طيور قرية "ام الغزلان" تعود الى أعشاشها / عباس الشطري


يقول نعمة كاظم: لم تكن قريتنا ام الغزلان على موعد مع رجالات النظام السابق يوم الثامن والعشرين من شهر اذار من عام 1997 اذ لم تربطنا علاقة طيبة بذلك النظام بسبب ممارساته الدكتاتورية، ولم نقدم أية دعوة لمسؤوليه لحضور حفل زفاف احد ابنائنا في ذلك اليوم،لكننا فوجئنا برتل من السيارات يحاصر القرية.
وحين استفسرنا عن الموضوع كانت اجابة المسؤول الحزبي: ان عليكم تسليم احد ابنائكم الى السلطات وكان الشاب المطلوب هو المحتفل بزفافه ويضيف بدا الامر للجميع صعبا، فلا تقاليد القرية ولا العرف الاجتماعي يقر مثل ذلك ولذا طلب شيخ العشيرة مهلة بضعة ايام لتسليمه رغم عدم ارتكابه جرما يستحق كل هذه الضجة سوى تخلفه عن الخدمة العسكرية، لكننا ادركنا حينها ان الموضوع لا يعدو كسر شوكتنا.
معركة من أجل الكرامة
و يقول (علي غثيث) وهو فلاح بسيط في الخمسين من عمره:اخل اقطاب النظام الدكتاتوري بالاتفاق، ففي اليوم التالي اتجهت عدة سيارات ومايزيد على المئتين من المسلحين نحو قريتنا وهم يقصدون اذلالنا وانتهاك الاعراف الاجتماعية، ولما كان اغلبنا قد تعلم فنون القتال اثناء خدمتنا العسكرية الطويلة؟ لذا اقسمنا على القتال وعدم الاستسلام برغم فارق العدد والعدة، ووضع احدنا خطة عسكرية اعتمد فيها على ماتعلمناه سابقاً.
ويضيف ابن قريته محمود سالم الذي يقول: حين اقترب الرتل من القرية انسحبنا مؤقتا الى جوانب اللسان الترابي الذي يتوسط الهورواختبانا بين اشجار الزور الكثيفة فابتلع العدو الطعم وتوغل في عمق الهور، وكانت معركة كبيرة تكبد فيها العدو خسائر كبيرة ومهولة وصلت الى اكثر من 120 قتيلا و من تبقى اصيب لكنهم لم يستطيعوا انقاذهم الابعد انسحابنا، وهذه الارقام معروفة ومسجلة في المستشفى الحكومي في مدينتي الشطرة والدواية .
الرحيل غربا
جن قادة النظام الدكتاتوري خاصة بعد نشر وسائل الاعلام العالمية الخبر فارسلت الحكومة في اليوم التالي اعداداً من الجنود مدعومين بعدد من المدرعات وطائرات الهليكوبتر لتمشيط المنطقة وكان الثوار قد انسحبوا باتجاه العمق حيث يضيع هناك من ليس له علم بتفاصيل المنطقة، وحين لم تحقق الحكومة شيئاً لجأت الى اساليب القمع للعوائل الساكنة في المنطقة فاجبرتها على الرحيل مع مواشيها الى كربلاء والنجف في تلك الايام الباردة وتطلب الامر وقتا حتى تمكنت تلك العوائل من استئجار بيوت لها، في حين بقينا نحن محاصرين في هور الغموكة وبعضنا تمكن من المغادرة وعبور الحدود.
عبر الحدود، هذا ما افاد به سالم السعيدي احد المشاركين في معركة (الزورة) او ما اطلق عليها النظام السابق (ام الغزلان) ويضيف:بقيت المنطقة محاصرة لفترة طويلة حتى بداية الالف الجديد ومن ثم اخذ الياس يدب بقوات النظام الديكتاتوري شيئا فشيئا واستطاع بعضنا التسلل من جديد وتضيف زوجته ام محمود:عملنا في بساتين الفواكه والنخيل في الفرات الاوسط وعشنا اياما صعبة ولم تتركنا اجهزة السلطة من دون مراقبة لحظة واحدة خشية ملاقاة رجالنا واطلقت علينا لقب عوائل المخربين الامر الذي كان يؤذي اسماع اطفالنا الذين حرموا من الدخول في مدراس المحافظتين.
ملح وزاد
وعن الاساليب التعسفية التي مارستها اجهزة السلطة مع العوائل العالقة في داخل الهور من نساء واطفال بقصد الاساءة والضغط على رجالهم للاستسلام يقول محمد نشمي:عمدت الحكومة الى قطع المياه عن الهور بغرض تجفيفه لذا فتحت قنوات عدة لتصريف مياهه القليلة اصلا وتسببت بقطع اخر ماتبقى للعوائل من اسباب العيش التي كانوا يعتمدون عليها كصيد الاسماك اوطيور الماء واختفت حتى حيوانات كانت تعيش فيه منذ زمن طويل مثل الخنزير البري ورحل اصحاب الجاموس الى ناحية السلام في محافظة العمارة حفاظا على مواشيهم ومن تبقى من النساء والاطفال اخذوا يعملون بجمع الملح وبيعه ما اثر في صحتهن وصحة اطفالهن وكان للاساليب البدائية في طريقة جمعه اثر واضح في اصابتهم بامراض الصدفية وداء السمك.
العودة
يقول نعيم سيد حسن: سقط النظام الديكتاتوري وانقطعت الضغوط على اهل المنطقة وعاد العديد من سكانها المرحلين واجتمع الرجال مع نسائهم وفتحت القنوات من جديد فارتفع منسوب المياه وعادت الحياة الى الهور ورجع الخنزير البري والطيور المهاجرة ولم يتبق سوى معالجة المصابين بالامراض الجلدية التي بقيت شاهدة على عنف استقبال الذاكرة لما حدث.والذي سيبقى دليلا على استخدام النظام الديكتاتوري جميع وسائل العنف ضد ابناء الشعب سواء في الجنوب أو الوسط أو كردستان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر في جريدة المدى عام 2007