كان ما كان في حلم علامة مضيئة لروناك شوقي

عبد جعفر
عرضت ما بين 18-20 أيار على مسرح كويستر في إيلنغ غرب لندن مسرحية ( كان يا ما كان في حلم) من إخراج الفنانة روناك شوقي وتمثيل الفنانة سلوى الجراح وروناك.
والعمل معد من نص بابلي قديم (حوارية السيد والعبد). ويأتي هذا العمل في ذكرى رحيل الفنان الكبير خليل شوقي (2015-1924) الذي سبق وأن قدم هذا العمل مع الراحل الفنان منذر حلمي في لندن وكان من إخراج الدكتور عوني كرومي.
وعرضت قبل المسرحية، مقابلة مع الفقيد الكبير ولقطات من الاعمال المسرحية والسينمائية والتلفزيونية التي اشترك فيها.
كما تحدث أبناء وبنات الفقيد عن المحطات المهمة في حياة المبدع الراحل الذي ترك بصمات كثيرة في مجال الفن تعد مدرسة للأجيال القادمة.
فشوقي لم يكتف بتشجيع أخيه الأكبر، بل وجد ضالته في قسم التمثيل في معهد الفنون الجميلة ببغداد. وحصل بعد ذلك على دبلوم عام 1954.
وكانت هذه البدايات و إجتهاده الشخصي قد خلقت منه فنانا مبدعا في مجالات مختلفة، ففي عام 1947 أسس (الفرقة الشعبية للتمثيل) وبعد ذلك أسس فرقة (جماعة المسرح الحديث) التي الغيت اجازتها بعد اعتقاله في 1963.
ورجع الى عالم المسرح ثانية عام 1965 حيث أعاد تأسيس (فرقة المسرح الحديث) تحت مسمى "فرقة المسرح الفني الحديث" وانتُخب سكرتيرًا لهيئتها الإدارية. وعمل في الفرقة ممثلاً ومخرجاً وإدارياً وظل مرتبطاً بها إلى أن توقفت الفرقة المذكورة عن العمل بعد عام 1979. وقد اشتهرت هذه الفرقة بتقديم إعمال متنوعة ومتميزة كانت مثار وإعجاب الوسط الفني والجماهيري.
وذكر أبناء الفقيد أن والدهم كان مثالا للأب الديمقراطي الذي يحترم خصوصيتهم ويتعامل معهم كصديق ويبدى توجهاته من دون فرض أو تعسف. وقد أرسى لديهم حب الثقافة والفن.
المسرحية
العمل سبق وأن قدم من قبل فرق عديدة وفي مسارح عدة وفي إضافات ورؤية مختلفة، بحكم أن النص الأصلي كان قصيرا جدا.
تميز هذا العمل عن الاعمال المسرحية التي قدمتها روناك في لندن، بالفرجة المتقنة من خلال الإخراج والتمثيل والنص أيضا. يبدأ العمل من خلال حوار السيدة (روناك) مع خادمتها فيروز (سلوى الجراح) الذي يتضمن عمقا فلسفيا وفكريا، بالإضافة الى المفارقات المضحكة. ويذكر أن النص الأصلي الذي فيه الكثير من هذه المفارقات ومنها هذا الحوار:
- أيها الخادم، أصغ لما أقول وأطعني.
* سمعاً وطاعة يا سيدي.
- جهز لي عربة وشُدَّ إليها الجياد، لأني سأتوجه إلى القصر الملكي.
* إذهب يا سيدي إلى القصر، إذهب. فهنالك سيكون الملك كريماً معك ويحقق كل رغباتك.
- كلا أيها الخادم، لن أذهب إلى القصر.
* لا تذهب إلى القصر يا سيدي، لا تذهب. فهنالك سيرسلك الملك في مهمة إلى بلاد لا تعرفها. عندها ستقع في الأسر وتقضي ليلك ونهارك في عسر ومشقة.
- أيها الخادم، أصغ إلي وأطعني.
* سمعاً وطاعة يا سيدي.
- أحضر لي ماءً لأغسل يديَّ وأتعشى.
* تعشَّ سيدي تعشَّ. إن تناول العشاء بانتظام يفرح القلب، الإله شَمَشْ يكون حاضراً أثناء العشاء الذي يؤكل بسعادة وبأيدٍ مغسولة.
- كلا أيها الخادم لن أتعشَّ.
* لا تتعشَّ يا سيدي، لا تتعشَّ. فمن الأفضل للإنسان أن يأكل فقط عندما يجوع، ويشرب فقط عندما يعطش.
ومسرحية (كان ياما كان) تبدأ بحديث السيدة العجوز بالحديث عن ماضيها الفني والغنائي وتذكر أمجادها التي لم يعد أحد يحفل بها. وتحاول ان تغني بصوتها رغم كثرة النشاز فيه. وتخبر السيدة خادمتها انها ستبدأ بجولة في الغابة وزيارة البلاط. الخادمة تحاول مسايرتها ولكنها تخبرها أن الفصل الصيف قد ذهب، وأنهم الآن في فصل الخريف والجو أصبح باردا، وأن الحياة قد تغيرت فلم يعد هنالك ملك. السيدة تتعجب لما حصل، ثم تعود في الحديث عن إشتراكها في رحلات صيد الحيوانات وتعترف إنها كانت تشعر بالذنب لعمليات القتل، وتشعر إنها الفريسة التي تذبح.
ورغبات السيدة لا تنتهي فهي تريد الزواج وتكوين أسرة في هذا العمر. الخادمة توافق على رغبتها، ولكن سرعان ما تتراجع السيدة، وتخبر الخادمة أنها مشغولة جدا وليس لديها وقت لتربية الإطفال. تغضب الخادمة وتطلب منها نيسان الإمر. ثم تعلن السيدة أنها تريدا رجلا تحبه. وتصاب بالخيبة عندما تخبرها الخادمة أنها سبق لها وأن تركت الرجل الذي أحبها. ثم تعود مرة أخرى لتقرر القيام بالثورة وتحقيق العدالة. ولكن كيف تواجه التعذيب في سجون الدكتاتور؟ فتقمع الرغبة في الثورة بداخلها.
السيدة التي ليس لها إحساس في المكان والزمان وكأنها خارجة من زمن أخر مثل (أهل الكهف)، تبقى تحلم بأنها أمجادها الغابرة مازالت حاضرة وهي قادرة أن تغني وترقص وتعشق، فهي لا تبالي عما يحدث، وترى ان الناس يتحملون نتائج أفعالهم. في الوقت الذي تطلب منها الخادمة نسيان الماضي والإهتمام بحاضرها. وعندما ترى ان لا فائدة ترجو منها، تقرر تركها لإعتقادها أن الناس لا يمكن أن يعيشوا بعزلة وعليهم تحرير روحهم من أعباء الماضي. لتبقى السيدة أسيرة ماضيها وعالمها الذي لم يعد يرى النور.
العمل يعد خطوة متقدمة في أعمال روناك شوقي الإخراجية وقدرتها العالية في تجسيد شخصية العجوز المتقبلة. رغم ما شابه من إطالة في الحوار، نظرا لإعتماد العمل على ممثلتين فقط رغم ادائهما الجيد و تناغمهم العال في رسم الشخصيتين (السيدة والخادمة) . كما أن محاولة المخرجة كسر الرتابة من خلال لقطات سينمائية من أعمال مصرية كتعبير عن تذكر البطلة الفنانة لحياتها السابقة لم تكن موفقة.