حميد موسى : ضرورة تجنب تكرار النماذج الفاشلة في ادارة مؤسسات الدولة

التقت "طريق الشعب" الرفيق حميد مجيد موسى ، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ، ووجهت له عددا من الاسئلة بشأن الحراك الشعبي المتواصل وآفاقه ، وعن دور الشيوعيين فيه ، ومشاركة التيار الصدري وما تحمله من دلالات ، وضرورة التغيير والاصلاح ، وعن ما يطرح من مشاريع ذات علاقة به وبدءا من التغيير الوزاري ، واجاب الرفيق بالاتي :
الحراك الجماهيري جاء رد فعل على تعمق الازمة الشاملة التي يعيشها البلد، والتي استعصى حلها بسبب نظام المحاصصة الطائفية – الاثنية، وشيوع الفساد، وجراء التدخلات الاقليمية والدولية الواسعة واللاشرعية. فلم تعد جماهير الشعب تقبل استمرار هذا الوضع غير الطبيعي، لذلك تحركت لممارسةً حقها المشروع في الاحتجاج على الاوضاع السيئة: الخدمية والامنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. فخرجت تطالب ببدائل تنسجم مع حاجة البلد الى الخلاص من التخلف وسوء الادارة وتدهور الاقتصاد والامن، وبما يؤمّن التقدم والاستثمار الامثل لموارد البلد وضمان الحياة الكريمة الآمنة والمرفهة لابناء شعبنا العراقي. وقد حظي هذا الحراك بدعم واسع، خصوصاً من المرجعية الدينية، ومن نخب ثقافية وسياسية واسعة، وتحول الى حقيقة واقعة فرضت نفسها في الساحة السياسية، ومثلت ضغطاً كبيراً يعبر عن اكثرية الرأي العام في المطالبة بتغيير الاوضاع، واصلاح شؤون البلد والتمسك بالديمقراطية وبناء المجتمع المدني وتحقيق العدالة الاجتماعية والاصلاح. وذلك عبر التخلص من نهج المحاصصة والطائفية السياسية ومنتجاتها من الفساد والفوضى وسوء ادارة الدولة في مفاصلها المختلفة.
لن تتوقف الاحتجاجات الا بتحقيق اهدافها
ورغم ان الحراك مرّ خلال الاشهر السبعة المنصرمة في حالات من التذبذب، الا ان خطه البياني يؤشر تصاعداً وتوسعاً في حجم الجماهير المنخرطة في نشاطاته المباشرة، وامتداداً الى مختلف محافظات العراق، وتنوعاً في اساليبه ومظاهره. فالمسألة لم تعد مجرد تظاهرات في ايام الجمع، وانما صار يندر ان يمر يوم دون ان تظهر اشكال وانماط من الحركات المطلبية في بغداد وفي اكثر من مدينة عراقية اخرى. ذلك ان الاوضاع بقيت على حالها من دون تغيير، وظلت الازمة مستعصية ولا تجد حلا حقيقيا فعالا. لذلك استمر الحراك وبقيت الجماهير متمسكة بمطالبها وحقوقها، واخذ تنظيم صفوفها يتحسن وتأثيرها يزدادعمقاً واتساعاً. ويبدو واضحا ان هذه الاحتجاجات لن تتوقف الا بتحقيق مطالبها واهدافها، لذلك نستبشر خيراً بانخراط اوساط جديدة في الايام القادمة من قوى شعبنا المدركة لمسؤوليتها، والمتفاعلة مع نبض الشارع، والمتحسسة لعمق المعاناة. وهذا ما يؤكد مشروعية الحراك الجماهيري وامكانية توسيع الجبهة المناصرة موضوعيا للتغيير والاصلاح، وانتقال اوساط متزايدة من العناصر النزيهة في السلطة الى جانب الشعب ومطالبه، والى جانب الحراك الجماهيري.
