على مسافة قريبة جدا من افكارنا حول السعادة والحب والموت والحياة والخوف والرجاء، تقاطرت أعداد الهاربين من جحيم درجات الحرارة العالية وأعمال العنف اليومية، نساء وأطفال شيوخ ورجال وشباب من القادرين على الحركة والسفر الى مكاتب شركات السياحة والسفر ومطار العاصمة بعد أن أصبح الحصول على تذكرة الى أربيل شبه أمنية، انا المسافر على متنها ثلاث مرات مضطرا! اطلب قهوة كما هو حال في طائرات الخطوط العالمية الاخرى فتجيبني المضيفة (على كيفك يابه كول كهوة) (تصوروا)! عفوا. لذا لم اطلب قهوتي في السفرتين الاخيرتين ولو طلبتها في خطوط اخرى لجاءت بيد ارق المضيفات واحلاهن وتجيد لغات عدة كما ينوه لنا الطيار دائما في الاماراتية والملكية الاردنية والميدل ايست وبابتسامة حلوة .بعد التاخر المتوقع وصلنا عاصمة قسطنطين امبراطور الرومان قبل ان يحتلها السلطان العثماني محمد الفاتح. استمتعنا فعلا وكل الامور بخير بالرغم من زحام السياح ,شعب رائع طيب وسفرة لطيفة لكن في العودة امور اخرى. توصلت الى قناعة تامة لو تيسر للعراقيين خطوط ارخص سعرا او امكانية السفر برا لما اختاروا الخطوط العراقية ابدا . تطير طائرتنا متاخرة ساعة واحدة لا باس نتحمل وبعد ثلث ساعة وعلى ارتفاع نشاهد بعض نقاط تشير الى مدن ومياه وفجأة يقلقنا الطيار (سيداتي سادتي سنعود الى مطار استنبول لوجود خلل فني ). الجميع شعر بالخلل فلاكثر من ربع ساعة نشعر بحركة الاطارات تحتنا مباشرة وهي تدوي عصية على الدخول الى مستقرها ,اللهم اجعله خيرا ونحط بسلام مرة اخرى في الاستانة .شيء مضحك فعلا بعد ان نجانا الله من خطر محدق تبدا رحلة معاناة اخرى حيث مكثنا داخل علبة الطائرة لساعة كاملة وهي على الارض وهم يحاولون اصلاح الاطارات تصوروا! وبعد ذلك يطلبون منا النزول الى ارض المطار والصعود بالباص الى داخل القاعات تصل مندوبة الخطوط الجوية العراقية وهي شابة تركية لا تجيد حتى اللغة الانكليزية وتبدأ بتزويد كل راكب بكارت وتعطيه رقما. لا اعرف لماذا الارقام تضايقني استحضرت ذاكرتي رقمي واسمي المسجل على رقاقة ستيل ايام القادسية المشؤومة. اني استذكره الان وعذرتهم فربما تخشى الخطوط العراقية ان يصعد راكب لم يدفع التذكرة ربما!! الاتراك لا يجيدون الانكليزية تتحدث معهم فيقولون (شوية شوية)، اذاً علينا حالاً اللجوء الى حل اخر شاب تركماني يستطيع التفاهم معهم يتحدث اليهم فيناولونه الميكرفون ليقول ( بعد نص ساعة ستتبين الامور !) بعد انقضاء المهلة يعود نفس الشاب مترجمنا العراقي الراكب معنا على نفس الهودج, (يعتذر الاتراك هنا ويضيف ان طائرتنا لن تستطيع الطيران لذا ستلحقون بالطائرة الاخرى في الثانية ليلا ! الان الساعة السادسة مساءا وحضرنا الى المطار قبل الساعة العاشرة صباحا وعلينا الصمود حتى الثانية فجرا !ياللهول وهؤلاء الصبية والنساء والشيوخ كيف سيتحملون الانتظار, رفع صوته رجل مسن تجاوز السبعين محدثا زوجته الستينية التي تستعد للتقاعد بعد ثلاثة اشهر ( موكلتلك ذوله مصخمين هسه لو دافعين على الخطوط التركية مو اشرف إلنا). بدت همهماتهم غير مفهومة انها صورة قاتمة فعلا. فالمطار يغص بالركاب ومن الصعب ان تجد اريكة لتستريح عليها لذا افترش الجميع الارض وبعض النسوة ذهبن الى مسجد النساء في المطار للاستراحة، كانت زوجتي من بينهم . اخذنا نحن الرجال نتحرك هنا وهناك لقضاء الوقت. تكرم علينا الاتراك بسندويج وعلبة كوكا كولا وطبعا عليك الاختيار بين الكوكا وقنينة الماء الصغيرة اذ لا يمكن الجمع بينهما كما ابلغنا الشاب التركي الذي قدمها لنا كانهما ضرتين يخشى خلافهما. اخذ النعاس يدب وآثار الاعياء واضحة على الجميع لم تكلف الخطوط العراقية نفسها بان ترسل مندوبا على الاقل يمكن التفاهم والتحدث معه، فالاتراك لا يوضحون لنا شيئا وفرصتنا الوحيدة الشاب التركماني ويجب علينا البحث عنه في كل مرة نحتاج فيها اليه. الساعة تجاوزت الثانية عشرة وليس هناك سوى سندويج اخر وقنينة ماء او بديلتها من شراب الكوكا, الان مضت عشر ساعات ولا احد من سلطات المطار او الخطوط العراقية في حين تقضي قوانين الطيران الدولية بتوفير مبيت للركاب اذا تجاوز الانتظار العشر ساعات. الساعة تقترب من الثانية فجرا ولا بوادر للحل هنا صنع الاتراك ارباكا آخراً اذا قاموا بتوزيع بطاقة الصعود للطائرة (بطاقة الصعود الى الطائرة) على الركاب الذين بتجاوزون الثلثمائة بطريقة بدائية استمرت لساعتين اي حتى الرابعة صباحا وضاع جواز لطفلة بسبب ذلك اذ تقوم الشابة التركية التي بقيت معنا بقراءة البوردنك بلغة صعبة الفهم ثم تقارن الاسم وتطابقه مع الجواز ! اي عقل يميز ذلك بسرعة وقد اصابنا الاعياء. اخيرا لاحت بوادر الفرح الطائرة العراقية التي من المفترض ان تطير بالثانية فجرا مستعدة للطيران والساعة تجاوزت الرابعة فجرا اي مضى الان ثمان عشرة ساعة ونحن بالمطار ومفاجاة اخرى فجرتها الشابة التركية وصديقها ( ان ركاب الطائرة التي تعطلت لن يتسنى لهم الصعود قبل ركاب طائرة الثانية فجرا وعليهم الانتظار اذ ربما لن تكفي الطائرة للجميع ! فجاة صراخ وعويل ودعوى بالويل من امراة عراقية انضمت لها عراقيات اخريات (ماكو كرامة شنو انتو هيج العراقي رخيص ومن حكومته). تدافع الجميع للانضمام اليها وبين شد وجذب وصراخ مستمر من العراقية البطلة سمح لنا بالدخول الى طائرة الجامبو والتي طارت في الساعة الخامسة لتحط بنا في بغداد في الساعة السابعة والنصف وحتى اكمال اجراءت الدخول وانتظار الحقائب خرجنا من المطار الساعة الثامنة صباحا بعد مضي 22 ساعة بالتمام والكمال بين مطاري بغداد واستنبول ودرجة الحرارة في بغداد 48 مئوية .