طالب محمد حاج علي مدرّس الرياضيات! / مجيد إبراهيم خليل

الأستاذ طالب من مواليد الشطرة 1937، بعد الدراسة الإبتدائية والمتوسطة في مدينته، الشطرة، أكمل دراسته الثانوية في الناصرية، ثم في دار المعلمين العالية ببغداد، التي تغير اسمها الى «كلية التربية» بعد ثورة تموز 1958 وتخرج فيها من قسم الرياضيات 1960، وقد شهد العام الدراسي 58/59 إرجاع الطلبة المفصولين من الدراسة بسبب نضالهم ونشاطهم السياسي، منهم الرفيقة العزيزة خانم زهدي من قسم الكيمياء، والرفيق الفقيد مهدي عبد الكريم
.
يحبّ طالب التعليم، ويجد فيه متعة كبيرة، ويحس أنه يقدم شيئا لوطنه، والى الآن يتمثل نفسه واقفا أمام طلابه، يشرح لهم مسائل الرياضيات. وقد عمل مبكرا كمعلم مستخدم بقرية عكيل في قلعة سكر، لمدة عدة أشهر. كما عمل في مدارس متعددة في أكثر من محافظة: ثانوية الشطرة، ثانوية كربلاء، دار المعلمين الإبتدائية في كربلاء، متوسطة الحسينية، وفي بغداد عمل في إعدادية النضال، إعدادية الرسالة، الإعدادية المركزية، كما عمل محاضرا في الثانوية الجعفرية الصباحية. وقد زامله فيها وفي إعدادية النضال مدرسان من حملة الثقافة التنويرية: عبد الكريم شاكر، الذي كان مدير التلفزيون في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم، ومحمد شرارة.
تأثّر طالب بمدرسيه: علي أحمد، مدرس الرياضيات في المتوسطة، وتوفيق الصفار، مدرس الرياضيات في الإعدادية، ثم أصبح زميلا لهما في إعدادية الرسالة ببغداد، وقد تعرض هذان المدرسان بسبب وطنيتهما وأفكارهما التقدمية الى الفصل من التعليم. وخلال عمله في التعليم تعرض لمضايقات كثيرة، وعانى، كغيره من المدرسين الديمقراطيين من ضغوط حزب السلطة للانتماء اليه، ولكنه لم يرضخ وقاومها بشجاعة، وكانت إدارة المدرسة تجمع المدرسين الرافضين للانتماء للبعث، بين حين وآخر، وبحضور مسؤول بعثي من وزارة التربية، وتهددهم بالنقل الى أماكن بعيدة، وكان اعتراف إدارة المدرسة بكفاءة وخبرة هؤلاء المدرسين مانعا من أمر النقل.
وهو مثل كل الشيوعيين وعموم الديمقراطيين عانى ظلم الأنظمة المتعسفة، فقد تعرض في شبابه الى التوقيف سنة 1954 بسبب انتمائه لاتحاد الطلبة، وفي عام 1963 إثر انقلاب شباط الفاشي، وبسبب انتمائه الى الحزب الشيوعي تعرض الى الاعتقال، بمعتقل في الناصرية، ومارس الإنقلابيون معه شتى صنوف التعذيب والقهرحتى الموت، وصدر بحقه قرار «سحب اليد» بإبعاده عن التعليم، وكان حينها مدرسا في الشطرة، وبعد إعادته الى الخدمة عيّن في ثانوية كربلاء للبنين. يتذكر طالب أسماء بعض من عذّبوه، مثل: فهمي روفا، أخ منير روفا، الطيار الذي هرب الى إسرائيل بطائرته الميغ في 1966، غازي سيف، وآخرين، كانوا كلهم تحت قيادة نعيم حداد.
في غربته في هولندا، مازال يمارس هواية القراءة، وهي الهواية المحببة التي رافقته منذ شبابه. ومنذ مجيئه الى هنا انقطع عن ممارسة العمل الذي يعشقه، وهو تدريس الرياضيات، بحكم تقدم العمر وضعف اللغة، وقد اختار المجيء الى هولندا للالتحاق بولديه، اللذين سبق وأن أرسلهما على حسابه الخاص لمواصلة دراستهم الجامعية، وبعد وفاة شريكة حياته.
يقارن بأسى بين مدارس العراق سابقا وحاليا، في السابق كان مستوى التعليم جيدا، ولكن المشكلة فيه هي محاولة فرض الرأي الواحد. النظام السابق جعل القبول في كلية التربية مقتصرا على المنتمين الى حزب البعث، ومن ذوي المعدلات  الضعيفة، وهذه هي الطامة الكبرى، فقد شهدت الكلية تخرج مدرسين أميين وغير مخلصين في عملهم. ساء التعليم لهذا السبب، وهناك سبب أخر هو ضعف دخل المدرسين مما يضطرهم الى ممارسة عمل أخر أو تقبل «الهدايا»، وللأسف وبسبب سياسات النظام تحول عدد من المدرسين الى رجال أمن يترصدون حركة زملائهم.
يتمنى طالب أن يعيش بصحة وسلامة ويواصل التعليم، فما تزال هذه المهنة تملأ قلبه وعقله، ولحد الآن ولعلاقته الودية بطلبته، يتصل به بعضهم من الدنمارك ونيوزيلندا وبلدان أخرى، تعبيرا عن اعتزازهم به. ولوطنه يتمنى الخلاص من الوضع الحالي المتمثل بالطائفية المقيتة التي دمرت البلد. يحلم بالخلاص من الإرهاب، ويطمح أن يشهد الوطن ممارسة ديمقراطية سليمة.