- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الأربعاء, 29 تموز/يوليو 2015 18:54

قد يبدو هذا الاسمُ غريباً على اكثر المسلمين في يومنا هذا.. لاشكَ في ذلك، فقد مرت القرونُ على اجيالٍ مسلمةٍ دونَ أن تدري أن هنالكَ فئةٌ من اخواننا المسلمين قد دفنهم التاريخ وعزفَ عن النظرِ في حكايةِ نهايةِ عصرٍ اسلاميٍ دامَ لأكثر من 800 سنه..!
فبعدَ أن بنوا دولةً كُبرى شيدوا خلالها صرحاً حضارياً عملاقاً لازالت معالمهُ قائمةً حتى يومنا هذا، وجدَ الموريسكيونَ أنفسهم قيدَ القتلِ والطردِ والإبادة في محنةٍ قد أعتبرت أولَ عمليةِ تصفيةٍ عرقيةٍ في التاريخ..!
يحكي التاريخُ أن دولةِ الاندلس قد تأسست في البدايةِ كأمارةٍ في ظل الخلافةِ الأموية خلفها ملوكُ الطوائف ، ثم وحدها المرابطون قبل ان تنقسم مرةً أخرى الى ملوكِ طوائف، وأُبيدت نهائياً بسقوط غرناطة في 2 كانون الثاني 1492 على يد الملك فيرناندو الثاني.
حيثُ عانى مسلمو الاندلس ( الموريسكيون) شتى انواعِ التعذيبِ والتنكيلِ والقتل، على يدِ الملك فرناندو الثاني، ومروا خلالَ حقبةٍ من معاناةٍ طويلةٍ بلغت ذروتها بصدور مرسومٍ في التاسع من نيسان 1609 يقرُ بطرد كُل مسلمٍ نهائياً من اسبانياً. علماً أن اتفاقية تسليم غرناطة الموقع عليها في 25 تشرين الثاني 1491 بين كبار قادة المسلمين والاسبان قد نصت على احترام المسيحيين لسكان غرناطة المسلمين واحترام ممتلكاتهم وعقائدهم وشرائعهم والابقاء على الشريعةِ الاسلاميةِ كمصدر للقضاء بالنسبةِ لهم، بالإضافةِ الى السماح لهم بالعودةِ الى اسبانيا في حالِ لم يرقَ لهم العيشُ في الدولِ التي هُجروا اليها. إلا ان الكاردينال المسيحي سيسنيروس قد مارسَ سياسةَ العنفِ ضد الموريسكيون، باتباعِ مراسيمَ تقضي باقتلاعهم من جذورهم التاريخيةِ ومنعِ تداولهم اللغةَ العربية واجبارهم على الاكل في رمضان وقتلِ من يمسك متلبساً وهو يصلي الصلاةَ الاسلامية..! ما دفع الموريسكيون الى اقامةِ انتفاضتهم الشهيرة (ألبوخارا) ورفعِ السلاحِ ضده، ما دفعَ الحكومةَ الاسبانية الى اخمادِ انتفاضتهم واجبارهم على الوقوف بين ثلاث خياراتٍ: إما اعتناقُ المسيحيةِ، أو مغادرة اسبانيا ، أو الموت بإصدار مرسوم كانَ عنوانهُ (تمرد المسلمين)..!
وعندها عمدت الحكومةُ الاسبانيةُ الى تهجير الرافضين لاعتناق المسيحية من الموريسكيين بطريقةٍ منظمه، بينما تقرر اخضاع جميع الموريسكيين المتبقين في اسبانيا، الى محاكم تفتيش خشيةَ من ممارستهم للطقوس الاسلاميةِ بأنواعها سراً..!
فبتحريض من نائب ملك فالنسيا رئيس الأساقفة خوان دى ريبيرا، قام فيليب الثالث ملك إسبانيا بطرد الموريسكيين من إسبانيا في عملية استغرقت الفترة بين (1609- 1614 م)، فقد أُمروا أن يغادروا "تحت ألم الموت و الحرمان، بدون محاكمات أو أحكام.. على ان لا يأخذوا معهم نقوداً، أو سبائك ذهبية، أو مجوهرات أو كمبيالات...فقط يغادرون بما يستطيعون حمله.
