الجمعية الثقافية العراقية في مالمو.. بيت عراقي زاخر بالجمال

في كل المدن الأوربية التي إستوطنها العراقيون، وربما في بعض أحيائها أيضاً، لابد أن تجد منتدى ثقافياً أو بيتاً عراقيا، أقامه هؤلاء المهاجرون، صيانة لما حملوه معهم من تقاليد الألفة والمحبة وتخفيفاً من قسوة هذه المنافي الموحشة. وبالضد مما كان محتملاً، لم تتقلص هذه الأعداد بعد سقوط الدكتاتورية السابقة، بل هي في تزايد مستمر جراء تواصل الأرهاب والعنف في الوطن وإشتداد الإستقطاب الطائفي وتنامي القلق من أن يؤيد مستبد أو مستبدون جدد التحول الديمقراطي الذي ولد خديجاً بيد المحتل. وكما كان الأمر قبل سنين، يبقى السؤال المثار الى أين تمضي هذه المنتديات الكثيرة؟
من الواضح إن هناك ضرورة لوجود تصنيف محدد لهذا الحشد، فإقامة ناد او جمعية أمر يسير في ظل القوانين السويدية التي تساند بقوة نشاط الحركات الشعبية ومنظمات المجتمع المدني لدورها المهم في صيانة النظام الديمقراطي والسلم الإجتماعي، غير إن الصعب حتماً هو أن تكون فاعلاً تستقطب أبناء الجالية العراقية وتنال دعمهم فيما تقدمه لهم، وهو ما ترصده المؤسسات السويدية وتقيم له أكبر إعتبار.
ولعل أبرز وأقدم بيت عراقي يمكننا أن نستدل به على إستنتاجنا هذا، هو الجمعية الثقافية العراقية في مالمو، والتي تأسست في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، وتنتسب اليها مئات العوائل العراقية، وتشهد مسيرتها المئات من الأماسي الثقافية والندوات العلمية والفعاليات الإجتماعية. وللتعريف بهذا البيت العراقي، زارت طريق الشعب مقر الجمعية، الذي زينت جدرانه صور الجواهري الكبير والزعيم الراحل عبد الكريم قاسم ولوحات لفنانيين تشكيليين مبدعين، وحشد من أعضائها كان يتهيأ لحضور لقاء مثمر مع أحد أدباء بابل الذي إستضافته الجمعية ضمن وفد من مبدعي الوطن. وحال إنتهاء الأمسية التي ألقى فيها الاديب صباح محسن جاسم محاضرة بعنوان (حين يقرأنا الشعرُ ويلهمنا القص) وتحاور معه الجمهور عنها بعد ذلك، كان لنا هذا اللقاء مع المهندس عصام مرزة رئيس الجمعية:

• لماذا هذه الجمعية؟

للإجابة على هذا السؤال، لابد أن نتذكر الوطن وحتى المنفى في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، حين ساد القمع الفاشي كل خلايا العراق من أقصى كردستان حتى الفاو، وحيث تفنن الفاشيون في إنتاج الخوف واستهلاكه وفي إكتساح الثقافة وتخريبها وتشريد المبدعين، ممن رفضوا التدجين وتزوير قيم الحياة والتطبيل للقائد. فكان لابد من بيت ثقافي في هذا المنفى، محصّن ضد القمع ومؤسساته وضد التعهير الفكري والهيمنة والإستلاب، ومن أجل إذكاء روح المقاومة للفاشست وإدامة التواصل مع مبدعينا وخلق ساحة للتلاقح بين نتاجاتهم وأعمالهم وبين الثقافة السويدية، ولهذا تأسست هذه الجمعية وسعت لأن تكون وفية للأهداف التي أنشئت من اجلها.

