أي جدوى من الرحيل فلماذا نتسابق عليه ؟ / عبد جعفر

أوجعني يا كريم* موتك المفاجئ وكل فمي سؤال:
من اعطاك الحق في إجتيازنا، نحن الخيول العطشى الراكضة قبلك الى نهر الوداع؟ أتعلم نحن معمري سنوات الغربة في المنافي، نتذكر بعضنا في أخبار الوفيات، يطالعنا وجه مغادر، و نحاول أن نتذكر متى رأيناه أخر مرة؟!
مازلنا نسأل لماذا نشبه حياتنا في هذا العالم، كما يقول كاهن مانزي الياباني ( بقارب مبحر...؟ في الصباح الباكر/ لايترك خلفة أثرا)
فمتى أخر مرة رأيتك أيها القارب الواصل بسرعة قبلنا الى شوط النهاية؟
أتذكر أنه نهار زاده المزاح من أعوام التسعينيات الاولى في لندن، كنا نسرد فيها الطرائف، وكانت الألفة مازالت بين العراقيين لم تنخرها أيام المنفى بعد، قلت أن الكتب التي لا استطيع شراءها تغريني بسرقتها، وقلت لك أنت لست الأول والأخير، وربما تكون السرقة الوحيدة التي لا تدعو للخجل. هذا الهاجس -أقصد القراءة- أصبحت ماضيا، والكتاب أخر شيء يدخل الى البيت، ربما أن شارع المتنبي يقودنا الى هذا الماضي، فهو لما يزل يوقد شمعة في هذا الظلام .. ويحاول بكتبه والمجلات الملونة كالزهور أن يقاوم عتمة الطائفيين الجدد.
أتذكر مرة، في حقبة الشهيدة (اليمن الديمقراطية) تركت في يدي صورة لك، لم أعرف المغزي منها وربما كنت تتوسل تذكارا لإبن مدينة الكادحين (الثورة) وهو يذهب الى كردستان ليتلحق بفصائل الأنصار، و لكنك نجوت، وبقيت الصورة، تذكرني بك، رغم أن كل الاعوام بسنواتها وأيامها وساعاتها لم تقربني منك كثيرا، فربما كان لكل واحد منا طريقته في العيش، حتى إختيارك المنفى السويدي، بدلا البريطاني، تعد محاولة منك الإيغال في الوحدة والبعد.
علمت كما علم غيري، كيف قام الظلاميون الجدد بتغييب أخوتك منك بالتفجير ، كما سرقوا أخي فاخر وزوجته مني، فأولاد الفقراء كالعادة يدفعون الثمن، أدخلك الحزن سرته والكآبة، كما أدخلتني في خصومة دائمة مع الفرح، بعد أن طال ليل السكاكين الطويلة، وثلمت الظلالات السود ضوء القمر.
من كنت تتذكر وأنت تصارع موتك وحيدا في شقتك؟ وأي شيء كنت تحلم به أو تخطط له؟ لماذا خانك القلب وأنت تعطره لسنوات بالطيبة ومساعدة الناس؟ وكيف لنا أن نقتص من سرقك منا، وضيع كائنا جميلا وبدد عمر فرح ونضال وصبوات جميلة كانت تحلم أن ترى وطنا لا يجوع فيه طفل، ولايقمع عويل الأرامل ضحك الناس ؟
نم أيها الكريم، نم أيها الطفل البري ، فلقد بكتك كل النائحات ونخلات العراق، وساحات الثورة وشوارعها وجبال كردستان وسهولها، والقلوب التي لامستها بطيبتك.
وداعا، لا نملك غيرها، أيتها السفينة (الملئية بالجراحات) المبحرة في بحر الأبدية.
*الفقيد كريم محمد بدن (هاشم)