إزدياد ظاهرة العنف ضد المرأة بعد الربيع العربي / د. ناهدة محمد علي

إن العنف ضد المرأة هو ظاهرة عالمية لا تتحدد بدولة أو قارة دون أخرى ، ولا بدولة فقيرة أو غنية ، ولبيان ذلك سنورد بعض الإحصائيات عن هذه الظاهرة ، ففي كندا مثلاً ٦٠٪ من الرجال يمارسون العنف وهو على الأكثر عنف أسري ، ٩٥٪ من ضحايا العنف في فرنسا هم من النساء ، ٦٦٪ من ظواهر العنف في الهند هي عنف عائلي ، وتبلغ نسبة المُعنفات في البيرو ٨ نساء من كل ١٠ ، كما تبلغ نسبة النساء المتعرضات للعنف في تركيا ٦٠٪ وهن فوق سن الخامسة عشرة ، ونصف هؤلاء النساء قد تعرضن للضرب المستمر والعنف الأسري . وتتحدد أسباب العنف ما بين الظروف الإقتصادية والإدمان على الكحول والمشاكل الأسرية وقلة مستوى الوعي عند الطرفين .
إن ضحايا العنف من النساء لا يقاومن العنف بعنف مماثل ، وتتحدد أساليب الدفاع ما بين ترك البيت لتفادي العنف أو اللجوء إلى المحاكم القضائية أو الأقارب لحل النزاع ، ولا تطلب معظم النساء الطلاق خوفاً على أسرهن . ولا يخفى ما يعانيه الأطفال من مخاوف ورعب مستمر بسبب النزاعات العائلية .
أما في العالم العربي فقد كان العنف الذكوري قيمة إجتماعية قديمة تميز بها المجتمع العربي لقرون عديدة قبل ثورات التحرير وبعدها . وقد أُعطيت بعض الحقوق الديمقراطية للمرأة بعد ثورة يوليو في مصر وثورة ١٤ تموز في العراق وبعد تحرير الجزائر وظهرت قوانين جديدة للأحوال الشخصية وأعطيت للمرأة بعض الحقوق في العلم والعمل والإنتخاب . وجاءت بعدها الإنتكاسات ثم ظهرت ثورات الربيع العربي فقفز مؤشر العنف إلى أعلى وخاصة بعد أن سُحب البساط من تحت أرجل الثوريين وأبتُلعت الثورة في مصر وتونس والعراق وليبيا . وبعد الآمال التي علقها الشباب على الثورة ظهرت ظواهر إجتماعية خطيرة منذ ٢٠٠٤ ، فقد أصبح سن الزواج القانوني في الضفة الغربية ١٥ سنة ، وقد تعرضت ٥١٪ من نساء غزة في عام ٢٠١١ إلى العنف المحلي ، ولا ينص القانون اليمني على سن محددة للزواج ، والكثير من المتزوجات قد تزوجن قبل سن الخامسة عشرة .
حسب تقرير تومسون رويترز حول وضعية المرأة العربية تبين أن أوضاع المرأة في الدول العربية في تردي مستمر وضمن ٢٢ دولة عربية جُعل تسلسل التقرير من الأفضل نحو الأسوأ . والدولة الأفضل في رعاية شؤون المرأة هي دولة جزر القمر على فقر مواردها ثم دولة الكويت وسلطنة عُمان . أما الأسوأ فهي مصر وتقع في المرتبة ٢٢ ، أما المرتبة الـ ٢١ فكانت للعراق، وهكذا أصبحت الدول التي كانت رائدة من رواد ثورة التحرير والديمقراطية وهي مصر والعراق في مؤخرة الدول التي ترعى أوضاع المرأة العربية وخاصة بعد ثورة الربيع العربي والتي تفاءلت بها المرأة العربية لكن الخطاب السلفي قد ختم على المرأة بالشمع الأحمر وجعلها تنحسر متراجعة إلى بيتها خوفاً من القتل العشوائي والمحاربة الإجتماعية والأوضاع الإقتصادية المهزوزة . وليس من الغريب أن تُهمش المرأة في مصر وهو البلد الذي تجري فيه الآن عمليات الختان على حوالي ٢٧ مليون إمرأة ، وقد نجحت في الإنتخابات من مجموع ٩٨٧ مترشحة ٩ مرشحات فقط في ٢٠١٢ . أما في العراق فتتراجع أوضاع المرأة بشكل مستمر وتطفو على السطح ظواهر كانت موجودة من قبل مثل عدم الإذن بالحصول على جواز سفر إلا بموافقة الأهل ، كذلك عدم السفر إلا بإذنهم وإزدياد حالات الزواج من القاصرات والزيجات الصورية مثل الزواج العرفي والمسيار وزواج المتعة . وظهرت أيضاً ظواهر جديدة على المجتمع العراقي والعربي بشكل عام مثل إنتشار تجارة الجسد بسبب إنتشار البطالة وسوء الأوضاع الإقتصادية ، وتنتشر رقعة ومساحة هذه المهنة بسرعة بظهور شريحة من السماسرة المروجين لها ، وعلى هذا الأساس كثُرت ايضاً جرائم الشرف وإزدادت نسب حالات الطلاق مع عودة ظاهرة تعدد الزوجات رغم سوء الحالة الإقتصادية . ويفرز هذا وضوحاً مؤلماً يبين مستوى الإهتزاز الزلزالي لقشرة المجتمع العراقي ونواته والتي هي العائلة .
