اﻹسلام السياسي مسعاه اﻹنفراد بالحكم فحسب / د. علي الخالدي

لقد أدركت الشعوب اﻹسلامية وبصورة خاصة العربية منها أن اﻹسلام السياسي ، كل ما يسعى اليه بعد اﻹطاحة باﻷنظمة الشمولية التي كان في ظلها يتمتع بحرية الحركة ويبشر بدعواته ، من خلال مراكزه الدينية . التي يُرخص ببنائها ، كما حصل في سوريا وليبيا والعراق ومصر ، بمجرد أن يُنجح بإسقاط النظام الشمولي ، تنبري اﻷحزاب اﻹسلامية بتجيير المردودات اﻹيجابية للتغيير لصالحها ، بالتوافق فيما بينها وتنفرد بالحكم ، بينما يتنافس قادتها راكضين نحو الكسب غير المشروع ، بحيث خلال فترة زمنية وجيزة ، يصبح البعض ممن يُجيد من أين تؤكل الكتف أعضاء في نادي المليون والمليار ، مهمشين ومبعدين القوى الفاعلة التي تصدت وطنيا لتلك اﻷنظمة ، حتى لو كانوا من بين صفوفهم ، ومبرزين من يجيد مخاطبة بسطاء الناس بلغة ، مطعمة بجمل دينية تدغدغ العواطف ، وتسلمهم مناصب قيادية على الرغم من أفتقارهم لمعرفة أبسط القواعد اﻹدارية والعلمية والمهنية ، على قاعدة ، الشخص غير المناسب في المكان المناسب ، فتسقط الدولة في مستنقع الفساد والرشوة والمحسوبية ، وبالتالي الفشل في كل المستويات اﻷقتصادية والسياسية ، كما جرى ذلك في الدول التي أسقطت شعوبها اﻷنظمة الشمولية بإنتفاضتي تونس ومصر . أو أقصاها العامل الخارجي كالعراق وليبيا ، وهذا ما يراد له أن يحصل في سوريا واليمن ، حيث لم تحسم طبيعة القوة التي ستملأ الفراغ فيهما
في تونس لم تفلح القوى اﻹسلامية باﻹنفراد بالحكم لتصدي الشعب وتصميمه على تحقيق إشاعة الديمقراطية السياسية وإﻹجتماعية في النظام الجديد ، أما في مصر فبعد تفرج اﻹخوان المسلمون على الحراك الشعبي ، من على أرصفة الشوارع ، أحسوا أن ميزان القوى يميل نحو اﻹرادة الشعبية وبإيعاز من أمريكا التي قدمت لهم في الماضي وأثناء الحراك الدعم المادي واللوجستي للنزول بكل قواهم ﻹحتواء الحراك ، وبشعارات دينية سلسة ( الدين في خطر)،إستطاعوا لف بسطاء الناس حولهم و اﻷنفراد بالحكم ، لكن سرعان ما بانت عورتهم ، عند فرض شريعتهم لتكون مصدرا للتشريع و اﻹهتمام بمصالحهم وترك كل شيء خلفهم ، غير معيرين ﻷية إعتبارات ﻹرادة الجماهير ومطاليهم المشروعة باﻹصلاح ، ولمن يشاركهم بالوطن من مكونات المجتمع التي لا تدين باﻹسلام . لذا إنتفض الشعب والجيش ضدهم . وكُنست المشاريع التي بأيديهم وباﻹصالة عن أمريكا أرادو تكبيل الشعب المصري بها . أما في العراق بعد إسقاط الصنم ، وجدت اﻷحزاب اﻹسلامية من كلا المذهبين الجو مهيئا طائفيا لكسب بسطاء الناس ، وبالتحالف مع الكرد تبنوا نهج المحاصصة الطائفية والعرقية المقيت ، جاعليه مظلة ، تحمي الفاسدين والراكضين وراء الثراء السريع بالفساد ومن السحت الحرام من المساءلة ، و متجاهلين مطاليب الشعب بأحقيتهم بمردودات التغيير، ومصرين على مواصلة مبدأ المحاصصة المقيت . عندها إستشعرت الجماهير ، نية تواصل جلوسهم على مقاعد عجلات القطار اﻷمريكي ، و بعزوفهم عن إحداث التغيير الحقيقي الموعود . هب المتضررون سياسيا وإقتصاديا من نهجم المقيت المحاصصة (الشراكة) في تظاهرات عمت ساحات المدن وهي تطالب بإصلاح النظام ومحاسبة الفاسدين بقانون من اين لك هذا ، وإسترجاع ما سرقته حيتان الفساد من المال العام.
وبغية للإلتفاف حول تلك المطاليب رمت الحكومة الكرة في ملعب البرلمان الذي تسيطر عليه اﻷحزاب اﻹسلامية ، ليحصل تغييرها ضمن اﻷطر التي ستميلها كتلها ، بالتوافق حفاضا على الشراكة ، ليبقى الوضع كما يقول العراقي تيتي مثل ما رحت جيتي ، محميا بميليشيات سائبة تسرح وتمرح في شوارع المدن العراقية زارعة فيها الفزع ، دون رادع ، وحيتان فساد تواصل إبتلاع خيرات الوطن ، في الوقت الذي تعيش فيه الحكومة أزمة إقتصادية ، والوطن يطالب بتعبأءة كافة مكونات شعبنا بالوقوف مع جيشنا الباسل وهو يقاتل من أجل إرجاع الكرامة التي إفتقدناها منذ عقود.
على مدار التاريخ الحديث أظهرت اﻷحزاب اﻹسلامية وخاصة اﻷخوان المسلمون استشراسا في معاداة حركات التحكرر الوطنية ، بالتحالف مع أشد أعداءها اﻹستعمار. كما حصل لثورة 23 يوليو (تموز) عام 1953 في مصر ، و14 تموز المجيدة 1958 في العراق . ففي مصر تجرد اﻷخوان المسلمون ، من مسؤوليتهم الوطنية التي تعهدوا بها أمام الشعب المصري أثناء الحكم الملكي ، فقاموا بكل ما من شأنه إجهاض ثورته ، بمحاولة فاشلة ﻹغتيال جمال عبد الناصر أحد قادتها ، وفي العراق تحالفت القوى اﻹسلامية مع البعث الفاشي ، وتعاونت مع اﻷقطاع وشركات النفط ،ﻹجهاض ثورة الفقراء تموز المجيدة المجيدة ، على الرغم من أن كلا الثورتين حضيتا بتأييد شعبي منقطع النظير ، وجاءتا لتصفية تبعية البلدين السياسية واﻹقتصادية للإستعمار ، وكلاهما حاربتا اﻷقطاع وأنصفتا فقراء الفلاحين بقانون اﻹصلاح الزراعي ، فأقدمت اﻷولى على تأميم قناة السويس ، بينما دخلت الثانية في تحديد أحقية الشركات بإستخراج النفط ، وكلاهما هدفتا التنمية الحديثة لبلديهما.
في الوقت الراهن حصلت متغيرات كبيرة في بلدان الشرق اﻷوسط ، تتوهم اﻷحزاب اﻹسلامية الخروج منها بسلامة ، من خلال كيل الوعود، وإسماع الجماهير أقوال دون أفعال ، ما لم يأخذوا بجدية تحديث أجنداتهم لتنسجم مع تلك المتغيرات القائمة على أساس الولاء المؤسس على مباديء الدين للله والوطن للجميع.