سالم عبد الكريم المظفر (ابو سهاد).. وداعاً / حميد فرحان المسعودي

في مسيرة الحزب محطات كثيرة.ولأن كثير من الرفاق توقفوا عند بعضها بينما أستمر آخرون ليكملوا المشوار حتى النهاية وبطبيعة الحال لايمكن وصف من لم يكمل المسيره بالتقصير لكننا جميعا نشعر بالفخر والاعتزاز لمن واكبها وظل وفيا لها حتى الرمق الاخير
فالشيوعيون في وداعهم لم يكونوا مجهولين ابداً لأن لكل منهم بصمته فساحات النضال وميادين الانتاج ومؤسسات التعليم وتظاهرات الشعب شاهدة على مواقف رائعة تطرز سفر حياتهم بذكرى خالدة تؤطرها أكاليل غار ندية .
بفضل كل هذه السيرة النضالية الطويلة للحزب والتي لا يباريه فيها أحد لأمتدادها لأكثر من ثمانية عقود معمدة بالتضحيات والعمل الدؤوب قدم خلالها كواكب من الشهداء عمالاً وفلاحين، تربويين وكسبة ومثقفين .وودع قوافل من الرفاق والاصدقاء بسبب كبر السن والمرض الذي زرعته في اجسادهم اساليب الحكومات القمعية المتعاقبة وما طالهم من قمع وتعذيب وسجن اعلن عن فشله في كسر شوكتهم في كل مرة .
وكثيرة هي القناديل التي انارت ظلمة ليلنا الدامس وقادت مداركنا نحو اكتشاف ما يحيط بحياتنا من مجهول مازلنا نسعى لتفكيك خبايا وطلاسم رموزها المعقدة بضوابط الموروث وتراتيل الممنوع .
عبد الستار ناجي المحامي، رشيد العزاوي، الشيخ عبد الامير المظفر، صادق الجلاد، كاظم شجر، صبار جعاز، عبد الامير عباس، محسن ملا علي واخوه سلطان، علي صبري، و سالم عبد الكريم المظفر تلك هي الشخصيات المناضلة التي كانت تلتقي في مقهى الصدرية في التسعينات من القرن الماضي منهم من غادرنا ومنهم ما زال متواصلا مع الحزب الشيوعي العراقي .هذه المجموعة من المناضلين لعبت دورا مشهودا في دعم توجهات بعض الشباب في تلك الفترة ولإعادة الثقة الى نفوس البعض الاخر.
بعد انتفاضة اذار 1991ترك الكثير من الشيوعيين مناطقهم مجبرين وانتقلوا الى مناطق اخرى تخلصاً من بطش النظام وقسوته وتلافيا لملاحقته التي لم تهدأ، حينما طالت حتى فنادق العاصمة بغداد بحثا عن وافدين جدد من المحافظات .
التقيت الرفيق سالم عبد الكريم المظفر ( ابو سهاد ) في محل الشيخ عبد الامير المظفر لأول مرة عن طريق الرفيق رشيد العزاوي (ابو اخلاص) وقد تعلمت من الرفيق ابو سهاد واستفدت منه شخصيا فاضاف الرصيد حياتي الجزء الكبير مما يختزن ويمتلك من خبرة نضالية وسعة افق .
ابو سهاد المعلم القادم الى بغداد من بصرته التي يهيم بها كلما ذكرت كما هو حال البصريين طيبا ودماثة خلق وبالرغم من حذره الشديد فقد تعرض في مشوار حياته الى تنقلات كثيرة من مدرسة نائية، لاخرى، اكثر بعدا. ومن سجن لآخر اكثر قسوة نتيجة انتمائه للحزب الشيوعي العراقي. ولأنه لا يفترق عن الحزب وجدته بعد سقوط نظام صدام في مقر الاندلس وقد بلغ من العمر ما تجاوز العقد السابع فانتظم في احدى الخلايا وظل يعمل ويشارك ويبادر حتى فوجئنا بطلبه القيام بدور الموزع لجريدة الحزب في منطقة الكرادة. ترددنا في بادئ الامر لكبر سنه، لكنه اصر على ذلك . وقام بالمهمة بهمة عالية، فبنى جسورا من العلاقات الطيبة والمحترمة والمحبة المتبادلة بينه وبين اصحاب المحلات والمقاهي والبسطيات الذين كانوا ينتظرون قدومه صباح كل يوم متأبطا خمسين نسخة من جريدة "طريق الشعب" ليزودهم بآخر اخبار الحزب والناس وكان يردد انه لشرف كبير لي أن أوزع جريدة الحزب .
وحين طلبنا منه الركون والراحة لأن جسده لا يحتمل هذا الجهد في التنقل بين المحلات و لم يعد قادرا على حمل وتوزيع هذا العدد أبى ورفض حرمانه من متعة خدمة الحزب وكان في آخر ايامه يردد دائما مقولته " الشيوعي باب عطاء لا ينضب "
فوجئنا بغيابه وعدم استلام حصته التي يوزعها كل يوم كما فوجئنا بصاحب مقهى وآخر للصيرفة وعيناهما مغرورقتان يستفسران عن صحة الخبر هرعنا جميعا الى داره لكنه كان قد غادرنا جسدا وبقى بيننا روحاً.
ذكرى جميلة ستبقى ندية الى الابد يا أبا سهاد .