عام واكثر في بيت الجواهري الكبير / شاكر عبد جابر

كنت واحداً من مجموعة من الرفيقات والرفاق الأنصار، ربما كنا اكثر من خمسة عشر، في البداية، بعد ان أُتفق على ان تكون كل المجموعة من الرفاق الانصار، لضمان الحفاظ على الاشرطة والفيديوهات المسجلة والتي تحتوي تقريباً على كل مذكرات الجواهري الكبير، هكذا أتفق الرفيق عبد الرزاق الصافي وحميد برتو وغيرهم ممن اهتموا بموضوع المذكرات، والمشروع جاء بعد ان فقد الاستاذ الجواهري العديد من الاشرطة في حادثتين منفصلتين، احداهما سرقة تعرضت لها شقته في براغ والثانية ضياع او تضييع، اقترفه احدهم ممن ائتمنه على الاشرطة، وكان ألم الجواهري كبير حين يتذكر الحادثتين، لا سيما ان اكثر ما فقده كان اشرطة فيديو ثمينة المحتوى.
بعد ان انتهينا من تفريغ كل الاشرطة على الورق، بدأت مرحلة جديدة من العمل، ولعدم قدرة الاستاذ على القراءة والكتابة توجب ان يكون هناك شخص يؤدي المهمة، ولحسن حظي كنت انا من وقع عليه الاختيار، فكنت احضر للعمل في غرفة المكتب ببيته في دمشق منذ الصباح وحتى المساء.
لم اعش ولا عشت بعدها ايام، مليئة بالنشاط والحيوية كتلك التي عشتها في بيت الجواهري. كنت انتظر فيها اليوم التالي بلهفة، علني احصل على المزيد من كم الذكريات والتي تقال بين هذه الاستراحة وتلك، وهذه الذكرى وغيرها. ناهيك ان اجواء البيت تتغير بتغير الوقت، فهدوء الصباح يقابله حركة ونشاط وزيارات مختلفة، فهناك تعرفت على العديد من الشخصيات من كتاب وفنانين وسياسيين كثر.
عمل مع الاستاذ الجواهري فريق من الكتاب والمثقفين المعروفين، وهؤلاء كانت مهمتهم قراءة المسودات التي قرأتها انا له وغير فيها، لتشذيب وتبديل موقع فقرات وغير ذلك، من بينهم الاستاذ الباحث الدكتور فالح عبد الجبار والقاص والاعلامي زهير الجزائري والشاعر عبد الكريم گاصد والشاعر عواد ناصر والاعلامي رشاد الشلاه، واعتذر ان نسيت بعضهم .

الحداء البدوي
وحدي في غرفة المكتب، وانا اقوم بتفريغ مجموعة من اشرطة الفيديو، واذا ببعضها الجواهري وهو يغني بعض قصائده وبطريقة الحداء البدوي، عرفت بعدها ان الجواهري كان يقرأ كل قصائده بطريقة الحداء البدوي قبل نشرها، واطلعت ايضاً على مسودات بخط يده لبعض قصائده وهالني ما رأيت، من تأشيرات وتوضيحات وتهميشات، انه يدرس القصيدة بعد كتابتها، ويبدو انه يخضعها الى تحليل خاص قبل ان ترى النور، وهو الثر حين تأتيه القوافي..

الأكلة العظيمة
عند الساعة الحادية عشر صباحاً، يذكرني دائما، انه حان الآن موعد الأكلة العظيمة، في المرة الأولى سألته وما هي هذه الأكلة، قال سترى، ينادي على الطباخ "ابو ياسين: ويطلب منه اكلته العظيمة، وتكون مصحوبة بكأس صغير من الفودكا، وما ان رأيت الأكلة العظيمة "بيض وبصل" حتى قلت له، استاذ هذه اكلة عادية، رد مباشرة لا لا هذه التي يعملها ابو ياسين تختلف، كل وسترى، يالله بصحتك.
لا غداء بدون خيال
يبدأ الغداء بعد وصول كريمته السيدة الدكتورة خيال، حيث كانت تعمل حينها في مكتبة الاسد، وتصل بعد الثانية ونصف، الغداء الذي لا يخلو هو الاخر من الاحاديث الجميلة والذكريات الحلوة، واحياناً نقاش حاد بينه وخيال على امر سياسي وغيره، يقطعه هو بعبارة " اسفين رفاق" او "اسفين رفيقة".
خد المعرة الترب
من بين ما تذكرته وانا استعيد هذا الذي مضى عليه ثلاثون عاما، ما عاناه الجواهري وهو يكتب " قف بالمعرة وامسح خدها التربا" حيث لم يستطع ان يكملها الا بعد اسبوع وفي لبنان، تذكرته وانا ارى ليس خد المعرة بل خد العزيزة على قلبه دمشق، ليس ترباً فقط بل وملئ الماً وحزناً. ترى ماذا يقول لو رأى الجميلة حلب وقد تحولت الى اطلال وهياكل من الكونكريت المخيف التشكيل.
الجماهير الشعبية
وانا اقرأ له، وردت في احد الملفات عبارة الجماهير الشعبية، استوقفني فجأة وقال، شلون؟ جماهير شعبية. انا قلت جماهير شعبية؟ شنو يعني جماهير وشنو شعبية؟ انا لم اقول هكذا عبارات، جماهير شعبية، هذه سياسة، انا لا علاقة لي بهكذا عبارات، حتى اني لا اجد لها معنى، شيلها.
گيمر
في احد الايام وما ان دخلت البيت حتى بادر طيبة الذكر زوجته بالقول ام نجاح جيبيله الريوگ، فقلت شكرا اني متريگ
قال حتى لو متريگ، هذا الريوگ ما يتفوت كاكه،
شنو هذا
گيمر عراقي
لا شكرا متريگ
اكله گيمر عراقي يگلي متريگ
استاذ انه اكل گيمر دائماً،
وين؟
بالقامشلي
شتسوي بالقامشلي
فحدثته عن مفرزة الطريق الانصارية حيث كنت اعمل، وكيف ان الگيمر متوفر في القامشلي، وسألني هل يشبة الگيمر مالتنه؟ فقلت بالضبط هو، لان مصنعيه هم من مربي الجاموس في القامشلي. التفت الى ام نجاح، وبادرها يعني صاحبنا يجيبنه گيمر من القامشلي ويگول من العراق.
ذاكرة خرفة
واخيراً اعتذر ان كنت نسيت او اخطأت في معلومة ما، لاني اكتب بذاكرة خرفة، ما مضى عليه ثلاثون عاماً، وانا في حضرة الجواهري الكبير وهو يحدثك في ثمانينات القرن الماضي ما حدث في عشريناته، وكأنه يروي لك ما حدث قبل يوم او يومين، وبالأسماء والشواهد و بطعم الزمان والمكان، طعم النجف وسراديبها ومجالسها وشعرائها وشيوخها وشبابها ثم بغداد ودهاليز السياسة فيها.