براغي وازدواجية !/ قيس قاسم العجرش

قيل في بعض الإعلاميين من الذين عملوا في أجهزة الحكومة قبل 2003، ان هؤلاء كانوا جزءاً من ماكنة الدكتاتورية. ليس الصحّاف وحده من كان يكذب ويتفنن في التزييف،إنما الطغيان كانت له أدوات شتى وكل وفقاً لدوره.
هؤلاء، لا أقول عنهم أنهم مظلومون، إنما هذا ما كان وهذا ما حدث ولم يعد بالإمكان تغيير الماضي .
حوصروا وعزلوا فاستقبلتهم وسائل الإعلام التي لم تكن على وفاق مع التغيير الذي حصل بأيادٍ أجنبية بالأصل، فلم يكن لثوار الإعلام الجدد من فضل مثلما لم يتكلّف حرس الإعلام القديم أي تبرير أو اعتذار ، وعن ماذا يعتذرون بالأصل؟!
ماكنة الدكتاتورية وعنابر مصانعها كان فيها من"البراغي" الصغيرة الكثير، رغم أنها غير مهمة. هذا إدعاء لا يمكن تفنيده لكن لا يمكن ربطه أيضاً بأسباب تغوّل الدكتاتورية وجرائمها الكبرى.
من حقنا أن نسأل فقط عن هذا الربط ونتدارس طريقة تفاديه مستقبلاً.
المنفعة الشخصية التي ربطت الإعلامي والصحفي كإنسان بمؤسسة الحكومة سابقاً ومديريات تجنيدها المسماة نقابات واتحادات، هي بداية المشكلة وبداية الحل أيضاً.
هذه هي السَوءة التي لا ينبغي تكرارها، لا ينبغي ربط الحقوق المدنية المعاشية الطبيعية حتى المادية منها بأي أداء للمهنة بأي شكل من الأشكال.إنها حقوق للمواطن بلا حاجة منه الى التزلف.
ولأن المعايير تتقلب مع تقلبات المجتمع، فإن ما كان يعد "مـكـانةً إعلامية" سابقاً صار اليوم وصمة عار على الإعلامي بسبب العمل لحساب الحكومة أو السلطة الدكتاتورية آنذاك.
لكن مهلاً.. اليست أكبر مشاكلنا اليوم هي المليشيات؟.. اليس مستنقع الدم الذي نخوض فيه منذ 11 عاماً هو بسبب السلاح الطائفي الذي يدّعي الدفاع عن العقائد؟.
ومع ذلك فإن لهذه المليشيات وسائل إعلامها المعروفة وغير المتخفية، فضائيات وصحف وإذاعات ومطبوعات وملصقات في الشوارع تحمل السلاح وتمجد من يقتل وهو حامل للسلاح.
ولو حدث وأن وضعنا وسائل الإعلام هذه في مسطرة المهنيات لوجدناها محرّضة على التفرقة والتباعد بلا لبس، ولوجدنا الشتائم والتقاذف بالتهم في خطابها بما لا يحصى، وهنا نسأل..كيف علينا يا ترى أن ننظر للإعلاميين العاملين في وسائل الإعلام هذه؟.
للمفارقة فإن معظمهم يدّعي المدنيّة أو يرفعها شعاراً ويتحدث بها ويكتب تحت عنوانها. ومع ذلك فقد ارتضى ان يكون "بُرغياً" مرّة أخرى ، مثل مثالنا السابق،في ماكنة إعلامية تابعة لجهات سياسية لا تخفي حملها السلاح بوجود الدولة.
أين المدنية المنشودة من هذا التناقض؟.
لا أعرف الإجابة في الحقيقة، لكنّي أعرف أنهم سيقعون فريسة مشابهة لما وقع فيه زملاؤهم العاملون في أجهزة النظام السابق. وعليهم ان يبدأوا من الآن بكتابة دفاعاتهم. أو أنهم يتصورون أن عهد المليشيات باقٍ الى الابد.