بعد مرور عام على انتكاسة الموصل : منظمات دولية: على العالم أن يستيقظ ويدرك حجم كارثة النزوح في العراق

طريق الشعب
بعد عام واحد من استيلاء الإرهابيين على الموصل، ثاني أكبر المدن، تغرق البلاد في مستنقع أخذ يتسع حيث يحتاج أكثر من ثمانية ملايين شخص الآن إلى "المساعدات المنقذة للحياة".
وبعد سقوط الموصل في حزيران الماضي، فر نصف مليون شخص من ديارهم، وانضموا بذلك إلى حوالي 400 الف شخص نزحوا بسبب القتال الدائر بين تنظيم داعش والقوات الحكومية في محافظة الأنبار، الذي بدأ في شهر كانون الثاني. وقد فر ما يقرب من 3 ملايين عراقي من ديارهم بسبب الأزمة في غضون 18 شهراً فقط.
ووفقاً لبيانات تتبع النزوح الخاصة بالمنظمة الدولية للهجرة نظراً للقيود التي تفرضها قلة الأموال، تواجه المنظمات الإنسانية التحدي المتمثل في تحقيق التوازن بين الاستجابة لحالة الطوارئ المتعلقة بالنازحين حديثاً (الموجة الأخيرة التي نزحت من مدينة الرمادي في محافظة الانبار) والقدرة على الصمود على المدى الطويل واستراتيجية التنمية.
"نحن في وضع يجمع بين حالة طوارئ ونزوح طويل الأمد في نفس الوقت" تعلق غريني أوهارا، نائب ممثل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في العراق.
وتضيف في تقرير نشرته شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين"، "هناك أشخاص نزحوا حديثاً، وآخرون نزحوا منذ ستة أشهر إلى سنة، وفوق هذا كله، لا يزال لديك ما يقدر بنحو مليون نازح من جولات سابقة من الصراع".
وتبين "هناك أيضاً حاجة ملحة لتقديم الدعم للمجتمعات المضيفة التي تتقاسم الموارد الثمينة مثل الماء والكهرباء وفرص العمل والخدمات الصحية مع النازحين الجدد والنازحين على المدى الطويل".
وتجدر الإشارة إلى أن الفشل - المتصور أو الحقيقي - في مساعدة المجتمعات المحلية المضيفة يمكن أن يتسبب في إثارة التوترات الاجتماعية المتفاقمة بالفعل في بلد تدمره التصدعات الطائفية".
من جانبه، قال ألن جليتش، المدير القطري للمجلس الدنماركي للاجئين في العراق، والذي مثل عدداً من المنظمات الإنسانية الأخرى يدرس تنفيذ برامج طويلة الأجل كدعم إعادة تأهيل البنية التحتية وإعادة تطوير سبل العيش، أن أموراً كثيرة تعتمد على الجغرافيا، موضحا أنه "في بعض المناطق، هدأت الأمور بعض الشيء، وأصبحنا قادرين على البدء في الانتقال من الاستجابة لحالة الطوارئ إلى ما يمكن أن نسميه الرعاية وصون ما تم إنجازه" ولكنه حذر من "استمرار النزوح الإضافي بشكل منتظم للغاية".
وإلحاقاً ببرامج النقد مقابل العمل وبرامج سبل المعيشة الأخرى التي تديرها المنظمة الدولية للهجرة ومنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، بدأ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تنفيذ الأنشطة المسماة "بناء القدرة على الصمود" في ايلول الماضي.
وفي حديث مع "إيرين"، قالت دينيس جينمونود، المتحدثة باسم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق "على الرغم من أن هذا قد يبدو مثل قطرة في المحيط ما دامت حالة الطوارئ مستمرة، لكننا نستطيع أن نسهم في تحقيق الاستقرار من خلال المساعدة في توفير الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء وخلق فرص العمل وغيرها من الفرص الاقتصادية لكل من النازحين والمجتمعات المضيفة".
وأشارت إلى وجود "ضغوط كبيرة على سوق العمل وتقديم الخدمات، والناس ينتظرون لفترات أطول في العيادات، وفرص العمل المتاحة أقل. وفي العام الماضي، على سبيل المثال، احتل النازحون داخلياً نحو 600 مدرسة في محافظة دهوك".
وفي البصرة، جنوبي العراق، حيث يوجد أكثر من 10,000 نازح منتشرين في أكثر من 200 موقع، يدعم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مبادرة سبل العيش التي تدرب النازحين على مهارات تأسيس الأعمال التجارية وتساعدهم على إقامة أكشاك في السوق.
