هل للمؤسسات المالية الدولية دور في تنمية الاقتصاد العراقي؟ / ابراهيم المشهداني

يرتبط العراق والكثير من البلدان النامية منذ عقود بعلاقات وثيقة بالمؤسسات المالية الدولية ممثلة بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، غايتها المعلنة تنمية الاقتصاد وتحسين مؤشرات تطوره من خلال الوظائف التي تنهض بها المؤسسات المالية المذكورة في المجالات النقدية والاقتصادية، ومن خلال استقرار اسعار الصرف والمساعدات الفنية والمشورة في مجال السياسات المالية والاقتصادية وتقديم القروض قصيرة ومتوسطة الاجل بهدف معالجة الاختلالات في الموازنات وموازين المدفوعات. فهل ادت هذه المؤسسات ادوارها كما تعلن؟
ليس بخاف الدور الحقيقي الذي تمارسه هاتان المؤسستان على المستوى العالمي وهما تسعيان الى ترجمته على الارض في بناء الاقتصاديات العالمية وفق شروط ومتطلبات النظام الرأسمالي العالمي، وتطبيق وصفات هذا النظام النيوليبرالي المعولم المتمثلة بالخصخصة وحرية التجارة وتخفيض الدعم الحكومي للقطاعات الانتاجية الاساسية في الصناعة والزراعة والخدمات الاساسية كالصحة والتعليم، التي تتردى في العراق بشكل واسع بسبب الفساد المالي والاداري والبيروقراطية المهيمنة على مؤسسات الدولة وابعاد دور الدولة عن القطاع الحكومي، وبدلا من قيام البنك الدولي، بحسب وظيفته المعلنة في التخفيف من ظاهرة الفقر في البلدان النامية، والعراق من ضمنها، فان نتائج هذا النظام على المستوى العالمي تتجلى في سوء توزيع الثروة، ففي احصاءات نشرتها صحيفة الاندبندنت البريطانية ان واحدا في المائة من سكان العالم يستحوذون على نصف الثروة العالمية، وان 3،5مليار انسان لا يملكون سوى 3في المائة من هذه الثروة، كما ان نسبة استحواذ الاثرياء قد ازدادت بعد عام 2008 حيث دكت الازمة المالية قلاع المال الرأسمالية، من 42في المائة الى 50،1 في لمائة. وبالتأكيد ان هذه الارقام كانت افرازا لجوهر النظام الذي تبشر به هاتان المؤسستان. وفي بلادنا تزداد نسبة الفقر بشكل ملحوظ كما تقدره معظم الابحاث الاقتصادية بأكثر من 30 في المائة من مجموع السكان، فاين دور البنك الدولي من هذه الظاهرة الخطيرة؟
ان القروض التي قدمتها المؤسسات المالية الدولية، والتي ستقدمها في المستقبل حسب اتفاقية الاستعداد الائتماني، لم تسفر عن مخرجات ذات قيمة في تخليص الاقتصاد العراقي من حالة الانكماش التي يمر بها في الوقت الحاضر، لأنها موجهة بشكل خاص الى معالجة العجز في الموازنات وبعيدة عن الاستثمار في قطاع الانتاج الذي يمثل الركيزة الاساسية للاقتصاد العراقي وتقليص الاعتماد على موارد البترول .
ان التقارير الصادرة عن البنك الدولي التي نشرت في بعض وسائل الاعلام العراقية مؤخرا جاءت مخيبة للآمال، حيث جرى التركيز على التحسن في قطاع الاعمال من خلال تسهيل الاجراءات المتخذة لتسجيل الشركات التجارية والتخلص من الاجراءات البيروقراطية، واعتبرتها تغييرات اساسية تحققت في عامي 2016 و2017، تتجسد في بدء النشاط التجاري والحصول على الائتمان، بالرغم من ان النشاط التجاري منذ عام 2003 في الواقع كان الفاعل الاساس في تسريب العملة الصعبة بخروج اكثر من300 مليار دولار دون اثر ملموس في تفعيل القطاعات السلعية، وانما في استيراد بضائع رديئة لا تسمن ولا تغني من جوع، وتعتبر هذه التقارير ان استقلال هذه الشركات عن الهيئة العامة للضرائب مؤشر ايجابي، على الرغم من كونه توجها خطيرا يؤدي الى خلق ملاذات لدافعي الضرائب من كبار مالكي الثروات، ما يتعارض مع توجه الدولة في ان تكون قناة الضريبة واحدة من المصادر المالية المهمة لتغطية النفقات العامة وتخفيف العجز في الموازنة السنوية.
اننا نعتقد ان استقلالية القرار العراقي الاقتصادي ورسم السياسة الاقتصادية المبنية على واقع الاقتصاد له الاولوية في معالجة الاختلالات الاقتصادية، دون ان يعني ذلك عدم الاستعانة بالمؤسسات المالية الدولية والاتجاه لإصلاح البنية الاقتصادية، والبحث عن مصادر تمويل اخرى لسد العجز في الموازنات السنوية، والتخفيض ما امكن من النفقات الكلية غير الضرورية، خاصة وان العراق على ابواب الانتصار النهائي على الارهاب، ما يدعو الى التخفيف من ابواب الانفاق على الحرب.