أنت لم تغب.. الرسالة الرابعة الى شهيد / ناصر الثعالبي

ليس مثلما تصورت في السنة الماضية، أننا سنحصد خيرا في هذه السنة. لقد مرت سنة قاسية، فقد سرق بيادر أهلنا حراسها، وتقاسموها في وضح نهار، كانت شمسه شاهد عيان.
رفيقي الشهيد : في محطات بلدنا نزل أغراب سوروا مدننا ب(لحايا) كثة وحقد حرق عشب الأرض، فمات على أديمها جمع ليس لهم دراية بما يدور. جنودنا رفعوا رايات إنهزام قادتهم ، فصدوا بصدورهم همجية العصر، في ساحات مدن وقرى الفقراء خطت أعلام الهجرة والتهجير حدوداً جديدة لوطن لم يبق غير اسمه يتنازع عليه عبر المحيطات والصحارى متنفذون وتكفيريون. لم نكن نحلم ولو في اليقظة بسلام. لقد أكلت الشظايا أحرفه الأبجدية وحولته الى نار سكنها أهلنا الموزعون في أجندات مخابرات الدول.
البارحة كنت أمر على بعض ما خلفته من كرامة، وزعتها علينا قبل الرحيل، كنت أود أن أعطي بعضها لحكامنا، لكني لم أفعل، مخافة أن يهدروها في مصالحهم وليس في مصالحاتهم. استوقفتني كلماتك الأخيرة، وأنت تودعنا لارتقاء المجد (ليس منا من يدل قاتلاً على باب أخيه) وها أنت ترى، لقد اصطحب البعض قتلتنا متبخترين، وهم يلتفون بعباءاتهم المزركشة بالدم، ثم تقاتلوا لإثبات ولائهم جهراً. لم تعد تسعهم وحدة الوطن فتقاسموها، وأشعلوا النار في أطراف خارطته، وأعلنوا أنها مناطق مختلف على عائديتها! أو قل سموها المناطق المتنازع عليها.
نعم أيها الشهيد، إنني أتفهم اندهاشك وحزنك ،فقد غلبهم أصحاب الروم والترك والفرس ،فباتوا يتبادلون الولاءات والمواقع . أما نحن فقد عفرنا تراب خيباتنا المتلاحقة في بناء الدولة الوطنية الديمقراطية، فانفض الجمع عنا ، فلسنا بدفاعين. فكيف يدفع من لم يجد خبز يومه ؟!. ولكننا لم نشهر سيوفنا بعد !
أيها الشهيد، عادت الينا مناشيرنا القديمة، حزينة منكسرة .فقد غيروا ديباجتها، وربطوا حروفها بنفاق العصر. فلم تعد تحمل رائحة دخان المعامل وزيوت بدلات العمال، فقد دمروا معاملنا وعلقوا عليها أعلاما سودا أطّرها اسم الجلالة. أصبح كل شيء أسود! ، أما أفكارنا فأصبحت أنيقة لايصل اليها العنف الثوري ولا يقظته، نعم أقدر دهشتك، وأنت تعيش أحلام النهوض الثوري ،أصحابنا ينحتون في الصخر في بلد، ناسه سحرتهم الغيبة، فهاموا بسبحانياتها ، واكتفوا بزهدها ، ولم يعد التحريك فيهم نافعا إلا قليلا .فقد تسلل اليهم اليأس حتى أصبح بعضنا جزءاً منه.
رفيقك (ص) لم يدفع بدل إشتراكه لسنوات أربع ، ولم يحضر إجتماعاً لسنتين ! لقد أخل بوصاياك عن كرامة الوطن التي نسعى الى إعادة ما فقد منها، فقد تخلف عن الوفاء بالعهد ! ولكننا أقسمنا، ونحن نستقبل طلتك البهية أن لا تراجع ، موحدين ما بقي منا - ونحن نطوي سنين حضورك - مع من عانقنا من الجيل الجديد، منشدين : يلرايح للحزب خذني.