مهربو النفط في البصرة يتجهون نحو تجارة المخدرات

متابعة «طريق الشعب»
نساء يقفن في طابور طويل أمام مركز شرطة مكافحة المخدرات، يرتدين عباءات سوداء وينتظرن اذنا بالدخول إلى المركز لملاقاة ذويهن. شرطيان يحرسان بوابة المركز، يشددان على الالتزام بالنظام وعدم اطلاق الضجيج الذي تصدره النساء الواقفات. تسلط الشمس الحارقة قوتها على من يقف هناك، النساء لا يردن سوى لقاء أزواجهن أو أبنائهن أو إخوتهن المعتقلين.
في السجن تجارٌ صغار وإفراد عصابة، اُلقي القبض عليهم وبحوزتهم كمية غير قليلة من المخدرات، موضوعة في أكياس مرتبة ترتيباً جيداً.
في السنوات الثلاث الماضية، اجتاح جنوب العراق وباء المخدرات، أو ما يطلق عليه البصريون «الكريستال»؛ وهو مصطلح يموّه معناه الحقيقي. و المخدرات يسهل دخولها إلى البصرة بعد التأكد من اختراق الحدود بشكل دقيق.
تقول شرطة البصرة، ان الطلب على المخدرات يتضاعف يوماً بعد يوم، ويكثر تسويقه في المناطق الفقيرة حيث تسيطر الجماعات المسلحة، ويروَّج له على انه «محسّن للأداء الجنسي».
أسفل مركز الشرطة، ممر صغير يؤدي إلى غرفة صغيرة تتكدس فيها علب معدنية وكرسيان فارغان وخزانة مملوءة بالملفات، يجلس أمامها النقيب نجم، وهو احد الضباط الثلاثة المعنيين بمكافحة المخدرات، ومسؤول القوة التي تكافحها.
المعتقلون في المركز هم جزء بسيط من التجار الطلقاء الآن، الذين يجوبون المدينة.. هذا ما أشار إليه النقيب نجم حينما قال: «هناك الكثير منهم، لكن لا نملك المساحة الكافية لاعتقالهم».
هدف النقيب نجم لم يتحقق حتى الآن. فهو يريد القبض على عبد الله، أحد تجار البصرة المشغول ببيع «الكريستال»، والذي نادراً ما يذهب إلى الفراش قبل تأمين بضاعته.
عبد الله ومعه مجموعة من أفراد عشيرته، يعيشون في حي بُني حديثاً شمالي البصرة، المدينة التي تكثر فيها تجارة المخدرات، لأنها فاصلة بين حدود العراق وإيران.
وقبل التجارة في المخدرات، كان تهريب النفط من آباره المادة الأساسية للتجار والمهربين. وقد بنت عشيرة عبد الله صيتها بدءا باستيلائها على النفط، مشكلةً في ذلك الوقت عصابة شرسة تتألف من مجموعة قطاع طرق ورجال أعمال يتمتعون بدهاء كبير. وبدأت عشيرة عبد الله تهريب النفط بعد احتلال القوات البريطانية للبصرة (في 2003).
وفي وقت لاحق قامت عشيرة عبد الله ببيع حقوق التنقيب لشركة نفط دولية، لتنتقل هي إلى سوق المخدرات.
يقول عبد الله: «لا احد يهتم بتهريب النفط بعد الآن.. الكريستال هو النفط الخام الجديد».
ومعظم زبائن عبد الله هم من سكان الأحياء الفقيرة في المدينة، الذين خنقتهم البطالة والتشدد الديني وبعض مسلحي الميليشيات. وإقبال هؤلاء على بضاعة عبد الله سببه القيود المفروضة على المشروبات الكحولية، لذلك يلجأ الشباب إلى المخدرات التي يمكن إخفاؤها بسهولة.
يقول عبد الله. «كل المراهقين يدخنون بضاعتي. سابقاً كانوا يشربون الخمر والآن يدخنون المخدر. كلفة الغرام الواحد منه تبلغ حوالي ٢٠ ألف دينار عراقي، أي ما يعادل ١٣ يورواً، فهو أرخص من علب البيرة التي تترك فوق ذلك رائحة في الفم».
ويضيف عبد الله: «يمكنك العبور إلى إيران وجلب كيلو من الكريستال، ومضاعفة أموالك في أسبوع واحد».
وتعد مناطق الحدود والاهوار، اماكن تُروج فيها العقاقير، فهي مناطق محظورة بالنسبة للشرطة العادية، لذلك يعتمد نجم وصحبه على فريق من المباحث السرية، الذين يؤدون العمليات الاستباقية بسرعة معتمدين على شبكة من المخبرين.
ويوضح النقيب نجم إستعداد بعض المخبرين للعمل معه بدافع الواجب الديني، ورغبة بعض آخر في الحاق ضرر ببعض التجار، ليتمتع تجار غيرهم بحرية اكبر في العمل. لكن في الغالب هم يعملون من اجل جني المال، بحسب تعبير النقيب نجم، الذي أكد أيضا أن «الأموال الممنوحة للمخبرين تأتي من صندوق المباحث، الذي يُجمع من رواتب موظفي الشرطة بداية كل شهر”.
وغالبا ما يضطر المخبرون السريون إلى ارتداء الزي العربي التقليدي، لجذب التجار إليهم وطمأنتهم. فالطريقة الوحيدة للقبض على التجار هي عبر شراء المخدرات منهم، ويقول أحد المخبرين السريين الذي تحدث عبر هاتف نقال أدعى إنه هاتفه: «نحصل على أسم التاجر، ونتصل به، نقول له نريد شراء كيلو واحد ثم ندفع المال. وبعدها نلقي القبض عليه».
يقول نجم واصفاً عملية إلقاء القبض على التجار: «من نمسك بهم لا يمثلون سوى 10 في المائة من سوق المخدرات في البصرة. هناك أناس يتعاملون بالأطنان، لكننا لا نملك المال لندق باب اللاعبين الكبار ونلقي القبض عليهم».