سيرة حياة الفقيد حافظ النجار / سعدي النجار

ولد الفقيد حافظ النجار في ربيع 1935 في منطقة صبابيغ الال من عائلة بغدادية وبسن مبكرة عند انتقال العائلة الىمنطقة الاعظمية و في حدود عام 1945 سجل مع صغارالاخوان المسلمين، كان هذا التنظيم يجتذب النشء بالمغريات مثل تهيئة مسابح نهرية (جراديغ) ايام الصيف الى غير ذلك...الا انه لم يجد في ارشاداتهم و وعضهم الديني ما ياتي بالنفع على الفقراء والمحتاجين، بل يدخل بباب التفرقة الطائفية وطاعة الوعاظ، والذي ادرك فيما بعد ان هذه التنظيمات تخدم مصالح لاتمت الى الدين بشيء .

تأثر حافظ كثيراً بالوضع المزري للعوائل الفقيرة في الاعظمية وعموم بغداد التي كانت تعيش في بيوت خربة او من الطين او الصرايف .كان دائماً يطلب من العائلة تقديم المساعدة لهم علماً ان عائلتنا ليست هي من العوائل الميسورة الحال ،كان منذ صغره اجتماعياً، التف حوله العديد من الاصدقاء وعندما صار شاباً وفي بداية خمسينيات القرن الماضي بدأ يتعرف على قسم من طلبة دار المعلمين في الاعظمية المرتبطين بالحركة الوطنية والرافضين للمعاهدات الاستعمارية الجائرة، وعلى الشيوعيين، واعتقد انه تأثر كثيراً في مجريات وثبة كانون مما قاده للارتباط بالحزب الشيوعي العراقي. برز نشاطه واضحا في حملات الانتخابات النيابية من اجل انتخاب مرشحي الجبهة الوطنية، وكان مقداماً وقيادياً وشجاعاً في التظاهرات الجماهيرية الواسعة عندما حصل العدوان الثلاثي على مصر بعد تأمين قناة السويس هنا يمكن الاشارة الى انه الهم عائلتنا بجميع افرادها بنين وبنات، والهب فينا الشعور الوطني والسياسي ودلنا على درب الحزب الشيوعي العراقي، التنظيم الذي يدافع عن الفقراء ضد القهر الطبقي، ومن اجل العمال والفلاحين وقد انتمى الجميع في العائلة وفي فترات الى تنظيم الحزب،ليس هذا وانما لعب دوراً في لف الكثيرين حول الحزب قبل ثورة 14 تموز ،اضافة الى كسب عناصر من الضباط الصغار الى الحزب والذين دخلوا في تنظيمات الضباط الاحرار، اذكر منهم محمد مجيد بحر الذي اسر مع عبدالكريم قاسم في انقلاب 63الاسود .
في بداية ثورة 14 تموز58 وبعد اطلاق سراح المعتقلين السياسيين من سجون النظام الملكي ،اقام حافظ في شهر تشرين الاول بإيعاز من الحزب حفلة في دارنا الواقعة في شارع طه في الاعظمية على شرف الرفاق الذين اطلق سرحهم وبمناسبة الثورة الوطنية ثورة14 تموز، التأم فيها العديد من قادة الحزب . اضافة الى قادة وطنيين زاد عددهم على الـ150 اذكر منهم زكي خيري ،كاظم فرهود ، عبد اللطيف الحاج ،عزيز الحاج،داود الصايغ ،كريم الحكيم وربما عزيز محمد ورفاق آخرين، ومن القادة الوطنيين اذكر المحامي كامل قزانجي وتوفيق منير الذي صفاه مجرمو انقلاب 63 برميه من شرفة داره. ولربما لازال حافظ يحتفظ في داره ببعض الصور لهذه المناسبة لكن معظم الصور اتلف فيما بعد حذرا من التحري وكان صدى هذا الاحتفال واسعا في بغداد.
