في الذكرى الرابعة لفجيعة كنيسة سيدة النجاة / د. علي الخالدي

في الحادي والثلاثين من تشرين اﻷول تمر علينا الذكرى السنوية الرابعة لمذبحة كنيسة سيدة النجاة هذه الجريمة التي راح ضحيتها أكثر من 120 شهيد وجريح من المسيحيين، ففي وضح النهار خططت قوى التشدد الاسلامي ، لتكون جريمتها موقتة مع دعوات المصلين وابتهالاتهم الى الرب ليحفظ العراق ويصون شعبه من أي مكروه ، داعين الى المحبة والتآخي بين أبناءه ، والى صيانة سلمه اﻹجتماعي ، والى غفران الخطايا ، ولمن اساء اليهم . إﻷ أن الحقد الدفين للقوى الظلامية ، لن يخمد بل يستعر بين فترة لأخرى ، مستغلين فشل الحكومة وخططها في حماية مواطنيها من اﻹرهاب رغم ما صرف على أﻷجهزة اﻷمنية ملياردات الدولارات .
ومع تصاعد اﻷنفلات اﻷمني ومذ 2005، تواصلت الاعمال الارهابية التي طالت ابناء شعبنا وفي اماكن عباداتهم . وتواصل معها مسلسل إضطهاد معتنقي الديانة المسيحية والصابئة واﻷيزيديين والشبك ، بمحاربتهم في أرزاقهم ، وتنفيذ كل ما يضطرهم لهجرة أماكن سكناهم ، فكادت تخلوا بعض المناطق في الوسط والجنوب منهم ، وحظيت تلك الجرائم بإستنكار المسؤولين الذين شمروا عن سواعدهم لملاحقة منفذيها ، ووضع كل ما من شأنه لحماية أبناء شعبنا وبصورة خاصة أماكن عباداتهم من جرائم القوى الظلامية ، والمتزمتين دينيا ، متعهدين بتعويض جميع المتضررين في تلك اﻹنتهاكات الشنيعة ، لكن وعودهم ذهبت أدراج الرياح بينما تطلعت جماهير شعبنا في الوقت نفسه ، الى أن تعلن المرجعيات الدينية جهارا براءتها من القائمين بتلك الجرائم وإدانتهم لها لكونها شوهت دينه.

يبدوا ان مسؤولينا يصابون كالعادة بداء فقدان الذاكرة عندما يوعدون الشعب بتحقيق أمور ايجابية ، ومما زاد الطين بلة ، أن الاعلام الرسمي المسموع والمرئي يجاهل هكذا مآسي، بل خلال السنوات العشرة الماضية تُرك التزمت والتشدد الديني والطائفي لينشر الكراهية، ويشيع الخراب في المجتمع ويزعزع الوحدة الوطنية ، فقد هَجر اﻹرهاب معتنقي الديانة غير اﻹسلامية من العراق ،واصبح عدد مسيحي العراق حاليا حوالي 400 الف، بعد أن كان ما يربو على المليونين ، و أضحى خيار الهجرة هاجسهم الوحيد ، تاركين أرض اﻷجداد على ممض ، حاملين حب الوطن في صدورهم اينما حلوا.

ونتيجة إهمال القائمين على النظام، في معالجة الاوضاع البائسة التي يعاني منها الشعب باجراء الاصلاحات الموعودة ، حدثت فراغات على المستوى اﻷجتماعي واﻷقتصادي والسياسي، إستغلتها داعش وبسهولة دون مقاومة ، فغزت ثلث أراضي العراق ، وخيرت سكانها من غير المسلمين بين الولاء لهم أو ترك منزلهم بما عليهم من ملابس ، وإلا حد السيف ينتظرهم ، فهام مئات الآلاف منهم الى أماكن آمنة إفترشوا اﻷرض والتحفوا السماء، دون أن تتخذ اﻷجراءات الكفيلة لتخفيف معاناتهم ، ومما يؤسف له أن التضامن وإياهم ، من قبل بعض العراقيين وخاصة من منهم في الخارج لم يتماه مع حجم حملات اﻷستنكار التي حظيت بها مآسيهم ، بينما غابت محاسبة المسؤولين المقصرين عن مثل هذه الكوارث.
إن أصلاح ذات البين ، وتعويض المتضررين من اﻹرهاب سابقا ومن غزو داعش ، وتعبئة الجماهير لتطهير مدننا من رجس داعش ، يتم بإتباع سياسة إشراك كافة مكونات شعبنا السياسية في عملية التغيير واﻹصلاح ، و بنبذ نهج المحاصصة الطائفية واﻹثنية ، وسياسة التوازنات التي وقفت وراء مصائبنا وإنتكاساتنا، والعودة الى شحذ الهمم والاستفادة من كنز خبرات كوادرنا الوطنية من ذوي اﻷيادي البيضاء باشراكها في عملية البناء . بينما يبقى نداء الحرص على مكونات شعبنا من مختلف طوائفهم قائما ، وذلك باحترام عاداتهم وتقاليدهم ، وتوفير أماكن آمنه لهم ، سيشكل عاملا هاما في طرد فكرة البحث عنها في الخارج، وسيحرص على ضمان بقاء جمالية نسيج مجتمعنا العراقي الذي نفتخر به أمام اﻷمم.
الرحمة للضحايا شهداء التشدد اﻹسلامي وكنيسة سيدة النجاة