اشتداد المخاطر التي تهدد الامن الغذائي / ابراهيم المشهداني

الامن الغذائي في اية دولة له صلة بقدرتها على التحكم في توفير متطلبات المعيشة للسكان، وادارة هذه العملية بطرق علمية قادرة على التعامل مع الظروف المؤثرة بشكل مباشر او غير مباشر على توفير مستلزمات الامن الغذائي، بالتزامن مع قدرة الدولة المعنية على توفير الطاقة بالظروف ذاتها. حيث ان الامن الغذائي يمثل شرطا من شروط السيادة الوطنية، وهذا يتوقف على تامين حاجة المواطنين من المنتجات الغذائية الكاملة.
ان الواقع العراقي الراهن يعكس اختلالا في الامن الغذائي الناشئ عن الفساد السياسي والاداري والمالي قبل كل شيء، وزيادة مساحات التصحر وتردي الزراعة والصناعة المكملة لها. وهذه العوامل كلها قادت الى توفير البيئة المناسبة لجذب الارهاب وانصراف الدولة لمحاربته والتخلص من شروره، ما ادى الى ضعف اهتمامها بالأمن الغذائي طيلة هذه الفترة، وحمايته من الانهيار، وعدم قدرة الاجهزة الامنية والرقابية على ضبط ايقاع حركة السوق بقطاعيه الانتاجي والاستيرادي، بالإضافة الى فشل الخطط الخمسية للأعوام 2009—2014 في تخفيض نسبة الفقر في العراق، بل الواقع يشير الى ارتفاع هذه النسبة في المدينة والريف الى اكثر من 30 في المائة.
فالقطاع الزراعي الذي يشكل العنصر المباشر المؤثر في الامن الغذائي يواجه خطر شحة المياه التي ظهرت في هذا العام بكامل ثقلها، وأثرها على توقف الانتاج الزراعي في مساحات واسعة في المنطقة الجنوبية، ونفوق الالاف من الحيوانات نتيجة العطش وانتشار الامراض في محافظات الناصرية وواسط والسماوة والديوانية التي ركزت عليها وسائل الاعلام خلال الفترة الاخيرة التي اظهرت حجم التجاوز على الحصص المائية، بالإضافة الى قلة التدفقات المائية التي ترد من تركيا وايران بسبب اقامة السدود التي تستحوذ في البلدين معا على ملايين الامتار المكعبة من المياه، وعدم استشارة البلد المتضرر في مخالفة صريحة للعهود والمواثيق الدولية. وان التعهدات الشفوية من قبل المسؤولين في كلا البلدين ليست سوى تعهدات تخديرية لا تسمن ولاتغني من جوع، ان المهم هو ابرام اتفاقات مكتوبة بعيدا عن التسويف، في وقت يقدر فيه التبادل التجاري مع هذين البلدين بعشرات المليارات من الدولارات سنويا، وكان الاولى بالحكومات العراقية السابقة ان تكون على حذر كامل من عاديات الزمن، وان تسارع لاجراء حوار مع الحكومتين الايرانية والتركية من اجل الاتفاق على ضمان حصة العراق من الموارد المائية، والا فان الاعتماد على الخارج في استيراد السلة الغذائية سيظل يشكل نزيفا كبيرا للعملة الصعبة، حيث ان مقدار قيمة الفجوة الغذائية تقدر حاليا بـ1,6مليار دولار سنويا، وبالتالي فان الاعتماد على البطاقة التموينية كحل ثابت للازمة الغذائية سيؤدي الى ان يصل مقدار قيمة المجموع التراكمي للفجوة الغذائية خلال السنوات العشر القادمة الى اكثر من 40 مليار دولار، وهو مبلغ سينخفض الى النصف لو جرى استثمار نصف هذا المبلغ في التكامل بين القطاعين الصناعي الزراعي.
انطلاقا مما تقدم فان مواجهة المخاطر التي تواجه الامن الغذائي ترتب على الحكومة العراقية التعجيل في اتخاذ مجموعة متكاملة من الاجراءات نذكر منها:
1. التنسيق التام بين وزارت التخطيط والخارجية والزراعة والموارد المائية بدعم الحكومة العراقية، والعمل من اجل مواجهة الجفاف وابرام اتفاقات دائمة مع دول الجوار تركيا وايران لضمان حصة العراق المائية، وتوظيف اللوائح الدولية ذات الصلة بهذا الغرض.
2. العمل على وضع مشروع استراتيجي خاص بحفر الابار الارتوازية في المناطق التي تعاني من شحة المياه، من اجل الاستقرار السكاني ومنع الهجرة الداخلية، والاكثار من الخزانات المائية للاستفادة من مياه الامطار.
3. تشجيع الاستثمار في القطاع الزراعي عن طريق تنمية الثروة الحيوانية وتشجيع صناعة منتجاتها من اللحوم ومنتجات الالبان لسد حاجة العراق منها حيث تعتمد السوق العراقية حاليا على المستورد من دول الجوار.
4. الاستفادة من مخرجات التقارير المشتركة بين برنامج الغذاء العالمي والحكومة العراقية الناتجة عن المسح الذي شمل 20 الف اسرة في المناطق الحضرية والريف والعوائل النازحة.