وجع النايات : اغاني في الوحل / باسم حسين الربيعي

شكلت الاغنية العراقية حضوراً كبيراً على الساحة الغنائية منذ خمسينيات القرن الماضي وبرزت في تلك الفترة اقلام تنظم وتكتب شعر الاغنية الفصحى والدارجة الشعبية والتراثية لتتلاقفها أنامل الملحنين الذين لحنوا اروع الاغاني في تلك الفترة.. ونالت اعجاب الفنانين والنقاد والمستمعين.. وتمتعنا بها وعاشت معنا.. ان الاحاسيس القلبية للشاعر والالحان الراقية.. اسهما في ولادة مطربين عراقيين اصبح في ما بعد كل واحد منهم سفيراً للاغنية العراقية اينما ذهب.!
وجيل الخمسينيات امتد الى اواسط الستينيات زاخراً باسماء كبيرة نقشت باحرف من ذهب في سجل الاغنية العراقية.. ومن لا يتذكر اصوات الراحلين ناظم الغزالي، يحيى حمدي، رضا علي، محمد عبدالمحسن، حمدان الساهر، عفيفة اسكندر، والقائمة تطول وتطول.
واليوم وعجلة الزمن تدور لتسحقنا وتفرز لنا اغاني متدنية ومبتذلة من الحركات والكلمات واصوات مبحوحة لكثر السهر.. تسمى ظلماً بالفن العراقي.. ولا ندري كيف وصلت هذه الاغاني الهابطة ومن يمولها ويديرها.؟ وماذا تهدف.؟ ولماذا هذه المؤامرة الكبيرة على الذوق العراقي الاصيل.؟ ومن المسؤل عن افساد الذوق العام وخاصة عند الشباب الذين لم يستمعوا الى قمم الغناء الاصيل.. بسبب اجتياح هذه الموجة من الاغاني الهابطة؟!
سؤال نطرحه عبر وسائل الاعلام بعد تزايد الهجمات الشرسة لهذه الاعمال الرذيلة ومحاولتها اكتساح اعمدة الفن العراقي وطمس معالمه بتلك الصرعات التي يبتكرها البعض من الاميين لتحقيق مكاسب آنية عن طريق هذه الترهات التي اساءت الينا جميعا.. والى الفن العراقي الاصيل.
في غفلة من الزمن.. والانفلات غير المسيطر عليه وغياب الرقابة الحريصة.. وفضائيات تسعى جاهدة لتخريب الذوق العام وافشاء الرذيلة فتنتج مثل هذه الاعمال التي تسمى ظلماً (اغاني) عراقية.. وقد ابتكروا رقصاً غجرياً جماعياً عبارة عن حركات بهلوانية رخيصة وغير اخلاقية تقوم بها غجريات يتاجرن في دول الجوار باسم الفن العراقي.. هل هي مرحلة طبيعية لطمس معالم الثقافة والفن تحت شعارات الانفتاح والديمقراطية.. وما دام الاسفاف نتيجة طبيعية لهذه المرحلة.. فانه لا يلد الا اسفافاً.. وبالفعل فقد تأثر بعض الذين اتخذوا من اجسادهم جواز مرور بحركاتهم غير اللائقة نساءً ورجالاً ليؤدوا اغان هابطة ورذيلة.. مثل (الخيار، المشمشة، البرتقالة، الباذنجان) الى اخر هذه الخضروات المظلومة.. ولم يكتفوا بذلك.. بل تحولوا الى الكلام البذيء والايحاءات الجنسية غير اللائقة وتشويه الكلام الجميل.
ان ما يحدث ما هو الا نتيجة طبيعية لافرازات الاحتلال وثقافة الارهاب.! وهي موجات آنية تأتي وتزول مثل فقاعات الصابون.. وسرعان ما ينسى الناس امر هذه التفاهات!؟
في حين يضع الآخرون اللوم على المثقفين العراقيين.. لانهم لم يرتقوا بالفن والثقافة الى اعلى المستويات.. وتركوا الساحة الى كل من هب ودب! وساعدت رياح التغيير التي هزت وغيرت.. ان هذا الذي يحدث اليوم هو مؤامرة هدفها تخريب العقل والذوق العراقي والاحساس المرهف وتدمير الفن الاصيل من خلال تسمية هذه التوافه بالفن العراقي.. وهذا يعني هدم ركن اساس من اركان الثقافة العراقية التي لا يراد لها ان تبعث من جديد.. وان تظل اعمدتها مبعثرة في اقطار العالم بلا قضية او روح.. وهذا يعني خلق جيل من الشباب.. بلا ذوق.. بلا ثقافة.. بلا ملامح.. يهتز ويرقص وينسى امر الوطن والمستقبل.
ومسؤولية ذلك تقع اولاً وقبل كل شيء على وزارة الثقافة والتي نست او تناست مسؤوليتها.. اتجاه الذوق العام.