بغداد – ماتع
على شرف الذكرى الثمانين لميلاده، نظم الحزب الشيوعي العراقي صباح أمس، جلسة احتفاء بـ "حركة انصار السلام" في ذكرى تأسيسها الستين وبروادها المؤسسين "عبد الكريم الماشطة، محمد مهدي الجواهري، عبدالله كوران، عزيز شريف"، على قاعة منتدى "بيتنا الثقافي" في ساحة الاندلس ببغداد.
عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي د.حسان عاكف قدم اولى مداخلات الجلسة التي ادارها المسرحي طه رشيد، معرفا بتاريخ الحركة منذ تأسيسها باطارها الاجتماعي والثقافي والسياسي الديمقراطي الذي تبنته لتحقيق الاهداف الانسانية بغض النظر عن الانتماءات السياسية والاجتماعية والعرقية والدينية، لصالح قضية السلام والامن العالميين.
وبيّن عاكف ان "العام 1949 عقد فيه الاجتماع التأسيسي لحركة السلم العالمية في براغ وفي المؤتمر الثاني في وارشو عام 1950 تم تشكيل المجلس واختير محمد مهدي الجواهري اول عضو عراقي فيه وقت كان العالم الفيزيائي الفرنسي "فردريك جوليو كوري" يترأسه، وضم بين اعضائه شخصيات عالمية منهم بابلو بيكاسو وناظم حكمت" لافتا الى ان "الاستجابة لانعقاد المؤتمر بدأت ترتفع تدريجيا في العراق، ففي منتصف تموز عام 1950 تشكلت لجنة تحضيرية لأنصار السلام برئاسة الجواهري، وكان اغلب اعضائها من اليساريين المستقلين المعروفين، الذين اصدروا بيانا للشعب العراقي نشر وقتها بعدد من الصحف وفيه دعوة لتأييد نداء استوكهولم الداعي لنشر السلام العالمي ومقاومة اخطار الحروب".
وذكر عاكف ان "تعاظم الحركة جاء بدعم واضح من قبل دول المعسكر الاشتراكي والاحزاب الشيوعية والحركات والمنظمات اليسارية، وان هذا الظهور في جو الحرب الباردة المتأزم وتصاعد عنفوان حركات التحرر الوطني في العالم بعد الحرب العالمية الثانية، جعلها تتعرض في العراق الى مقاومة السلطة الشديدة حيث قامت وزارة الداخلية بمنع نشاط انصار السلام في خريف 1951، واعتقلت الشاعر محمد صالح بحر العلوم الذي حوكم بتهمة اصدار منشورات للحركة".
واوضح عضو المكتب السياسي ان "حركة السلم اصبحت تلعب دورا مؤثرا في الوضع السياسي حيث ازداد الاحساس بلزوم ظهورها بأشخاصها ومؤيديها في حركة عملية معترف بها واقعيا، وان لم يكن رسميا، كون افكارها واهدافها مقبولة ومطلوبة من اكثرية المواطنات والمواطنين رغم تباين معتقداتهم الاجتماعية والسياسية، ولهذا تقرر عقد اول مؤتمر وطني للحركة في صيف 1954، وحصل هذا بحضور 103 مندوب في تموز من نفس العام".
واشار عاكف الى انه "عند الشروع في الإعداد للانتخابات النيابية التي جرت منتصف حزيران 1954، لعبت حركت السلم دورا نشيطا لتكوين (الجبهة الوطنية المتحدة) بين الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال والحزب الشيوعي وهو تحالف مؤقت يقتصر على خوض المعركة الانتخابية، وقد فاز احد عشر مرشحا عن الجبهة بعضوية المجلس النيابي، لكن السلطة وقتذاك قامت بتزييف متعمد للانتخابات، مما ادى الى استقالة وزارة ارشد العمري، ليخلفه نوري السعيد والذي كلف بتشكيل وزارة جديدة وكان اول اجراء له حل المجلس النيابي الجديد تفاديا لمواجهة معارضة التكتل الوطني".
