(غيمة العراقيين تحلق فوق سماء شيكاغو)

نجاح يوسف
في أمسية أقامها مركز الفن البَصَري في مدينة سان دييغو، بالتعاون مع (مكتبة الكهون العامة) بتاريخ 18، كانون الثاني إحتفاء بالقاص حيدر عودة، بمناسبة صدور مجموعته القصصية الجديدة (غيمة شيكاغو)، التي صدرت حديثا عن -دار شهريار- في العراق ولبنان.
في بداية الأمسية قدم الأستاذ محمد طعمة مسؤول منظمة تطوير، شكره وللمشاركين والجمهور ولمكتبة الكهون العامة، بعدها قدم القاص نسخة من كتابه إالى ممثلة المكتبة السيدة فرح، أهداه إلى القسم العربي في المكتبة ولقراء العربية في المدينة. بعد ذلك قدم الروائي زهير الجزائري ضيفه بنبذة تعريفية قصيرة، أشار فيها إلى انتماء القاص إلى جيل التسعينيات في العراق، وإلى دراسته للمسرح، وإلى اهتماماته في الفن والنقد التشكيلي. بعدها قرأ القاص شهادة أسماها: "ما يشبه التأمل.. المدن تتشابه أيضا"، أشار فيها إلى بداياته في كتابة القصص في فترة التسعينيات في مدينة الناصرية، موضحا ومناخات تلك القصص وعوالمها وأمكنتها الأولى. ثم أشار إلى مفهوم الكتابة القصصية لديه، وما عاناه القاص العراقي من قسوة ورقابة وبطش السلطة في زمن البعث، مشيرا لتجربته الخاصة مع الكتابة والهجرة التي- إضطر إليها- بتعبيره، وصولا لسنوات مغتربه الأمريكي. قائلا: " بين مجموعتي القصصية الأولى (حواءات آدم، الصادرة عام 0200) وبين هذه القصص حوالي سبعة عشر عاماً، وبينهما أيضاً مسافة طويلة. بين مدن كنت أحلم بالهروب منها وأخرى أقاوم للبقاء فيها. وكما لو أن المدن يمكن أن ترحل معي؛ المدن التي تحولت ذات يوم إلى أحلام لا يفارقني سحرها، حتى حين أصحو صباحاً أجد ذلك الطفل ما زال يفتح عينيه، وهو يرى نفسه في ذات البيت الذي عاش فيه طفولته وشبابه. كما عبر بهذا المعنى الروائي الكولومبي "غابرييل ماركيز" ذات مرة. ثمة أكثر من رحلة في قصص هذا الكتاب يبحث فيها مجموعة من ساقةِ سيارات الأجرة عن مدنهم البدئية، تلك التي تشكلت منها ذكرياتهم وأحلامهم وأفكارهم عن العالم والنساء والسعادة والاغتراب وغيرها من المواضيع. هي كانت بمثابة المعادل الموضوعي لعملية البحث عن أمكنة حقيقية أو غير حقيقية، بمثابة صراع بين غياب حقيقي وحضور مزيف". معرجا في الوقت نفسه على اختلاف المناخات واللغة والمواضيع بين المجموعتين. بعد ذلك قرأ مقطعا من إحدى قصص المجموعة الجديدة. بعدها سأل الروائي (الجزائري) القاص عن فضاءات المنفى والأمكنة المختلفة أثناء الكتابة وعلاقتها مع قدرة الشخصيات في تشكيل الذاكرة السردية الخاصة بها وتأثيث المناخ العام للأحداث. وكيف رأى هو ذلك في مجموعته هذه؟ ثم أجاب القاص عن ذلك بقوله: "أنه عاش ما يشبه صراعا داخليا مع وجوه متعددة، ومناخات مختلفة وأفكار متصارعة هي الأخرى. إذ لم يكن ذلك بالأمر الواضح واليسير على الذات الكاتبة وعلى شخوص القصص بشكل عام".
بعدها شارك الجمهور بحوارات عن تجاربهم الخاصة في المنفى التي أثرت وأصَّلت نظرتهم إلى حياتهم السابقة وصراعهم من أجل البقاء، وعملهم من أجل الوصول إلى تحقيق قدر من الحياة بشكل أفضل، أو تقديم منجزاتهم وإبداعاتهم هنا. وقد تعددت وجهات النظر في شكل الإبداع في المغترب وتأثيره على المشاهد أو القارىء الآخر، بالنظر لحجم التحدي الذي يواجهونه هنا كل يوم، سواء في اختلاف الحضارة والثقافة واللغة أو العادات والتقاليد بشكل عام. وقد شارك "الدكتور محمد شياع" في ورقة نقدية حول طبيعة السرد في قصص المجموعة، مشيرا إلى نجاح القاص في السرد الدائري والسيطرة على سير الحكاية ووضوح الشخصيات. وفي سؤال عن خصوصية هذه القصص تحدث القاص حيدر عودة عن طبيعة قصص الكتاب ومناخاتها وملامح شخوصها وما إذا كانت الشخصيات حقيقية من الواقع أم هي من خيال الكاتب والكتابة؟ أجاب عن تلك التساؤلات: "تجربتي الحياتية هنا وطبيعة عملي كسائق أجرة أتاحت لي فرصة أن أقترب أكثر من حياة العراقيين في مدينة "سان دييغو" وبعض المهاجرين من العرب والأفغان والمكسيكان وغيرهم. أخذت أتابعهم من خلال صوت الراوي في أغلب القصص وهو: "سائق أجرة" عراقي يتأمل يوميات زملائه، وما يحيط بهم، وما يجري لهم من حوادث وكيف تسير مصائرهم. كذلك بينت نظرتهم لما حولهم هنا وإلى حياتهم في بلدانهم التي هربوا منها أو إضطروا للهجرة باختلاف الطرق والمسببات. أردت الكشف عن جانب آخر من حياة العراقيين والمهاجرين غير الواضح، من خلال تأمل شرائح مختلفة منهم والبوح باسرارهم الخاصة، أو الكشف عن نهايات بعضهم غير المعلومة". وفي نهاية الأمسية طلب المقدم من الجمهور الراغب بالحصول على نسخة من الكتاب، ثم قام القاص بتوقيها بعد أن شكر القائمين والمشاركين والجمهور على التفاعل والتشجيع ودعمهم المتواصل للثقافة العراقية.