كان حافظ يحضر اجتماعات واحتفالات ايام ثورة 14تموز تدلل على نشاطه الجماهيري والرسمي، منها احتفال افتتاح سفارة الصين الشعبية . (لدي صورة لهذا الاحتفال احتفظ بها يظهر فيها عبد الكريم قاسم الى جانب السفير الصيني والجواهري ونزيهه الدليمي وحياة النهر ووصفي طاهر وحافظ النجار واخرون وهي صورة فريدة من نوعها).
حصل حافظ على بعثة للدراسة في المانيا الغربية من وزارة المعارف.حيث كان الاول على مدرسته في عام 1958 وكان عليه تقديم وثائق الى دائرة البعثات لم يستطع الحصول عليها قبل الثورة بسبب نشاطه السياسي مثل شهادة حسن السلوك وعدم المحكومية ولكن بعدالثورة ازيح هذا العائق امامه وسافر للدراسة في نهاية العام ،في الفترة من بداية الثورة الى سفره لعب دوراً متميزاً في زيادة جماهيرية الحزب والدفاع عن الثورة وظل معروفا بين الرفاق والجماهير حتى بعد سفره. في المانيا الغربية ايام الدراسة كان من نشطاء الحزب والحركة الطلابية العراقية في المانيا، شارك في مهرجان الشبيبة والطلبة العالمي ضمن الوفد العراقي الذي عقد في النمسا /فينا في عام 59. في عام 62 جاء لزيارتنا في بغداد وفي اثناء تلك الزيارة عند لقائه مع احد اصدقائه تعرض لمحاولة ايذاء او اختطاف او قل ما شئت من جلاوزة البعث وتخلص منهم بشجاعته،عاد بعدها الى المانيا .اكمل الدراسة .وبعد الانقلاب الفاشي في 63 لم تجدد جوازات الشيوعيين وظل حافظ مع الكثير من الشيوعيين بدون وثائق اقامة حيث عمل حافظ بوثائق اخرين اوحتى مزورة لكي يحصل على مبالغ اجور السكن والعيش وظل ابياً وفياً للحركة وهنالك الكثير من القصص المؤلمة التي لا مجال لذكرها عن المعاناة وشظف العيش الى ان تمكن من ترتيب الامور الحياتية. لم يرق لحافظ كما لكثير من الرفاق اَنذك الخطاب اليميني فكان من الرافضين له ولكونه من الرفاق الصداميين صار ميالا للتطرف اليساري، حيث انه عند انشقاق عزيز الحاج كان مع تنظيم القيادة المركزية والتزم معهم بمواقع قيادية ،كان يؤوي في محل سكناه في برلين احد الرفاق القادة وهو .....الازيرج وكما علمت كان من الضباط المفصولين من العهد الملكي، ومن قراراته التي لم يتمكن من تنفيذها هي العودة الى العراق للاشتراك في حرب الاهوار ربما بسبب عدم تقدمها وبسبب انهيارها.ولعلاقته ببعض قادة الحركة الكردية استضاف في سكناه في برلين جلال الطالباني ولمدة تزيد على الشهرين.
لقد ذكرت انه دخل بتنظيم عزيز الحاج لاعتقاده بانه تنظيما شيوعيا وثورياً ودخل حافظ بتعارض مع تنظيم الحزب المركزي واستمر بذلك واعتقد انا، ان السبب هو ايمانه باسلوب كتابة عزيز الحاج ،لكن ذلك تبدد عندما انهار عزيزالحاج وكشف تنظيمه مما اودىبحياة واستشهاد كوكبة من الرفاق.
كانت له ايضا علاقة صداقة واسعة مع شخصيات وطنية امثال عبد اللطيف الشواف والشاعر الكبير الجواهري وعبد الوهاب البياتي واخرين.
