دون الوطنية لا معنى للحياة / د.علي الخالدي

إن خيبة الشعب العراقي في9 أبريل عام 2003 ، جاءت نتيجة إختيار طريق الحرب في أسقاط النظام الصدامي المقيت ، من قبل التحالف الدولي ، مستغلا نقمة وسخط الشعب العراقي عليه مع علمه بأن الشعب كان يود أن يتم ذلك على أيديه ، لمعرفته مسبقا ، أن أمريكا وحلفاءها على مد التاريخ ، لن يرحبوا بالأنظمة الوطنية في العالم ، كما أظهرته الأحداث السياسية و جغرافية العالم . فالعامل الخارجي لا يروق له قيام انظمة وطنية خارج سيطرته السياسية و الإقتصادية ، وللشعوب في ذلك تجارب جمة بما فيها شعبنا العراقي ، منذ تعاون أمريكا مع الطابور الخامس والبعثية العفلقية في إغتيال ثورة الفقراء تموز المجيدة في الثامن من شباط عام 1963، وحرصها على دعم ما ولته عليه من حكومات رجعية ودكتاتورية لتجثم على صدر شعبنا.
عند أسقاطها النظام الدكتاتوري مع حلفائها من الدول الغربية ودول الجوار ، في عام 2003 ، لم تكتف بوضع مستشار في كل وزارة تقريبا (عسكري أو سفير سابق) له باع طويل بترتيب الأوضاع بما يخدم إستراتيجتها على الوضع الجديد . وتقديم النصيحة والإرشاد في عملية إجراء الإنتخابات بشكل يضمن تواصل ما جاءت بهم لمواقع القرار ، حتى لا يأتي لقبة البرلمان وطنيون يقدمون ما فيه الخير لشعبهم ، فسعت بوضع وزراء قريبين منها ، وتفضل مزدوجي الجنسية كما شوهد في المراحل الأولى من عام 2003 ، وهي تؤكد في مسعاها هذا على وزارتي النفط والكهرباء في الدولة الإتحادية والإقليم على حد سواء ، ليتم رسم خططها بما ينسجم وإستراتيجيتها ، التي تمنع بها خروج إدارة النفط من يدها ليد الشعب ، حتى أن أصابعها لم تكن بعيدة عن إعداد الدستور المحمل بالقنابل الموقوتة ، فخربت بتلك الإستراتيجية أسس الدولة العراقية ، بمقترحها على الأحزاب الإسلامية والقومية بعد توطيد أقدامهم على مواقع القرار ، بتبني نهج المحاصصة الطائفية والإثنية ، وساعدت على مواصلتهم له ليومنا هذا ، ليتداخل في تعسير مسيرة شعبنا نحو التغيير والإصلاح ، من خلال وقوفه ( نهج المحاصصة ) وراء أسس بلاءاتنا ، و إنتكاساتنا الحالية المتوالية ، مثيرا المزيد من اللغط والتجاوزات بين بعض قادة الأحزاب المتنفذة ، على الرغم من إجماعهم على تبني هذا النهج المقيت ، الذي مهد أمامهم طريق تسيد الفساد في مرافق الدولة كافة ، مع وضع معوقات أمام مطلقي سياسة التغيير والإصلاح ، وإستحالة محاربته والقضاء عليه ، كما قضى على داعش ، طالما بقي حماة الفاسدين وادواتهم طليقي السراح ، وحاملي الهم العراقي يبعدون عن   مواقع القرار ، من قبل من يفرض تعميم الشريعة الإسلامية على كافة مكونات شعبنا ، ويسد ابواب الحياة الحرة الكريمة أمام جماهير شعبنا ، و يصرون على إبقاء قانون الإنتخابات ، وهيئة غير مستقلة للإشراف عليها ، دون إستجابة لصرخات الجماهير المطالبة بقانون أنتخابات عادل وليس كما صرح سليم الجبوري ( رئيس البرلمان ) ، بأن المفوضية الحالية هي من ستشرف على الإنتخابات ، لأن بأساليبها التزويرية ستعيد نفس الوجوه لبعض قادة الأحزاب الحاكمة لحيلولة دون وصول حاملي الهم العراقي لقبة البرلمان ، بمعنى إستدامة مواصلة تسلطهم على السلطة ، كي لا يخرج الحكم من ايدي لا يعطوه.
لقد إستغل متبنو النهج الطائفي عواطف الشعب العراقي ( العاطفي أصلا) ، كل حسب مكونه مؤججين التعصب المذهبي والقومي، و زرعوا العنصرية والشوفينية بين بسطاء الناس ، لإجل إستدامة التخندق ، على حساب إنعاش الروح الوطنية العراقية ، فأجهضوا العملية السياسية ، وواصلوا تغييب الإحتكام الى صوت العقل والحكمة . بعدم الأخذ بقواعد روح المواطنة وحقوق المواطنة التي نص عليها الدستور ( على عيوبه ) وتعنتهم بعدم الإحتكام اليه في مواجهة أزمة التفاهمات فيما بينهم والقوى المطالبة بالتغيير والإصلاح ، محولين مفهومهم للوطنية ، التي كانت تتوقعها منهم الجماهير إلى محض تمني ورغبات . فتواصل إصرارهم على إبقاء هيكلية الدولة ، ضمن نهج المحاصصة الطائفية المقيت ، وبما يتماهى و الإستراتيجية الأمريكية و أجندات دول الجوار في المنطقة ، فعسكروا المجتمع العراقي بشكل مفتعل يُحمل الشعب أكثر من طاقته حتى بعد القضاء على داعش ، ذلك للإستمرار في تخويفه ، ولإشغال شعوب المنطقة بهذا العنوان المثير للجدل ، ناهيك عن ما يتم زرعة من قبل أمريكا في جغرافية المنطقة من تمزق مجتمعي وجغرافي ، يبعدها عن مساعي تحديد إتجاهات وحدتها الوطنية ، فالفساد يكاد في جميعها ينخر كياناتها ، ففي العراق الذي أحتل الأولوية بالفساد ، يسأل البعض من حكموه على إختلاف ألوانهم عن مسؤولية ونهجهم الطائفي المعروفين لدى دعاة الإصلاح والتغيير ، لكنهم كما يتراءى للمراقبين ، لا يستطيعون أن يشيروا بإصبعهم عليهم ، تخوفا من سطوتهم ، سيما وإنهم بدأوا يعلنون أن تحركهم ، لمواجهة من يطعن بقدسية إبقاء سطوتهم على الأوضاع السياسية ، يقع في أوليات أهدافهم . وكأن ما إستعرضته ممارساتهم التي أرهقت كاهل الشعب والوطن خلال 13 عاما من حكمهم لم يشف غليل فسادهم الذي به لم تمتليء جيوبهم ، ليطمحوا بالمزيد من سرقة ثروات البلاد ، التي لم ير منها الشعب شيئا ، ومع هذا يدعوه لإنتخابهم ، سيما وإن بأساليبهم الملتوية قادرون على إيجاد من يعمد فسادهم ويحلله ويشرعنه ، فصاروا فوق القانون .