في اربعينية الفقيد الدكتور جلال الماشطة.. شمعةُ نــورٍ أنطــفأت / د.حسام آل زوين

شـمعةُ نورٍ اخرى انطفأت من شـموع البيت العراقي المتوهجة ، بيت الثقافة ، الادب ، الفن ، الصحافة والمعرفة العراقية ، شمعة بتكوينها الاصيل وعبقها الوطني انارت الوسط بضيائها الساطع طيلة العقـود ، شـمعة انطفأت بهـدوء .. . لقد انهل ابو فارس من ينابيع الادب والثقافة السوفياتيه الغنية ، وكغيره من تلك الشموع العراقية قـدمها بابداع حـزماً بل وفيضاً من تلك الروائع القيمة ...في الترجمة ، الصحافة والاعلام ، رحل الماشـطة بهدوء كهـدوئهِ الجميل .
جلال الماشـطة عراقيٌ وطنيٌ شهمٌ ، كريمُ النفس هادئ الطبع ، جميل المعشر واللقاء ، له حضوره المميز بأوسـاط الجالية العراقية ؛ المقيمين والمثقفين العراقيين والعـرب في موسـكـو . وعلاقاته الطيبة مؤطرة بالـود والاحترام والتقدير والمحبة والتواضع .
التقيته بمنتصف السبعينات في احدى المناسبات للجالية العراقية ؛ أنيق لطيف جميل الحديث والخلق والاخلاق ، يمرر انتقاده بمزح هادئ خفيف ذو دلالة نابتة ، يحب العراق والعراقيين ؛ ... ذات يوم ، كنا مجموعة من البيشمركة الانصار للتو خرجنا من كردسـتان بعد توقف الحرب العراقية الايرانية في 1988 ومن خلال المرور بموسـكـو عن طريق الصليب الاحمر بطريقنا التوجه الى جهة اخرى ، المكـوث لسويعات خرقنا الالتزام بالتعليمات والتوجيهات بعدم التواجد خارج الفندق ، ونزولا لرغبة بعض الانصار ( من جماعة جبـر ) لرؤية الساحة الحمراء ومرقـد لينين (نحن الان قد خرجنا من الموت ... اي مهما كلف الامر ؛ ولو انطبقت السماء على الارض لا نحيد الا لنزور الساحة الحمراء والحاج ابو لحية ، وليكن ما يكن من عقاب أو انتقـاد ) ، التقينا الاخ جلال الماشـطة بمحض الصدفة عند مدخل دار التقدم للكتب بموسـكـو وبحقيبته اليدوية المنتفخة ، وبذاكرته شخص البعض منا ، باعتزاز رحب اجمل الترحيب ، تبادلنا التحيات ومقططفات الاخبار حول الوضع في العراق ، شرحنا له الموقف ، ولتلهفه لسماع الاخبار عن الوطن ؛ تعهد بان يرتب جلسة سريعة ، نقل الموجودين الى الساحة الحمراء ، تمشينا بعض الشيئ . ذرف بعضهم الدموع ، رتب الحجز في مطعم موسكو عند مدخل الساحة الحمراء ، تناول الانصار طيب المأكولات والشراب غير تلك التي كانت تطهى في كردستان لسنين ، دب الحديث وشجونه عن التجربة لساعة متأخرة من الليل ، اوصلنا الى الفندق ، كان المسؤلون بالانتظار لنقلنا الى المطار ، حينها تبلعم الانتقــاد خجـلا . كم احبه الانصـار لحسن ضيافته وأستقباله والرعاية والاهتمـام ولتقصيه الاخبـار لهذه الساعات المعدودة وكم ترك انطباعا جميلا لمثقف رائع جميل ، هو جلال الماشطة .
ابو فارس ؛ برحليك فاجـأت الجميع اصدقاء ومعارف .. قريب .. وبعيـد ، برحيلك .. لم ترحل .. وان رحلت فلن ترحل ؛ فانت موجود في كل قلوب المحبين اوحتى في قلب من التقاك .. وانت تعلم بان الرحيل هو خسارتنا التى لا تعـوض ياجــلال في هذا الزمن الاغبر .
عشت ابو فارس وقدمت فيضك من الابداع ؛ الرحمة والغـفـران ، الصبر والسلون للاهل جميعا والذكـر الطيب دوما ، في جنان الخلـود ايها الهادئ الجميل .
سلاما لك وسلاما لمن تزورهم في نفس الجنان ... غائب طعمة فرمان .. عباس علي هبالة ابو ليلى .. أبو علي ، أحمد النعمان واخرين ... اخرين تلقاهم من خيرة الناس ... اصدقائك وزملائك الرائعين الطيبين بدون اسـتثناء .
خالـدة ذكــراكم .