عاد حافظ الى العراق بعد مدة من انقلاب 68 واستلاب البعث للحكم وبدأ العمل في معمل المعدات الهندسية في الاسكندرية وبسبب المشاكسات من البعثيين لم يستمر في العمل، وقدم استقالته ثم عمل بعدها مديرا لمعمل نسيج اهلي يعود لاحد ابناء الشيخ علي (اخو رافع الشيخ علي احد الرفاق القياديين في الحزب الشيوعي في فترة ما واخو عبد الباري الشيخ علي المقيم الان في فيينا وهو اقتصادي تربطه بحافظ علاقة صداقة متينة ) واستمر في العمل الى اكثر من سنة وبسبب وقوفه مع العمال ولان البعثيين كانوا يريدون السيطرة على العمال ونقاباتهم صاروا يهددون ويتوعدون، وبسبب ذلك عاد الى المانيا وتزوج بعدها وعمل مهندس ميكانيك صيانة لمكائن ومولدات (بنوك شبار كاسه) في برلين. وفي سنة 1975 ولدت زوجته له فارس الذي ظل معه حتى وفاته علما ان زوجة حافظ توفيت بسسب مرض السرطان في عام 91 ، انهى فارس دراسة الحقوق وصار محاميا يمارس عمله في برلين.
ظل حافظ بموقفة الرافض للجبهة غير المتكافئة مع البعث، وكان ذلك مؤلما له واصفا ذلك بالضعف والذيلية ولكنه استمر بعلاقة الصداقة مع رفاق الحزب واصدقائه وكان لا يرى ان اشرف و انظف من الشيوعيين العراقيين .
كان مساندا وداعما للحزب في تنظيمه للحملات ضد الحكم الدكتاتوري المقبور و مواظباً على حضور المناسبات والاجتماعات التي تقيمها المنظمة الحزبية في برلين لعامة الاصدقاء والرفاق اوالتي يقيمها النادي العراقي في برلين فيما بعد السقوط وقد كرم كونه من الرعيل الاول في المانيا . ظل حافظ يملك علاقات واسعة الى ان انحسرت لقاءاته في السنين الاخيرة خاصة بعد ان اصيب بالجلطة الدماغية قبل ثلاث سنوات واقتصرت على القليل من الاصدقاء مثل مجيد القيسي وطارق عيسى طه الخ وكذلك على افرد العائلة في لندن.
كان حافظ سنداٌ ومعيناً لي عندما فصلت انا وقطعت حكومة البعث التمويل المالي عني في عام 77، مما ساعدني دعمه المالي السخي على مواصلة الدراسة واكمالها، ظل يساعدني ويذكر ذلك عدد من الرفاق عندما كان يرسل لي بعض النقود كان ذلك معينا لنا في تلك الايام الصعبة، استمرت علاقتنا قوية جداً، تواصلنا في الزيارات واللقاءات والاتصالات الهاتفية، كان لي اخا حميما ومرشدا ومعينا، كان يرسل المبالغ بسخاء الى افرد العائلة والاقارب في العراق لاعانتهم ايام حروب المجرم صدام، وكان يحثني ان افعل ذلك انا ايضا، كان دائما رحوما وعطوفا وحنينا وعاطفيا ومساعدا ويتفقد الجميع مع كونه شجاعا وقويا لايساوم . اعتبر حافظ رأسا للاسرة بحق ،انه حقا خسارة لاتعوض بالنسبة لي ولابنه فارس الذي هو شديد الارتباط به ايضاً وخسارة كبيرة بالنسبة للعائلة جميعا وللأصدقاء ستبقى ذكراه ومرحه ومزاحه ونكاته في الذاكرة لكل من عرفه. فلا يسعني الا ان استشهد بأخي وهاب الذي رحل عنا ايضا في عام 56 في حادث مؤلم والذي كان ايضا مناضلا وملهما لحافظ ولنا جميعا عندما كتب يقول: (ايها الانسان ما انت الا قطعة من الحياة وما الحياة الا تعبير للوجود فاثبت وجودك بذكراك). واخيرا ان حافظ يعيش معنا بذكراه العطرة لايفارقنا ابداً.