإجت ما صار كل تغيير
لحظه والعقل يخواني مني يطير
ياهو من الوزاره لعلْتي يدريهه
ما تكدر تجينه محنيه حته الراس
والمسؤول يحلف والله والعباس
مضروبه المحطه شبيدي يا هلناس
صبرولي سنه ... عشرين خليهه !!
ما تكدر تجينه والشعب داوي
خزّن ما يطيب الجرح شتداوي
اتحزم سبع يا خوي للواوي
وفرش عل سطوح عذيبي تلكيهه
ما تكدر تجينه والشمس تشوي
وفريزرنه خالي بس هوه يحوي
ووعود القياده وعود ما تروي
هيه اتريد امبيرين ننطيهه
ما تكدر تجينه والمولد فار
مشكور اعله تعبه وكفو منه وبار
يوميه بعطل حته المصلح حار
يفتر صبح ليل وحته ظهريهه
ما تكدر تجينه ونتوا خو تدرون
عدنه شلون صيف يذوب الفافون
مو لعبة طفل متونس ابّالون
من ايطك محول ظلمه يغديهه
ما تكدر تجينه والكلب فرحان
أحنه اكثر بلد بالنفط والحرمان
وأحنه أسعد وطن محسود بالأوطان
من ناكل البيضه بچوله نكليهه
ما تكدر تجينه والجروح كبار
هادي الشعب ساكت يسمع الاخبار
واحد لزم كرسي وثاني شاله وطار
بس محد سأل عناس وشبيهـــــــه
ما تكدر تجينه وطالت المده
كمت أحلم بواط بدربي يتعدّه
يا كبر الصداع براسي شيهيده
والآلام كثرت من يداويهــــــه
ما تكدر تجينه وصايره هوايه
باليابان مرّه انطفت لحظايه !!
وحنه ارقام عدنه القطع بالمايه
وبدفتر جينس منهو اليجاريهه
ما تكدر تجينه وشنهو الجاره
راح انصب عله البيتونه فرّاره
بلكي بهوه شرجي ولنهه دواره
ولأجواء نوبل أسمي يضويهه
ماتكدر تجينه ومجلس النواب
سوّاله اجتماع مقفل الابواب
كال الحل شعبنه ينزع الاثواب
وبدجله وفرات السبح ينسيهه
ما تكدر تجينه وفتحوا الجوال
ووراق العراق بسلة الازبال
يامسكين شعبي محطم الآمال
روحك طور"داخل" بس يسليهه
بلوه الكهرباء شلون تاليهه
وما زالت محاولات تأليف الشعر مستمرة، فمع استمرار هذه الموجة لأيام يفعل الناس أي شيء لتبريد أنفسهم حتى بالشعر الشعبي.