لا تصادروا حق الأجيال من ثروات الوطن / د. علي الخالدي

يموت عن بطء .. من لا يعرف كيفية الإهتداء بفضل عينيه _ الشاعر التشلي بابلو نيرودا
ليعلم متبني نهج المحاصصة الطائفية والإثنية ، إن ثروة الشعب العراقي هي الإنسان ، وألأرض والمياه . هذه مشاهد حية لمن عاصر تدميرها من قبلهم
تهشيم الإنسان والقيم الإجتماعية _1
على الرغم من ما يتمتع به العراق من ثروات طبيعية متىنوعة ، تؤهله ليكون ضمن الدول المزدهرة على كافة الأصعدة ، إلا أن تلك الثروات قد دمرت بسبب الحروب العبثية للدكتاتورية و ما جرى له بعد سيطرة الأحزاب الإسلامية على مواقع القرار ، وتبنيها لما إقترحه العامل الخارجي الذي أزاح كابوس الدكتاتورية عن صدر العراقيين ، وتبني نهج المحاصصة الطائفية والإثنية المقيت ، وتقاسم السلطة ومواقع القرار فيما بينهم ، وبهذا يكون العامل الخارجي بمعية دول الجوار القريبة والبعيدة قد أطمأن وإياها على تحقيق أجنداتهم وأطماعهم بثروات العراق
لقد قام المتحاصصيون بنهب ثرواته البلاد ، وتهريبها للخارج ، ولم ير الشعب ما كان يصبو اليه طويلا ، من وراء إسقاط الدكتاتورية ، كالحد من الفقر وتحقيق العدالة الإجتماعية والأمن ، بل على أيديهم تفاقم الفقر بين أوساط الشعب لأكثر من 34% ، بالرغم ما كان تحت ايديهم من مبالغ طائلة نتيجة إرتفاع أسعار النفط ، لكنهم لم يستثمروها في مجالات توفير شروط بناء تنمية إقتصادية وإجتماعية في عراق مدني ديمقراطي فدرالي جديد كما ضن ناسه ، وينالوا رضا الشعب وأجياله القادمة ، لا بل ابقوا على بعض ما وُرث من النظام الصدامي نافذ المفعول ليومنا هذا ، ولم يجر كنس مخلفات الدكتاتورية ورجالاتها بعد 2003 ، فبقي العراق جريحاً ، وتُرك منهارا لتحتل ثلث أرضه داعش ، مما يتطلب عشرات السنين لتَرجيع العافية له وبناءه من جديد
كان الكثير من العراقيين يظنون أن الأحزاب الإسلامية التي تولت مقاليد الحكم ، ستجعل من العراق وطنا حرا للعراقيين على إختلاف إنتماءاتهم الدينية والقومية والمذهبية ، وخاصة بعد تعاون الاحزاب التي تجردت من ذاتها معهم ، لما أشيع من ديمقراطية سياسية هشة ، رغم كونها قد رُبطت بخطط متبني النهج الطائفي المقيت ، فإستغلت لخلق ممهدات ربط سياسة حكمهم بالدين ، ، مع إستنباط ادوات تضطهد المكونات العرقية لسكان ارض ما بين النهرين ، الذين إستقبلوا الإسلام بروح التعايش والمحبة ، وعاشوا بروح التسامح وإياه ، مطيعين الحكومات والقوانين ، ومع هذا تُركوا يعالجون حاليا منغصات التهجير القسري دون مساعدة حكومية لإعانتهم وإيقاف إضطهادهم ، و خروج من أزماتهم الحالية ، فشوهوا مقولة الدين لله والوطن للجميع . فمنذ تسلطهم على مقاليد القرار باشروا ، بما اتيح لهم من وسائل إعلام وأمكانيات مادية يإصطناع عملية تزييف هائلة ، نشروا بها روح القناعة والخمول والإستسلام عند بسطاء الناس فتباروا في أستقطاب الكثير من النفعيين وغير المخلصين للوطن لصفوفهم ، غير ناسين التحدث عن خيار بسطاء الناس بين الجنة والنار ، وعن سموم الديمقراطية والوطنية ، في أعاقة مشاريعهم المذهبية ذات الطابع الأممي . بينما حيال الخارج قدموا أفكارهم تلك بثياب تحضرية وعصرية منافية للواقع . بل سنوا داخليا قوانين لا تتماهى مع ما ظنه العراقيين ، من أنهم سيحدوا من الفقر ، ويحققوا العدالة الإجتماعية ، ويبنوا مستقبل زاهر للأجيال ، و إنهم لن يتهاونوا مع ما مورس من تراجعات مزرية هشمت ديمقراطية الإنتخابات وصادرت حرية الفكر ، مع إصرارهم على عدم تعديل مواد الدستور لتكون في خدمة الشعب والوطن وليس بخدمة الأغلبية الطائفية او العشائرية والقومية .
لم يكتفوا بذلك بل مدوا أيديهم للعبث بثروات الوطن ، وإنعشوا حركة الفاسدين الذين تمركزوا في مفاصل الدولة ، دون النظر لمحاكمة ذاتهم من خلال أعادة النظر لمفهوم ربط الدين بالحكم و شرعنة سرقاتهم دينيا ومذهبيا ، فبذروا ثروات الوطن (الإنسان الأرض والمياه) ، ، محولين العراق في نهاية المطاف إلى قضية دولية . مُولدين موروث ثقيل للجيل القادم ، على الرغم من النصر الكبير في تحرير الأرض من داعش ، الذي عزز الوحدة الوطنية ، نحو المضي قدما لخوض معركة الفساد الشرسة والتي لن يحالفهما النجاح مالم تتخذ خطوات تقديم الفاسدين الى العدالة ، وتطهير أجهزة الحكومة من الفسادين الذين يعرقلوا ويصعبوا حركة خطط خوضها ، رغم المقولات المفرحة التي يتقول بها البعض من المسؤولين بأنها معركة لا تقل أهمية حبك خططها عن خطط القضاء على داعش على الرغم من أن الظروف المعاشية القاسية التي يمر بها العراقيون في ظل دعشنة بعض القوانين التي تخص العلاقات الشخصية والعائلة ، والتي أدت إلى تفاقم حالات تفتيت العائلة والعلاقات الإجتماعية بكثرة الطلاق ، الذي وقف وراءه كما صرح القاضي عبد الستار بيرقدار ، فرق السن الكبير والتفاوت العلمي والمستوى الإجتماعي بين المتزوجين ، و زواج البعض من صغار الشباب الذين يحصلون على الأموال من خلال العمل مع الجماعات أو العصابات ، ثم ينقطع المورد عنهم ويفشل زواجهم المبكر .
لقد وصل عدد المطلقات والآرامل واليتامى ، كما صرح بذلك السيد عبد الزهرة الهندواوي من وزارة التخطيط ، إلى أكثر من مليون وأربعمائة ألف ما عدى محافظتي نينوى والأنبار، وإن هذا الملف متحرك نحو الزيادة ، مما يعني إذا لم يتم كنس الفاسدين ومتبني النهج الطائفي من مواقع القرار فإن تضميد جراح المجتمع بالقضاء على الفساد والمحسوبية أمر يَصعب تحقيقه ، وإن مستقبلا مظلما ينتظر الجيل القادم