وذكر د.عاكف ان "تصاعد نضال حركة التحرر العربي ضد المخططات والاحلاف الاستعمارية واتساع نفوذ معسكر الحياد الايجابي، دفع الحكومة الجديدة الى تشديد حملتها ضد الحركة الوطنية وقامت في خريف 1954، باصدار عدد من المراسيم التعسفية التي انطلقت فعليا باغلاق الصحف المعارضة واعتقال العديد من المعارضين وفصل عدد من اساتذة الكليات وموظفي الدولة من مختلف الاتجاهات السياسية، كذلك قامت الحكومة بتجنيد المئات من خريجي الجامعات بينهم عدد من اساتذتها ومدرسيها والزمتهم بالبقاء طوال مدة التجنيد معزولين وشبه معتقلين في معسكر السعدية بمحافظة ديالى".
يذكر ان حركة السلم في العراق قد اعيد تشكيلها بعد سقوط النظام في 9 / 4 / 2003 بمبادرة من شخصيات وطنية وتقدمية من قادة فكر ورأي عام من مختلف اطياف الشعب العراقي بخطاب جديد يتماشى مع المستجدات الدولية والوطنية مع استبعاد تبني ايديولوجية محددة.
بعدها قدم الكاتب حسين الجاف مداخلة بهذه المناسبة استهلها بقراءة مقاطع من قصيدة للشاعر عبدالله كوران ومنها:
"آه اخي العربي
كم من عباءة
كم من لباد
مزقنا
انا كنا نعمل بالسخرة الظالمين
اه كم مسحنا العرق من جباهنا
ونحن مثقلون بالاحمال
اخي العربي
يا ذا العينين السوداوين
مراً كان نصيبك
مراً كان نصيبي
قد جرعنا المرارة من كأس واحدة
فأضحت اخوتنا عسلا شهيا".
وتحدث الجاف ايضا بذكريات سياسية وادبية عن لسان د.عز الدين مصطفى رسول الذي جايل الشاعر المناضل كوران.
نقيب الفنانين صباح المندلاوي قدم مداخلة حول رسالة تلقاها الشاعر الكبير الجواهري من احد اصدقائه في الخارج بعد ان فجع باستشهاد شقيقه جعفر، هذه الرسالة حملت اليه دعوة لحضور مؤتمر المثقفين العالمي في بولونيا، وتضمنت معلومة تفيد بأن من بين من سيحضر المؤتمر الاديب الكبير طه حسين، وتمخض عن هذا المؤتمر انبثاق مجلس السلم العالمي، ويذكر الجواهري في الجزء الثاني من كتابه "ذكرياتي" انه "في عام 1968 كنت في براغ عندما دعيت الى بولونيا لحضور ذكرى انعقاد هذا المؤتمر حيث صدرت مجلته حاملة صور اربعة من مؤسسيه وانا بينهم".
وقرأ الناشط علي عبد الكريم ورقة تتحدث عن "الشيخ الماشطة والعلمانية" لكاتبها احمد الناجي احتوت على نظرة الماشطة للعقلانية والتنوير وقضايا الحرية والعدل والمساواة، وكيفية تحكيم العقل لرؤية ومعالجة شؤون الحياة.من جانبه قدم عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي تعقيبا على ما ذكر في الجلسة الاستذكارية، قائلا ان "حركة انصار السلام تمكنت من التفوق باهدافها من خلال تشكيل الجبهة الوطنية وارساء قيم التسامح القومي"، مبينا ان "الطيف المتنوع الذي شكل ركائز تلك الحركة هو ما نحتاجه اليوم، كوننا نمر بفترة من حالة تكريس للكراهية".
ودعا فهمي الى "ضرورة اقامة نشاطات ومبادرات جديدة، يجتمع فيها قادة الفكر والثقافة والاجتماع، ممن يتطلعون للمستقبل بقراءة هذا الماضي الغني بالقيم التنويرية".
وكان اخر المتحدثين التربوي فاروق بابان الذي أكد الحاجة الى ترسيخ مفاهيم السلم الاهلي، لاسيما مع انتشار حواضن عديدة لخلق الكراهية التي وصلت حتى الى الواقع التربوي عن طريق اساتذة تدريسيين يعلّمون طلبتهم مفاهيم الفرق والطوائف وينسون واجبهم التربوي الاخلاقي.