الثقة تبنى بتطبيق القانون والمساءلة/ د. علي الخالدي

نادرا ما نسمع في بلادنا أن مسؤولا في موقع القرار تنحى من منصبه ، أو إعتزل العمل لتقصيره أو لهفوة في عمله سببت أهدارا للمال العام، أو بعد تعريض الوطن لحروب داخلية وخارجية . القليل ممن فشل في مهمته ، خضع للمسائلة القانونية ، بالرغم من أن أغلبهم حنث بالقسم الذي قسمه قبل شروعه بالعمل ، ومع ذلك يفلت بسهولة من المساءلة القانونية التي تنص عليها شرعية قوانين أداء الوظيفة، بفضل موقعه السياسي في السلطة ، وخيمة حزبه أو طائفته التي يستظل بهما ، أو ببوس اللحى ، أو بالعرف العشائري خصوصا ومجتمعنا تسوده المفاهيم الطائفية والعشائرية ، والتي بسببها تُختزن الحسرات في قلوب مناهضيها ، ويتوسع نطاق أنعدام ثقة الجماهير بالقائمين على موقع القرار ، وما إرتبط بهم من دوائر المراقبة والرصد
المفروض عند إختيار المؤتمن على مصالح الوطن ومقدرات الشعب ، الأخذ بنظر اﻷعتبار توفر معطيات الكفاءة والدراية بقدرته في دقة إنجاز المهام التي توكل اليه ، و بكونه يتمتع بنظرة واحدة متساوية تجاه المواطنين ، فالطبيب يتساوى مع عامل القمامة أمام القانون، منطلقا من أن ليس هناك شخص أفضل من الآخر . عبر ذلك فحسب تترسخ الثقة المتبادلة بينه وبين الناس ، و يغيب اﻷجهاد النفسي الذي يصاحب حياتهم ، و خاصة أذا ما وجد ضمان إجتماعي يضمن حقهم منذ الولادة حتى الشيخوخة بالسعادة واﻹطمئنان.
كل ما تخشاه جماهير شعبنا ، أن التغيير المنتظر ، سيوجهه اﻷسلوب الذي لم تتعايش ( الجماهير ) معه خلال السنوات الإحدى عشر المنفرطة ، ذلك ﻷن البعض ممن تموضع في السلطة ، بدأ يحيط نفسه بمريديه من عائلته وطائفته ، متذرعا بضرورة إيجاد جهاز متناسق منسجم في أطار دائرته ، بينما يقف خلف نواياه مواصلة إعتماد النهج الطائفي المقيت الذي جاء به للموقع السيادي ، وبذلك ستتواصل خسائرنا البشرية والمادية ﻷربع سنوات أخرى في مثل هذه الدوائر ، مع معرفته مسبقا أن ذلك يساهم في فقدان الدولة هيبتها والنظام متانته كسابقه ، فيتسع إنعدام ثقة الجماهير بكليهما.
إن تحديد مسؤولية المسؤول عن الفشل في مهنته أو وظيفته، واجب يحدده المجتمع ، وإتخاذ القرار بشأن تقصيره ، (إن كان عن سوء دراية ، أو فعل متعمد ، أو لغرض يخدم به مصالح قوى داخلية أو خارجية )، أمر مفروض منه ، يتيح فرصة الوقوف على اﻷخطاء التي تعرتض مسيرة البلد نحو إجراء عملية التنمية والتطور .
تقول القاعدة وفق الآليات القانونية التي ينص عليها القانون، أن أي خطأ أو عمل يؤدي الى اﻷضرار بمصالح الوطن والمجتمع وحتى الفرد، يقوم على ما يستوجب التعويض، وإزالة الضرر، حتى يُتلافى الوقوع به مستقبلا . هناك مثل ( في المجر ) يقول عن ذوي المسؤوليات الثقيلة ، مسكين مثله مثل الطبيب رجل ( قدم ) بالسجن ورجل بره كتعبير عن مسؤوليته عن أية هفوة تضر المريض، فلماذا لا ينسحب عندنا هذا على كل مسؤول تُعطى لهم مسؤولية خدمة الوطن والشعب

لقد دفع بنا اسلوب غياب التعامل مع المقصرين والمزورين وسارقي المال العام خلال الفترة الماضية ، الى التخوف من إنتهاج اساليب مبتكرة لمواجهة قرارات تصويب أخطاء المرحلة السابقة ، باستغلال غياب الشفافية وإرتباطها بما يقربها من المحاصصة التي لامست تشكيل الحكومة الحالية ، وبذلك تضيع فرص مساءلة المسؤولين في السابق والحاضر ، وخاصة من تشم منهم رائحة المحسوبية والفساد، والتشبث بعودة نهج المحاصصة الطائفية واﻷثنية في اﻹجراءات ، هذا النهج الذي قادنا الى نتائج مريرة في حياتنا اليومية، وعرضنا لكوارث نتجرعها على مضض حاليا، لا نتخلص منها إلا بتظافر الجهود بالضغط عبر الشارع والبرلمان وبالطرق الدستورية ، الى الدعوة بإعتماد الشفافية في تطبيق القانون والرجوع الى الدستور، كي تبقى مسؤولية التفريط بحياة الناس ، ومحاسبة من تلطخت أيديه بدماء اﻷبرياء ، في جامع مصعب بن عميرة وسبايكر والصقلاوية ، متساوية ، في المحاسبة مع من أستهدف العقول الثقافية واﻷكاديمية ،وَ غَيَبَ جدية التحقيق بها، أو سجل ذلك ضد مجهول، أو من وضع نتائجه على الرف أو إستعمالها كورقة ضغط لمواصلة السكوت ، ناهيك من بذر اﻷموال العامة وتستر على ساريقها ومهربيها للخارج ، ومن كان وراء الكوارث الوطنية . هذه أمور لا يمكن السكوت عنها مهما كانت مبررات الظروف التي نعيشها حاليا . يجب إتخاذ قرارات حاسمة بشأنها دون تردد ، بإعتماد مبدأ الثواب والعقاب ، كقاعدة لبناء الثقة بالحكومة الجديدة ، و كوصفة إنسانية في التعامل مع جدية صيانة حقوق المواطن ، وكعامل في تعزيز ثقته بنفسه وبحسن إختياره للمسؤولين القادرين على بناء غده الآمن السعيد.