من طرفه، قال فهد منسق الشؤون الإنسانية في منظمة المعونة الكندية للمجتمع العراقي وإعادة التأهيل (CAOFISR)، وهي منظمة غير حكومية عراقية كندية تدير مشروع السوق نيابة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن العديد من النازحين في محافظة البصرة ينتمون إلى (طائفة السنّة)، وكان من المهم خلق جسور بين الطائفتين.
ويردف "كان هدفنا الرئيس هو جعل المجتمعات المضيفة والنازحين يعيشون معاً بسلام، على الرغم من خلافاتهم. وأيضاً، بدلاً من مجرد إعطاء الناس الغذاء والماء والبطانيات، نحاول أن نفكر على المدى الطويل أكثر. إن التدريب والسوق يمنحان الأسر النازحة، التي فقد أفرادها وظائفهم ومنازلهم ومدخراتهم، فرصة لإعادة البناء بأنفسهم، بدلاً من الاعتماد على المساعدات".
وقالت جينمونود من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن التماسك الاجتماعي هو مركز كافة أنشطة كسب الرزق "في كثير من الحالات، لا يكون الوافدون الجدد من أديان وطوائف مختلفة فحسب، بل يشكلون ضغوطاً على الخدمات المحدودة أصلاً. إنه وضع هش".
بدلاً من مجرد إعطاء الناس الغذاء والماء والبطانيات، نحاول أن نفكر على المدى الطويل أكثر وفي حين أن بعض المشاريع في المناطق الأكثر هدوءاً من البلاد، مثل البصرة، قد انطلقت، ولكن النزوح لا يزال مستمراً في أجزاء أخرى كثيرة من العراق، ومن المرجح أن يستمر لبعض الوقت لأن قوات الأمن العراقية لا تزال تقاتل ارهابيي داعش.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى نزوح أكثر من 230 الف شخص من محافظة الأنبار وداخلها في الأسابيع القليلة الماضية بسبب القتال. ومن المرجح أيضاً أن تؤدي العملية العسكرية المزمعة لاستعادة الموصل والمناطق المحيطة بها من تنظيم داعش إلى نزوح إضافي كبير في الأشهر القادمة. من جهته، أشار فابيو فورجيوني، رئيس بعثة منظمة أطباء بلا حدود في العراق، إلى أنه في حين أن الطبيعة الممتدة للنزوح تعتبر مصدراً للقلق، لكن الأضرار الواسعة النطاق التي لحقت بالبنية التحتية، مثل أنابيب المياه والطرق والمراكز الصحية والمدارس، تشكل تحديا كبيراً أيضاً.
وأضاف "لقد أصيبت مناطق عديدة بأضرار بالغة أثناء القتال، ولذلك فحتى عندما يبدأ الناس في العودة، سيجدون بنية تحتية محدودة جداً، وأماكن تحتاج إلى الكثير من إعادة البناء قبل تشغيل الخدمات مرة أخرى"، مؤكدا أن منظمة أطباء بلا حدود كانت حريصة على البدء في تقديم المزيد من الدعم المتوسط الأجل والطويل الأجل، بما في ذلك بناء قدرات المستشفيات المحلية وخدمات صحة المجتمع، ولكن عدم الاستقرار المستمر في أماكن مثل تكريت والأنبار يمثل مشكلة".
ويبين فورجيوني "لا نعتقد أننا قد وصلنا إلى ذروة العنف أو النزوح بعد، لان من المحتمل جداً أن تستمر الاحتياجات في الزيادة في ظل التخطيط لشن هجمات على الأنبار والموصل".
اما اوهارا من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فتقول لـ"ايرين" "نحن نتحدث عن الأعداد المتزايدة من الناس الذين يحتاجون إلى المساعدة، في حين أن الموارد تتناقص، وهذا يؤثر على جودة المساعدات التي يمكن أن يحصل عليها الناس".
وقد أطلقت الأمم المتحدة نداءً جديداً لجمع 500 مليون دولار من أجل توفير المساعدات لنحو 5.6 مليون عراقي على مدار الأشهر الستة المقبلة، جنباً إلى جنب مع الحملة الإعلامية.
وقال يان إيغلاند، الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، قبل إطلاق النداء "نحن نواجه سيناريو كارثياً بالنسبة للملايين من العراقيين المتضررين من هذه الأزمة"، معتقدا "إنها دوامة هائلة من النزوح بالنسبة للأسر التي أُجبرت على الفرار مراراً وتكراراً بغرض الحفاظ على حياتها".
ويؤكد "في الوقت الذي تعاني فيه الاستجابة الإنسانية في العراق نقصاً مزمناً في التمويل، ينبغي على العالم أن يستيقظ ويدرك هذه الكارثة الضخمة التي تتكشف، ويساعد على توسيع نطاق المساعدات المنقذة للحياة".