إن الخطاب السلفي السياسي قد ركز على الكسب السياسي كما ركز على وسائل هذا الكسب وإعتمد على التصعيد الذكوري والتهميش الأنثوي ، وكأن غمط حقوق النساء كانت هي الورقة الرابحة لكسب أصوات الذكور والتأكيد على الطاعة ثم الطاعة للرجل لكسب الرضى السياسي . وظهرت المرأة وكأنها العائق أمام تقدم الرجل وهي من ترفع شرفه إلى أعلى أو تكبسه إلى أسفل ، وهي ايضاً من ينافس الرجل في المواقع الإقتصادية . ولعبت النزاعات المحلية والطائفية دوراً في إرهاب المرأة وجعلها تفضل الرقود في البيت على مناطحة الرجال ، لذا تتقاعد الآلاف من النساء لأسباب صحية مفتعلة لكي تنجو بجلدها من إرهاب الشارع والدولة . وقد عاد الرجال السلفيون إلى أحكام الجاهلية لجعل المرأة وحركتها عورة تدعو إلى الخجل منها، وقد فندت ذلك الآيات القرآنية بقوله تعالى في سورة النحل ( وإذا بُشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم ، يتوارى من القوم من سوء ما بُشر به أيُمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون ) . وفي قول للنبي ( ص ) ( إنما النساء شقائق الرجال ) ولم يقل عبيد للرجال . وهناك الكثير من الآيات القرآنية التي نفت دونية المرأة .
إن الكثير من الأدبيات والتقارير للمنظمات العالمية قد حاربت التمييز على أساس الجنس منذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام ١٩٤٨ ومنذ إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة ١٩٧٤ والذي يؤكد على حماية النساء والأطفال في حالات الطواريء والنزاعات المسلحة خاصة نساء الأقليات . وقد أكدت منظمة الصحة العالمية على أن ٨٠٪ من القتلى في النزاعات المسلحة هم من النساء والأطفال ، ويثبت هذا ما حصل في شوارع بغداد والقاهرة بعد ثورة الربيع العربي .
من هذا كله نخلص إلى أن أوضاع المرأة العربية قد تراجعت بعد الربيع العربي بسبب إحتواء هذه الثورات من قِبل غير الثوريين ، لكن هناك عوامل مساعدة هي في الواقع أسباب ونتائج لهذه الثورات مثل إرتفاع نسبة البطالة وتغيرات الجو والبيئة العربية ، وهبوط المستوى الإقتصادي بعد هبوط أسعار النفط وإنغماس الشعوب في النزاعات المحلية ، كل هذا قد ساهم في إزدياد ظاهرة العنف ضد المرأة بالإضافة إلى سوء التخطيط العلمي لحركة المجتمع الإقتصادية والإجتماعية ، وهناك دول إسلامية مثل ماليزيا قد إحتوت ظاهرة البطالة ، ودول أخرى إحتوت ظاهرة هبوط أسعار النفط بموارد جديدة مثل دولة الإمارات وسلطنة عُمان ، وبالمقابل هناك دول تزخر بإحتياطي نفطي هائل مثل العراق وليبيا لكنها تعاني من مشاكل إقتصادية وإجتماعية كبيرة ، كما تعاني المرأة فيهما من ظلم إجتماعي كبير ، ولا يخفى أن السبب هو إنعدام التخطيط العلمي مع وجود النزاعات المسلحة والتي تؤثر تأثيراً كبيراً على موت القيم الديمقراطية وإحياء قيم جاهلية قديمة لم تعد مناسبة لعصرنا الحالي ، كما سُخرت الموارد الطبيعية لتغذية قنوات هذه النزاعات بدل إرواء البنى التحتية والقنوات الإقتصادية والإجتماعية . وتبقى هنا المرأة بين عودة التقاليد القديمة وخوف المرأة من أن تطالها بنادق الإرهاب فتبقى في خندق أرضي لا حول لها ولا قوة . والحديث هنا عن غالبية النساء في بلدان الربيع العربي لكن هذا لم يمنع من وجود رائدات في المجالات العلمية والإجتماعية مع تعرضهن لحالات المطاردة والإغتيال من قِبل قوى الإرهاب والحركات السلفية كما حدث في العراق للكثير من الطبيبات والصيدلانيات وأساتذة الجامعة من النساء والصحفيات ، والأسماء كثيرة لا عد لها ولا حصر وكأن هذه القوى غير الثورية تقول أنتن حجر عثرة في طريقنا وفي طريق أهدافنا ولا بد أن تعود المرأة كما كانت لا تنطر ولا تسمع ولا ترى .