زيارة ناصر الدين شاه للعراق في كانون الثاني 1871
قام شاه إيران بصحبة عشرين ألفاً من بينهم ستة آلاف هم حاشية الشاه شخصياً، بزيارة للأماكن المقدسة في العراق. وقد استقبلهم والي بغداد عهدذاك لإقامتهم من خانقين وبرفقته عدد من المسؤولين، وجرى تخصيص مكان مناسب لإقامتهم على ضفاف دجلة.
ولاية مدحت باشا
إنه أكثر حكام بغداد نشاطاً وأعظمهم شهرة، وقد تولى إقليم العراق في نيسان 1869 واستحق ظهوره الانتباه لأنه أول من دشن الإدارة المدنية في العراق.
وجاء في رسالة القنصل البريطاني في بغداد: لقد استهل عمله بإلغاء الضرائب التي وصفت بأنها ذات طابع محلي وثبت أنها معيقة للعمل، وأدخل مجالس الشورى. وأعاد فتح قناة "القنانية" التي تصل بين الفرات وقناة الصقلاوية، وذلك للربط بين النهرين الكبيرين وجعلها صالحة لسير المراكب البخارية الصغيرة فيها. وأنشأ خط ترامواي بين بغداد والكاظمية، وأسس مدرستين حكوميتين ومدرسة صناعية ملحقة بدار أيتام. وأضاء الأسواق والشوارع والجسر العائم على قوارب بمصابيح الكيروسين.. وفكر في إنشاء سكة حديد بين بغداد وكربلاء، ومشاريع أخرى لم يحالفه الوقت لاستكمالها.. وقد غادر العراق ولم يكن في جيبه مال.. وإنه رهن ساعته وقسماً من حاجياته الأخرى ليستأجر الخيل اللازمة لرحلة العودة الى لتركيا عام 1872.
الانتفاضات مستمرة
استمر رفض الأهالي لظلم الحكم العثماني، بأشكال متعددة، ففي صيف 1877 على سبيل المثال، قامت هبّات وانتفاضات في كربلاء والنجف، تعزى أسبابها لرفض الأهالي إمداد الجيش بأنفار القرعة، والامتناع عن دفع الضرائب. فأرسل الوالي عاكف باشا من بغداد طابوراً من المشاة النظاميين أوقعوا خسائر فادحة بالثائرين، وقاموا بتعليق رؤوس عدد منهم في أماكن عامة متفرقة إرهاباً للآخرين.
وفي عام 1877 1878 جرت عمليات كبيرة لنقل الحبوب من العراق إلى كل من بومباي وإنجلترا وكذلك لتزويد القوات التركية على جبهة المعارك مع الروس، مما ضاعف من أسعارها محلياً، متسبباً بالخوف من شحة الغذاء لدى الأوساط الشعبية.
فقام عدد من الأهالي بمحاصرة دار الجمارك، حيث كانت السفينة البريطانية (بلوص لينج) ترسو قبالتها، وهددوا بتدميرها إذا لم تستعاد شحنتها من الحبوب.
وقد تحقق لهم ذلك بموافقة المعتمد البريطاني، تفادياً من توسع الاحتجاجات وما يمكن أن يسفر عنها من أضرار للمصالح البريطانية المتزايدة في العراق.
وخلال تلك الفترة حصلت انتفاضات في البصرة والعمارة والمنتفك، وتمردت بعض القبائل العربية والقبائل الكردية، ومما زاد من حدة هذه الأوضاع المتأزمة ضعف المحصول الزراعي وارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وتمادى الحكام والمتعاونون معهم من تجار محليين ويهود وأجانب في نهب الخيرات على قلتها. فازداد هجوم الأهالي على السفن البريطانية واستيلاؤهم على ما تحمله من بضائع. فتم إرسال السفينة (ميرلين) العاملة في خدمة صاحبة الجلالة لحراسة شط العرب.
وفي حزيران 1888 كانت حكومة الهند قد أبدت تعليقاتها على تلك الأوضاع في رسالة رسمية موجهة إلى وزارة الدولة في لندن، جاء فيها: "لا يخامرنا شك في أن حكومة صاحبة الجلالة سوف تتخذ أية تدابير يمكن اعتبارها ضرورية لصد الخطر المحتمل من تناقص عام للنفوذ البريطاني في الجزيرة العربية الخاضعة للحكم التركي، بسبب تقلص الحدود الجغرافية للولايات التي تعمل فيها القناصل..". وهذه كانت إشارة إلى جعل البصرة ولاية مستقلة عن ولاية بغداد عهد ذاك. وبنفس العام 1903 تشكلت الشركة العثمانية الإمبراطورية لسكة حديد بغداد، المختصة بامتياز الخط الحديد المار من قونية مروراً ببغداد وصولاً إلى الخليج مع تفرعاته.
أي أن يمتد هذا الخط الحديد من بغداد ماراً بكربلاء والنجف ثم إلى الزبير فالبصرة. وذلك باتفاق ودي بين الحكومة الإمبراطورية العثمانية وصاحب الامتياز.
ولهذا المشروع تأثير على مركز بريطانيا العسكري والسياسي والتجاري في العراق وفي الخليج، إذا ما تم تحت رعاية الألمان والأتراك، حيث سيجعلهم المتحكمين فيه. وهذا يعني عند إكماله بأنه سيحمل في طياته تهديداً محتملاً لمركز بريطانيا في هذه المنطقة الحيوية لمصالحها. ولذلك وجدت بريطانيا من الضروري أن تعمل على منع تنفيذه إن كان هذا ممكناً، إلا إذا حصلت على نصيب كاف في إدارته. وكذلك معارضة إنشاء ميناء عند نهاية الخط الحديدي في الخليج، أو إخضاعه لشروط تحول دون صيرورة هذا الميناء يشكل خطراً على المصالح البريطانية. وفي الأول من ابريل 1905 نقلت المقيمية البريطانية في بغداد من المكان الذي أنشأت فيه منذ اكثر من 65 عاماً تقريباً، والذي كان في وسط بغداد في مواجهة النهر، إلى موقع جديد أكثر أمناً وهو الآخر على نهر دجلة وقد استغرق بناء هذا المقر الجديد ثلاث سنوات، وهو يضم مكاتب عامة، ومسكناً للمقيم، وبيتاً منفصلاً لطبيب المفوضية، ومأوى للخدم، وإسطبلات ومخازن، كل ذلك محاط بسور عال، وقد اعتبر يوم ذاك من أفخم المباني في بغداد.
وبعد هذا التغلغل البريطاني في العراق عن طريق التجارة والملاحة وبعثات البحث عن الآثار، فقد بدأ الاهتمام بمسألة الري وضبط مياه الأنهار. فقد تم تعيين السير و. ويلكوكس خلال الفترة 1909 1911 مستشاراً لوزارة الأشغال العامة التركية لشؤون الري في العراق. فوضع مخططاً لاستصلاح مليون فدان من الأراضي الزراعية بتكلفة مقدارها 7.5 مليون جنيه استرليني. إلا أن هذا المشروع لم يلق الاستجابة، نظراً لضخامته وحاجته لتكوين شركة منفذة، وبانتظار معرفة شروطها.. وبالتالي فقد تم تجميد المشروع.