ومما يؤكد ان الحراك في حالة اتساع وانعطاف نوعي، هذا التصاعد المبارك للحراك الطلابي الذي شمل غالبية المؤسسات التعليمية، من اجل حياة طلابية حرة ومن اجل تأمين الخدمات وتوفير المستلزمات لعملية تعليمية تربوية حديثة ومنسجمة مع روح العصر ومستوى التقدم العلمي والتكنولوجي الذي يعيشه العالم .
وهذا يتطلب من الحكومة ومسؤوليها، ان يحترموا ارادة الشعب ويتفاعلوا مع المطالب ويستجيبوا لها، فذلك هو الطريق الوحيد المضمون والشرعي والاخلاقي لتحقيق الاستقرار وعودة الاوضاع والعلاقات الى حالتها الطبيعية، وهو يفتح الطريق رحباً امام الحاق الهزيمة بالارهاب والفساد وتحقيق الامن والبناء والرقي .
الشيوعيون مساهمون فاعلون في الحراك
وفي كل هذه التطورات ، تفهماً ووعياً وتحضيراً ومساهمة ، يلعب الشيوعيون واصدقاؤهم ومؤازروهم ، دوراً مشهودا في استنهاض الشعب للاسهام الفعال في تقرير مصائره، وفي الحضور المباشر في الساحة السياسية للمساهمة في صياغة القرار السياسي الوطني. فالشيوعيون وهم يسترشدون بمصالح شعبهم العليا وسياسة حزبهم، يتقدمون الصفوف ويبذلون الجهد ويُعملون الفكر لضمان نجاح هذا الحراك ووصوله الى غاياته الحقيقية من دون استئثار، وبعيداً عن نزعة الاحتكار والحزبية الضيقة، متمسكين بالطابع السلمي وبالحق الدستوري للجماهير في ممارسة نشاطاتها الاحتجاجية، في التظاهرات وفي غيرها من اشكال التعبير الكفيلة بايصال الصوت عالياً ومؤثراً الى اسماع المسؤولين. ويبقى ديدن الشيوعيين هو التفاعل مع مطالب الجماهير حتى تحقيقها، من دون كلل او ملل.
مساهمة الصدريين مع المدنيين محفز لنشاط اوسع
اما بالنسبة الى مشاركة الاخوة في التيار الصدري وكتلة الاحرار، فيمكن القول انها اضافة كبيرة ستلعب دوراً مهماً في توسيع الرقعة الجماهيرية المساهمة في الحراك السياسي. وما يؤكد ذلك ويؤسس للتأثير الايجابي لمساهمتهم، هو التمسك الصريح بسلمية التظاهر وتبني شعارات وطنية عامة تحت لواء العلم العراقي وبالتنسيق والتعاون مع القوى المدنية. ويمكن القطع بان مثل هذه المساهمة الى جانب نشاط المدنيين ، ستكون محفزاً ودافعاً لانخراط اوساط واسعة اخرى من ابناء شعبنا المكتوية بنار الفساد وهزال الخدمات ومنتجات المحاصصة والبطالة، في النشاط الجماهيري الواسع والمنظم.
وكل هذا يشيع الامل بان قوى شعبنا الطامحة للاصلاح والتغيير قادرة، اذا ما جمعت جهودها ووحدت قواها ونظمت صفوفها وحسنت اساليب عملها ونسقت بين مكوناتها، على ان تحقق النجاح وتلحق الهزيمة بقوى الفساد، وبالعرقلة التي تمارسها وتقودها حيتان الفساد، بما تملك من امكانيات مادية وبشرية. وقد كانت حتى الآن سبباً رئيساً في تعطيل الكثير من الاصلاحات المستحقة، وفي كبح اخرى وبث البلبلة والتردد والتلكؤ في مسيرة تطبيق حزم الاصلاح، التي اعلن رئيس الحكومة عن تبنيها.
