وداعا أيها الرفيق عبد الأحد توما يوسف (أبو سلام)، وداعا أيها الجندي المجهول

وداعا يامن تركت لشعبك ولحزبك تاريخا نضاليا حافلا بالعطاء والتضحيات
محمد الكحط
ترجل أخيرا فارس ومناضل معطاء، حيث غادرنا بصمت الرفيق عبد الأحد توما يوسف (أبو سلام) ولتحلق روحه العطرة في سماء العراق الذي ناضل من أجل سعادة شعبه رغم غربته الطويلة عنه، فطالما غرد حباً بشعبه ووطنه وحزبه، أنه مناضل من الرعيل الأول، ذلك الرعيل الذي قدم الكثير من العطاء والتضحيات، دون ان يفكر بامتيازات خاصة له.
لقد ترك لنا الرفيق أبو سلام مسيرة طويلة وحافلة ومساهمات كبيرة لأجل بناء صرح الحزب الشيوعي العراقي مع رفيقاته ورفاقه الآخرين الذين ضحوا بحياتهم وبالغالي والنفيس وبزهرة شبابهم، والذين غدوا روح الحزب وكيانه، أنهم النجوم المضيئة لمسيرتنا الظافرة.
ولد الفقيد الرفيق أبو سلام في السابع والعشرين من شهر تموز سنة 1927 في مدينة الموصل، وهذا التأريخ ليس دقيقاً، فقد أختار يوم عقد قرانه على شريكة حياته ورفيقة دربه الرفيقة (أم سلام)، وهي رفيقة مناضلة قدمت الكثير من التضحيات والعطاء جنب رفيق عمرها ليكون تأريخ ميلاده الجديد، كما يصادف هذا اليوم ميلاد أحد أحفاده.
انتمى الفقيد إلى الحزب في أواسط أربعينيات القرن الماضي، وعمل في تنظيمات الموصل وكركوك وبغداد للحزب، ونشط في مجال الشباب والعمل النقابي، وبرز كقائد جماهيري أحبه الناس أينما حلّ.
وبسبب نشاطه الجماهيري تعرض الفقيد (أبو سلام) إلى ملاحقات متكررة نجا منها بأعجوبة، فقرر الحزب أن يغادر إلى مدينة كركوك هو ورفاقه (شقيقته مريم الصيدلانية وسكرتيرة رابطة المرأة في الموصل وزوجها المحامي حميد حمدي، وشقيقه الأصغر الدكتور عبد المسيح وسالم تفه وتوما توماس)، وهناك عملوا في بيت حزبي مع الرفيق رحيم قلو وأوكر أبونا وزوجته ماري.
عادوا بعد ذلك إلى الموصل من جديد حتى مؤامرة الشواف.
بعد ثورة الرابع عشر من تموز ونظراً لنشاطه المميز أختير الفقيد ممثلاً للحزب ورئيس نقابة الأعمال التجارية في الموصل. كما ساهمَ في حركة أنصار السلام وكانَ عضواً ناشطاً فيها، فقد عمل مع عزيز شريف وكذلك في دار بغداد مع الرفيق أبو جواد، بعدها تفرغ للعمل الحزبي خصوصاً في مجال الطباعة الحزبية، والتي برز فيها وقدم الكثير من الجهد والعطاء الأستثنائي، فعمل مع الرفاق الياس حنا كوهاري وصبيح سباهي وفخري بطرس، ثم عمل مع الرفيق الخالد سلام عادل والرفاق الأماجد جورج تلو ومحمد صالح العبلي وجمال الحيدري وحسن عوينة وكاظم الصفار وعبد الجبار وهبي والرفيق أبراهيم (أبو أيمان)، ورفاق آخرين.
بعد أنقلاب 8 شباط 1963 الأسود تمكن من الإفلات من قبضة المجرمين وعمل مع قيادة الحزب وبالذات مع الرفاق جمال الحيدري ومحمد العبلي وأصدروا أول بيان للحزب بعد الأنقلاب الأسود.
ونتيجة لنشاطه آنذاك جرت ملاحقته وحكم عليه غيابياً بالإعدام، مما أضطره لترك بغداد والأنتقال إلى كردستان سنة 1965، وعمل هناك في مجال الطباعة والصحافة، إلى أن أرسله الحزب في دورة حزبية إلى الإتحاد السوفيتي وطلب منه البقاء في أحدى جمهوريات الإتحاد السوفيتي على أن تلتحق به عائلته، إلا أنه فضل العودة إلى وطنه وعائلته، فعاد سراً إلى بغداد، ليعمل في التنظيمات السرية للحزب.
عاش في البيوت الحزبية وفي أماكن الطباعة الحزبية السرية وتنقل مع عائلته في عدة بيوت، لتجنب الوقوع في كمائن العدو الذي يحاول جاهداً النيل من الحزب وصحافته وأعلامه، وطالما كانت العائلة تضطر للتغطية على صوت ماكنة الرونيو أو جهاز الطباعة (المغطى بعدة بطانيات) وبلعب كرة القدم أو ألعاب أخرى بالصوت المرتفع كي لا يسمع الجيران الفضوليون دائماً ذلك الصوت وكان للأطفال دورهم في ذلك، وكانت كلمة السر عند الشعور بالخطر هو ( ناواتي ) عوضاً عن (بابا) والتي كانت محرمة اللفظ بها وكي لا تثير الشكوك عند المناداة بها. وفي أحد المرات داهمت الشرطة السرية بيت الفقيد أبو سلام ولضيق الوقت وضع جهاز الطباعة في الخزان ( ومعه البيان المعد للطبع)، وتم تغطيته بفرشة، تم توزيع أفراد الشرطة على الغرف وفي هذه الأثناء كانت الرشاشات مصوبة إلى صدر أبو سلام ونجله، خرج الشرطي من الغرفة المعنية قائلاً: سيدي لم أجد شيئاً!!!، ولا يعرف الفقيد أبو سلام هل كان ذلك الشرطي من رفاقنا أو من المتعاطفين مع الحزب، وهكذا نجا بأعجوبة من محاولات متكررة للإيقاع به، وعلى أثر هذه الحادثة أضطرت العائلة ترك قسم من أطفالهما عند الأهل للحفاظ عليهم، مضطرين تغيير أماكن سكنهم عدة مرات والعمل مع رفاق عديدين وفي ظروف مختلفة.
الرفيق الفقيد أبو سلام عاش منذ فترة طويلة في المنفى مع عائلته متحملاً عناء الغربة، وآلام المرض الذي ألم به لسنوات طويلة متحملا ذلك بروحية المقاتل الذي لا يلين.
لقد ربى الرفيق الفقيد أبو سلام أجيالاً من المناضلين وكان لخصاله الرائعة دوراً وتأثيراً كبيراً على رفاقه وأصدقائه وعائلته فهو الرفيق الطيب المتواضع الملتصق بالحزب، وظلّ ينبض حباً لرفاقه ولمبادئه العظيمة التي آمن بها وضحى بنكران ذات من أجلها، ولم تذهب عبثاً تلك التضحيات..
وفي هذه اللحظات ونحن نودع الفقيد الرفيق أبو سلام، نقول له، وداعا ونم قرير العين فقد كنت أحد الرموز المجيدة في مسيرتنا ومن شموعها المضيئة، وستظل ذكراك عطرة طالما حيينا. نهديك ألف ألف زهرةٍ حمراء ناصعة، ولك المجد والخلود.