في مناسبة ذكرى رحيله العشرين : توما توماس ..الانسان و الموقف / فارس ججو

كسب ود الناس ودخل قلوبهم من أوسع الأبواب.. وخاصة قلوب بلدته القوش ...
هو من بلدة القوش الأثيرة التي أعطت ميزتين قد تبدو غريبتين في تاريخها ... البطاركة والمطارنة والأديرة والكنائس منذ دخول المسيحية الى بلاد ما بين النهرين في القرن الأول الميلادي فتصدرت جميع مناطق المسيحيين في العراق من حيث الكم والنوع بهذا العطاء نسبة الى حجمها وما زالت أديرة وكنائس ومزارات مقدسة شاخصة فيها حتى اليوم ....لا ينفي ذلك وجود أديرة وكنائس متنوعة في طول العراق وعرضه لكن ليس كبلدة القوش لصغرها وحجمها فما اعطته هو مثار تساؤل واعجاب ايضا...
والميزة الثانية التي انفردت بها ايضا هي حبها واحترامها وتقديرها الشيوعية والشيوعيين والمناضلين ضد الظلم والقهر والعسف عموما وخاصة عسف وظلم الأنظمة الحاكمة .
دخلت الشيوعية اليها في الثلاثينيات من القرن الماضي، واذا علمنا ان مؤسس الحزب الشهيد يوسف سلمان يوسف (فهد) هو من منطقة سهل نينوى ومن أصول كلدانية كما يذكر المؤرخون فيعني ان الفكر الشيوعي تعرفوا اليه منذ بواكير نشاطه في العراق وانتشاره في أواسط ثلاثينيات القرن الماضي في الجنوب العراقي ووسطه وبغداد فتأثرت بلدة القوش بهذا الفكر الحديث الذي يتوخى العدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للناس فبرز منها مناضلون كبار تدرجوا في وظائف عديدة ومهمة رغم كونها قرية ومن ثم ناحية صغيرة بعيدة عن المدن والحواضر نسبيا حيث تبعد عن الموصل شمالا حوالي ٤٠ كم ولكن حضورهم كان واضحا ومؤثرا في الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية والعسكرية سواء للعراق او لبلدة القوش نفسها.
توما توماس هو واحد من رجالات القوش الأثيرة التي ما زالت الاجيال الجديدة تتحدث عنه رغم انها لم تلتقه او تعيش معه ... فما سر ذلك ؟
باختصار لقد نذر حياته وحياة عائلته لقضية الشيوعية التي آمن ودافع عنها بعقل ووجدان نقيين أعطى فيها القضية قيمتها عاكسا ذلك بالمواقف الشجاعة والصحيحة بحيث كانت الراحلة العزيزة زوجته تدافع عن أهل القوش حين يكون غائبا في الجبال منذ الستينيات ابان الانقلاب الفاشي للحرس القومي في ٨/ شباط /١٩٦٣ فكانت العائلة بابنائها وبناتها مشروع نضال وتحد للانظمة وفي المقدمة كان توما توماس الشيوعي المناضل العنيد والانساني الى ابعد الحدود ...وأهالي القوش والمنطقة شهود على ذلك...
من المواقف المعتبرة له هو دفاعه عن البلدة مع زملاء ورجال آزروه في الستينيات سواء ضد الأنظمة الرجعية الحاكمة والشوفينية ام مع الاحزاب القومية الكردية احيانا بسبب خلافات سياسية نشبت في حينها وعندما يصل الامر الى محاولة الاعتداء على مدينته بالسلاح واختراقها كان ينبري مع رفاقه للدفاع عنها وله مواقف مشهودة كثيرة يعرفها أهل البلدة وأهل كردستان والعراق في الستينيات فيتراجع المعتدي خائبا وكذلك في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي فاصبحت تقليدا هذه المواقف للاجيال الجديدة ومدرسة في القيم والمواقف الشجاعة تعلمتها منه ومن مناضلي الحزب الشيوعي وكان واضحا ذلك في الأزمة الاخيرة لاجتياح داعش الإرهابي لمنطقة سهل نينوى في آب ٢٠١٦ ففرغت المنطقة من ساكنيها باستثناء القوش حيث بقى كثير من شبابها ورجالها فيها لحمايتها ولم يتركوها رغم وجود الارهابيين من داعش على مبعدة عشرة الى خمسة عشر كيلومترا فبالرغم من وجود قوات عسكرية وأمنية تعود إلى حكومة الإقليم والمركز الا انهم تركوها والأنكى من ذلك ألحوا على البيشمه رگه القدامى من الشيوعيين والشباب بان ينسحبوا ويتركوها فلا جدوى من البقاء والمقاومة فالموصل وبلدات واقضية سهل نينوى كلها سقطت وسنجار سقطت محاولين كسر روح المقاومة والصمود في لحظات انكسار غير طبيعية لديهم ليتركوها فكان جوابهم لهم بهذه البساطة والقوة والمعنى :-
ارحلوا فالقوش ليست بلدتكم انها بلدتنا.
نحن نحميها
وفرق كبير بين من يعيش في بلدة ويأكل منها ويشم هواءها ويشرب ماءها ويتربى فيها ويشم عبق تاريخها في بيوتاتها وأديرتها وكنائسها ومواقف رجالاتها الشجعان وبين غريب لا يفقه هذه الأشياء .
تأثير توما توماس ومواقفه الشجاعة حضر في تلك اللحظات وكان اثنان من ابنائه موجودين في تلك الأيام العصيبة مع رفاق وبيشمه رگه شجعان وشباب آخرين كانوا كلهم بمثابة توما توماس لحراسة البلدة وبيوتها وممتلكاتها ...
وجود القوش وصمودها هو الذي أعطى قيمة لسهل نينوى وبلداته الان.
يذكر ان الراحل توما توماس لديه ابن شهيد أعدمه النظام الدكتاتوري البعثي وكادت العائلة أن تسقط في براثنه لولا نباهتها اذ التحقت جميعها بجبال كردستان حيث الأنصار وكان ذلك في بداية الثمانينات وصادر النظام الدكتاتوري أملاكهم المنقولة وغير المنقولة كما جرح ابنه الكبير في قدمه بكردستان اثر انفجار لغم وايضا شاركت بناته في حركة الانصار، وزوجته كان بيتها بيتا للأنصار والحزب، ملأته حبا واحتراما وتكريما لجميع العراقيين المناضلين في القامشلى .. ما زال الكثير من الانصار يتذكرون ذلك . فتحية إلى الكبير الراحل ابو جوزيف ابا واخا وإنسانا ومناضلا وشيوعيا حقيقيا وقف ضد الطغاة والشوفينيين والمعتدين بشموخ وكبرياء عظيمين ..
ولا بد ان نذكر كل من كان معه من الشهداء البررة والاحياء وهم كثر من بلدة القوش وغيرها مثل البطل الشهيد ابو نصير ( لازار ميخو) من بلدة مانگيش وزميله ورفيقه ابو عامل (سليمان يوسف بوكا) الذين أحبوه واحبهم وكان يبكي كطفل حين يسمع باستشهاد احد الابطال ...
أرقد بسلام في بلدتك العزيزة ابا جوزيف ...
فالبلدة بأيادي امينة حتى اليوم.