الى مَ يرمي المعترضون على تنفيذ قانون التعرفة الكمركية؟ / ابراهيم المشهداني

نقلت الصحافة العراقية ووسائل الاعلام اعتراض مجلس محافظة البصرة على شمول المحافظة بقانون التعرفة الكمركية ,زاعما ان الشارع البصري يرفض تنفيذ هذا القانون لما يسببه من ارتفاع في الاسعار وانعكاسه على دخول المواطنين وخاصة ذوي الدخول الواطئة ,محتجا على تأجيل تنفيذ القانون في اقليم كردستان في الوقت الحاضر ويبدو ان السبب الحقيقي لهذا الاعتراض سياسي اكثر مما هو اقتصادي او اجتماعي بل ردة فعل لما يجري في الاقليم وهم يدركون تماما ان هناك العديد من المشاكل التي تتطلب التوافق بين ِالحكومة المركزية وحكومة الاقليم وإذا صحت المقارنة فأنها تكون بين المحافظات التي هي في الواقع متقاربة الى حد بعيد في المستوى الاقتصادي والاجتماعي باستثناء فروق لا تشكل ظاهرة تتفرد بها محافظة البصرة ,فضلا عن ذلك فان مثل هِذه المطالبات ينبغي ان تأخذ بنظر الاعتبار الظروف الحرجة التي يمر بها العراق في الوقت الحاضر حيث يتوجب تعبئة الطاقات الاقتصادية والاجتماعية والبشرية كافة و الموارد المادية من اجل ازاحة كابوس الارهاب ومن يقف وراءه من دول ومنظومات سياسية واستخباراتية. ومن ما لاينبغي تجاهله ان قانون التعرفة الكمركية لم يكن مرتبطا باقتصاد الحرب بل مطلوب في جميع الظروف لكونه يعمل على خلق مورد جديد لدعم الاقتصاد العراقي وخاصة في ظل الازمة المالية الناتجة عن انخفاض اسعار النفط وهذا المورد البترولي بحد ذاته كان ولا يزال يشكل 95 بالمائة من تمويل الموازنة العراقية وهذا من ثمار السياسات الخاطئة للحكومات السابقة بعد عام 2003 التي عجزت ،لأسباب معروفة ،عن توظيف هذه الموارد في بناء مصادر مالية جديدة خارج اطار قطاع النفط ،وخاصة بناء قطاعات الانتاج السلعي المتعلقة بالصناعة والزراعة والخدمات بجانبيه الحكومي والخاص, فضلا عن ذلك فان وظيفة قانون التعرفة الكمركية لا تتوقف عند كونه مصدرا من مصادر التمويل فحسب بل أيضا لتصفية السلع المستوردة من ما علق بها من رداءة في الصنع بوصفها منافسا قويا للمنتج الوطني الذي تتعين حمايته من خطر المنافسة الاجنبية عبر هذا القانون وقوانين اخرى معطلة ومنها قانون حماية المنتجات الوطنية وقانون حماية المستهلك وغيرها من القوانين الحمائية ، وفوق ذلك لابد من ملاحظة الاجراءات التي تتخذها دول الجوار كافة , فهل ستجدون بينها دولة ليس لديها قانون للتعرفة الكمركية ، نعم ان تأجيل تنفيذ قانون التعرفة الكمركية الذي شرع عام 2010 مرات عدة كان بسبب ضغط كبار التجار القريبين من سلطة القرار بهدف تعظيم ارباحهم وتركيز تجارتهم على استيراد المواد الاستهلاكية غير الضرورية حتى تحول المجتمع الى الاستهلاك اعتمادا على الموارد النفطية الناشئة عن ريعية الاقتصاد وتجاهل تطوير القطاعات الاخرى وترابط المصالح وبذلك تتحمل الحكومات السابقة مسؤولية التأجيلات المتلاحقة لقانون التعرفة الكمركية في مخالفة واضحة للقانون ذاته الذي حددت فترة نفاذه من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية ,متجاهلة الاسباب الموجبة لتشريعه ، علما ان تعليمات تنفيذ القانون تلزم تنفيذه على السلع غير الضرورية وإعفاء السلع الضرورية كالمواد الغذائية غير المتوافرة بشكل كاف لتغطية حاجة المواطن العراقي, ما يدخل في باب الامن الغذائي ، والأدوية ، والتكنولوجيا التي تتطلبها الصناعة العراقية التحويلية في القطاعين الحكومي والخاص من اجل تحويل المجتمع من مستهلك الى منتج وكل ما هو ضروري للاقتصاد , للخروج من الانتكاسات الاقتصادية المتلاحقة . من هنا نقول : ياسادة ان التخفيف عن كاهل الفقراء وذوي الدخل المحدود يتم من خلال فرض الضرائب التصاعدية على ذوي الدخول العالية الذين استحوذوا من دون وجه حق على ثروات البلاد طوال سنوات ما بعد التغيير ، والكف عن تحميل هذه الطبقات والفئات الكادحة والفقيرة نتائج الازمة الاقتصادية وإجراءات التقشف , ولا تتخذوا من ردود الافعال شعارات سياسية لتعطيل التشريعات التي تصب في اصلاح الاقتصاد العراقي من الاختلالات في نموه وتجريف المطبات التي تعيقه عن النمو المضطرد .