وتتضارب المعطيات العربية والاسبانيةُ بشأن عدد الموريسكيين المهجرين من اسبانيا، فالكتابات العربيةُ التاريخية تتحدث حول ما يقاربُ المليوني منفي بغض النظرِ عن من واجه مصيرَ الموت منهم في اسبانيا. بينما تشير الوثائق الاسبانية في المقابل الى ما يقارب 272 الف مسلمٍ مطرودٍ تم توزيعهم كالآتي:
117.363 مهجرٍ من منطقةِ فلنسيا، 60.818 الف مهجر من آراغون، الف44.625 مهجر من كاستيا واكستيمادورا، 30.000 الف من منطقةِ غرب الاندلس، 13، 552 الف من مورسيا، 3716 من اقليم كاتالونيا، بالأضافةِ الى 2026 مهجر من غرناطة. ويعود سبب قلةَ عدد الموركيسيين المهجرين من غرناطة الى كونهم قد تم تجيرهم تدريجياً من غرناطة وضواحيها طيلة القرن السادس عشر الميلادي. وقد سكنت الأغلبية العظمى من الموريسكيين المهجرين في أراضٍ ذات سيادة إسلامية، معظمها كان في الإمبراطورية العثمانية (الجزائر و تونس) أو المغرب، ولكنهم كانوا غير متكيفين بسبب لغتهم الإسبانية و زيهم الأوروبي.
أما من بقي في اسبانيا من الموريسكيين كانوا ممن ضمهم قانونُ تنصير المسلمين (دفعهم الى اعتناقِ المسيحية)، والذي كانَ يشتملُ على سنِ قوانينَ تسلبهم تاريخهم ومنها منعهم من التحدث باللغة العربية نهائياً، و منعُ الحمامات التي اشتهر بها العرب في الاندلس، وفرضُ ضريبةٍ عالية على من اراد ان يلبس على الطريقةِ العربية، والابقاءُ على الابواب مفتوحه يوم الجمعة وفي تواريخ الاعياد كي تتم مراقبتهم كما يدعون الى الاكل وشرب الخمر علانيةً في رمضان كي يظهر عدم صيامهم، و أي عقودٍ كتبت باللغة العربية تعتبر لاغية وأن لازواج الا في الكنيسة. حتى ان الكنيسة كانت ترسل امرأة لحضور عمليات الولادة لدى الموريسكيات لكي لا تقرأ الشهادةُ في آذانِ الاطفال بل يؤخذون الى الكنيسة لتعميدهم عوضاً عن ذلك..!
هذا وقد تم انشاءُ مدارسَ خاصة بأبناء الموريسكيين لتعليمهم اللغة الاسبانية وتعاليم الدين النصراني.
وبهذا تحول الموريسكيون من اشخاصٍ ذوو فكرٍ خلاقٍ وابداعٍ واصحاب حضارة قرطبة وقصر الحمراء الى مجردِ عبيد وخدم وعمال في حقول اغنياء الاسبان لا اكثر..!
وكان البرلمان الإسباني قد صادق مؤخرا على تعديل للقانون المدني الإسباني، يمكّن أحفاد ضحايا التهجير القسري من اليهود السفارديم من الحصول على الجنسية الاسبانية، دون أن يشمل بهذا الاجراء ملايين الموريسكيين الحاملين لمأساة الأسلاف. وقد شنت المغرب، كأحد أكثر الدول التي استقبلت موجات الموريسكسين المهجرين بسبب قربها الجغرافي من اسبانيا ، هجوما لاذعا على قرار البرلمان الاسباني الذي اعتبرت أنه "تصرف عنصري ينم عن فكر تمييزي مخالف للشرائع الدولية المانعة لكل أشكال التمييز، حتى تلك المبنية على اعتبارات دينية".
كما و رحبت الكثير من المؤسسات الدوليه والعالميه بقرار البرلمان الاسباني معتبرين اياهُ خطوةً في الاتجاه الصحيح للتكفير عن كل الجرم التاريخي الذي ارتكبته السلطات الاسبانية في حق اليهود السفارديم" لكنها انتقدت تجاهل الإجراء التشريعي الاسباني "لما ارتكبته السلطات الاسبانية نفسها في حق مواطنيها الموريسكيين، والذين طردوا ظلماً بشكل جماعي أيضاً، بفعل مراسيم ملكية اسبانية مماثلة لتلك التي حكمت على اليهود السفارديم بالطرد".
إن مأساةَ المسلمين الموريسكيين في اسبانيا، ونهايةِ امبراطوريةِ اسلاميةٍ حكمت لأكثر من 800 سنه، هي بالتأكيدِ حكايةُ فجيعةٍ كبرى لتاريخِ اسلامي ما كانَت لتقعَ لو أن نوراً من الإسلامِ قد بقيَ يشعُ في قلوبِ المسلمين كما ولد أولَ مرةٍ على يدِ رسولِ الامةِ محمدٍ صلى الله عليه وعلى آلهِ وسلم..