•كيف يمكنكم دعم مبدعينا المنتشرين قسراً في هذه الغربة الموحشة؟

دأبت الجمعية منذ البدء على دعم مثقفينا بكل ما أتيح لها من إمكانيات، وأصدرت مجلة ثقافية فصلية "تموز" التي إعتنت طيلة عقدين من الزمن ولا تزال بنشر نتاجات المبدعين العراقيين من شعراء وكتاب وتشكيليين ونقاد وغيرهم والتعريف بهم وإيصال أخبارهم الى جمهورهم، سواء من كان منهم خارج الوطن،أم بقي أسير الفاشية هناك. كما أقامت مئات الأماسي الثقافية التي إستضافت فيها مبدعينا في مختلف المجالات ليتواصلوا مع جمهورهم ومع المثقفين السويديين. وكانت لنا تجربة ناجحة في إقامة أسابيع ثقافية يخصص كل يوم منها لميدان إبداعي معين، فيما يقام فيها معرض شخصي أو مشترك لفنانينا التشكيليين وتختتم بحفل موسيقي وغنائي. ورغم محدودية الإمكانيات فقد نشرنا عدداً من الكتب كمجموعات شعرية وقصصية ودراسات فكرية مختلفة على حساب الجمعية ووزعناها على أعضائنا وأبناء الجالية.

•أبرز نشاطاتكم في مجال التبادل الثقافي مع المجتمع السويدي؟

وهنا أيضاً كانت لنا مساهمة وإن كانت متواضعة، حيث أقمنا العديد من الأماسي الثقافية المشتركة لمبدعين عراقيين وسويديين، سواءً في مجال الشعر أم الموسيقى أم التشكيل أم السينما. في المسرح كانت لنا مساهمات جيدة في دعم بعض الفرق العراقية السويدية كفرقة المسرح الرافديني مثلاً. في مجلة "تموز" نشرنا العشرات من القصائد السويدية التي ترجمها أعضاء جمعيتنا. كما نساهم في برامج التكامل بين الجالية والمجتمع السويدي.

وماذا عن التضامن مع أهلنا في الوطن؟

الوطن ومأساته جرح دائم في القلب، نحن لم ولن ننفصل عن تراب وروائح وألوان الوطن... لم تترك جمعيتنا فرصة دون القيام بنشاط تضامني مع شعبنا ضد الإرهاب والطائفية والعنف ومن أجل عراق ديمقراطي مزدهر وآمن. العشرات من الوقفات التضامنية والإعتصامات ضد الحصار والحرب والدكتاتورية ثم مثيلاتها ضد الاحتلال ومن أجل ديمقراطية حقيقية وضد أية مساع لوأد الديمقراطية الناشئة وخاصة ما يجري من محاولات تكميم الأصوات مؤخراً والتضييق على الحريات. ونستفيد من علاقتنا بالمؤسسات الثقافية والاجتماعية السويدية لإيصال صوتنا الى الحكومة السويدية والاتحاد الأوربي للتضامن مع شعبنا وقواه الديمقراطية الحقيقية. وها أنت تحضر اليوم أمسية لأحد مبدعي وطننا الذي لبى دعوتنا، وعدد من زملائه، مشكورين.

• وماذا عن الجيل الجديد؟

هذه مشكلة كبيرة، فالتواصل مع الجيل الجديد ضعيف، ربما لإننا لم نستعد للإستقرار هنا، بل كنا ننتظر كالمسافرين في الكراجات، أن تأتي حافلة التغيير وتحملنا للوطن. الأن نحتاج الى مراجعة جادة لتعزيز العلاقة مع الشباب ومعالجة قصورنا بذكاء وحذر وبعيدا عن الرومانسية والعاطفة.. علينا أن نكسر التابوات ونتعامل مع الشباب وفق الثقافة الجديدة التي يحملونها والتي تلاقحت مع ثقافة السويد، ولاسيما الحسن من هذه الثقافة.

• هل جمعية المرأة جزء منكم، أم لكم نشاط خاص فيما يتعلق بالنساء والأطفال؟

لا، لكننا ننسق نشاطاتنا لتقارب أهدافنا. نحن لنا نشاط خاص في المجال الإجتماعي كالسفرات والحفلات العائلية ولنا برامج خاصة بالأطفال. ولعلنا البيت الثقافي الوحيد الذي أقمنا أسابيع وأماسي خاصة بالمبدعات العراقيات. من أبرز نشاطاتنا في الأونة الأخيرة محاضرة عن العنف ضد المرأة من منظور إسلامي للباحث المعروف غالب الشابندر وأخرى للباحثة سلمى السداوي.
وقبل أن أغادره شاكراً حسن الضيافة، سألته وكيف تتطلعون الى الغد؟ فاطلق حسرة ألم وقال مختنقاً بالحزن:
 مرّ العمر سريعاً ياصاحبي، وعجلة الحلم ما تزال مرتبكة الخطى، لكننا نثق بأن قيم العدالة والخير والجمال ستنتصر في النهاية.