الاصلاح ضرورة انية مستحقة
تتسم عملية التغيير والاصلاح بإلحاح وآنية خاصة، فضلا عن كونها ضرورية ومستحقة. في حين ان التباطؤ والتردد والتلكؤ يؤشر حقيقة واحدة، هي توفير الفرص والامكانات لاعداء الاصلاح لاجهاضه. لهذا تبرز الحاجة الى اتخاذ خطوات عملية وملموسة، من شأنها ان تنقل الشعارات والافكار والتوجهات الى حيز التنفيذ الفعلي. وهذا يتطلب السير في خطين متوازيين متكاملين :
الاول: صياغة استراتيجية واضحة المعالم لا تقتصر على الجوانب النظرية والاكاديمية العامة، التي تناولتها قوانين وموازنات ووثائق سابقة، وانما تدخل في عمق الموضوع ، اي تضع اليد على مسببات الفشل الحقيقية التي عشناها طوال الـ 12 سنة الماضية وتقترح البدائل الواضحة المنسجمة مع خصوصيات الواقع العراقي، والتي من شأنها ان تضع البلد بسياسته واقتصاده وثقافته على طريق آخر مختلف عن ما نحن فيه ، طريق يضمن الاستقرار والتطور والازدهار والرخاء .
والثاني: التشاور المكثف مع كل القوى الحية في المجتمع العراقي، سواء كانت ممثلة في البرلمان او موجودة خارجه وهي الاكثرية من ابناء الشعب، وسواء كانت احزابا او منظمات مجتمع مدني ونقابات واتحادات، وشخصيات ذات خبرة وتجربة علمية وعملية. وذلك لانضاج مؤشرات سليمة واساسية لاختيار الوزراء، والكف عن تضييع المواطنين في جدل المصطلحات حول التكنوقراط والتغيير "الجوهري" و" الجذري " و"الشامل" و"الجزئي". والاهم بالنسبة لنا كحزب هو ان يكون الوزراء من ذوي الكفاءة والمعرفة المهنية، وان يتسموا بالنزاهة والاخلاص للوطن والديمقراطية واحترام الدستور وقيمه الاساسية ، ويتحلوا بالقدرة على ادارة وتوظيف كل امكانات الوزارات ، المادية والبشرية ، لصالح الشعب والاصلاح، وتجنب تكرار النماذج الفاشلة التي لم تثبت قدرتها في ادارة شؤون الدولة. وان تنفتح هذه التشكيلة الوزارية وتتنوع، لتشمل كل اطياف الشعب العراقي وفق المعيار الاساس وهو احترام مبدأ المواطنة، وبعيدا عن المحاصصة التي ألحقت الضرر البليغ بمسار العملية السياسية، وبعيدا عن احتكار حزب معين او فئة معينة بذاتها للمناصب الحكومية. وهذا لا يمنع اعطاء رئيس الوزراء الحق في اختيار اعضاء حكومته ضمن المواصفات اعلاه.
الاصلاح ابعد من تغيير الوزراء
واذا كانت نقطة الشروع والبداية تتجلى في تشكيل مجلس الوزراء وفقا للمعايير السليمة والعلمية التي اتينا على ذكرها، فان من غير الصحيح الاكتفاء بهذه الخطوة. بل ان على مجلس الوزراء الجديد بالتعاون مع كل مراكز الرأي العام، في البرلمان وخارجه، التوجه فوراً نحو اعادة نظر شاملة في الدرجات العليا للوظائف العامة في الدولة (وكلاء وزراء، مستشارين، مدراء عامين)، وفي جميع الاجهزة والسلطات. كما ان استحقاق الاصلاح لا يقتصر على السلطة التنفيذية، بل يعني ايضاً وبشكل مباشر السلطات الاخرى، التشريعية والقضائية. وهو كذلك لا يقف عند حدود الوزراء بل يشمل من يتصدون للمسؤولية في الهيئات المستقلة، وهي عديدة ومتنوعة. فاذا جرى اتقان تنفيذ هذا التوجه، فانه سيوفر ضمانة اكيدة للنجاح ولانجاز خطوات فعالة ومؤثرة ومثمرة في اتجاه الاصلاح الجذري. ولن يتحقق هذا ويؤتي ثماره الا بتواصل الاحتجاج الجماهيري والضغط الشعبي.