وثائق وبيانات

كلمة الرفيق حميد مجيد موسى سكرتير الحزب الشيوعي العراقي في السمينار النقابي اليساري الأول في البلدان العربية

الرفيقات العزيزات
الرفاق الاعزاء
اهلا وسهلا بكم في وطنكم الثاني، ومرحبا بكم في العراق، وفي اربيل عاصمة اقليم كردستان المضيافة. وكلي ثقة بأن لقاءكم سيثمر النتائج المتوخاة من عقده، بتعزيز دور قوى اليسار والديمقراطية في نضال شعوبنا من اجل بناء الانظمة المدنية الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية.
الاعزاء
نجتمع اليوم في ظروف غاية في الحساسية والتعقيد، حيث تعيش منطقتنا عموما ازمة عميقة متعددة الجوانب والابعاد (رغم تباين مستوياتها واشكال تجليها في هذا البلد او ذاك)، ازمة طال أمدها وتعقد مسارها وسبل حلها.
وتتجلى هذه الازمة البنيوية المستعصية في كثير من المظاهر والتجليات المشتركة التي تطفح بها الاحصائيات، والوقائع المنشورة عن:
- حالة المواطنين الاجتماعية، حيث البطالة، الفقر، الجهل، المرض، وهوة سحيقة بين ثروات اقلية خاصة بأرقام فلكية، واغلبية تعيش في حدود خط الفقر او ما تحته.
- ومعاناتهم الاقتصادية: في اقتصاد ريعي (وحيد الجانب) مشوه ومتخلف.. تمثل موارد النفط (في الغني من هذه البلدان) 95 بالمئة من موارد الميزانية العامة.
- وظروفهم السياسية، حيث الانظمة الاستبدادية ، الدكتاتورية واللاديمقراطية والمعادية لحقوق الانسان واتباع نهج القمع والارهاب.. وما يخلقه كل ذلك من توتر اجتماعي واحتقان سياسي.
- ووضعهم الثقافي: فيما نشهده من ضعف الوعي وانتشار الامية والخرافات والتخلف العلمي التكنولوجي.. وغير ذلك
واذا كنا نبحث عن عوامل تكوّن وتصاعد حدة الازمة القائمة وتفجرها فلا بد ان نبحث عنها اولا داخل المنطقة وفي حدود كل بلد او مجموعة بلدان متجاورة، وبالاساس في مسؤولية الانظمة السياسية القائمة ومناهجها الاقتصادية الاجتماعية والفكرية والسياسية... الخ وهذا لا يعني اطلاقا تهميش او اهمال العامل الدولي والتاثيرات المهمة للعوامل الخارجية الكبيرة .
ولا بد من ملاحظة ما تعيشه البلدان الرأسمالية المتطورة من ازمة مالية - اقتصادية هي الاعمق منذ الازمة الاقتصادية الكبرى في ثلاثينات القرن الماضي (في الولايات المتحدة/ واوربا دول اليورو.. وغيرها )، حيث تنعكس هذه الازمة الاقتصادية الاجتماعية على العلاقات السياسية الدولية، وعلى قدرة هذه البلدان (الرأسمالية المتقدمة ، الامبريالية) في التحكم بمصائر بلداننا ،نظرا لما اصابها من ضعف في امكانياتها، وعلى توازن القوى وادوار اعضاء مجلس الامن ،حيث يلاحظ تصاعد الدور الروسي والصيني، ونشهد انتقالا حثيثا من القطبية الواحدة الى عالم متعدد الاقطاب..
ورغم تصاعد نشاط ومواقع قوى واحزاب اليمين الليبرالي الجديد في امريكا واوربا وتنامي قوى العنصرية والفاشية والتطرف فيها ، فإن حركات التحرر الاجتماعي والسياسي وقوى السلم وحقوق الانسان والديمقراطية تتنامى ويتزايد دور احزابها ونقاباتها ومنظمات المجتمع المدني فيها، فيما تعجز وتفشل الوصفات والاجراءات الترقيعية والجزئية عن معالجة جذور الازمة سواء على الصعيد الدولي او الاقليمي، والوطني- المحلي.
جراء كل ذلك انتعشت كرد على المعاناة، وبفعل الحرمان والجور والتهميش، حركات الشعوب الاجتماعية والنزعات التحررية المعادية للاستبداد والدكتاتورية والتبعية للامبريالية، ومن اجل الديمقراطية وحق الشعوب في تقرير مصائرها، ومن اجل التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي. وتجلت هذه النزعات والاتجاهات بأجلى صورها في ظاهرة "الربيع العربي "، باعتبارها التعبير المكثف عما هو اساس ومشترك للحراك الجماهيري في جميع بلدان الشرق الاوسط وعموم بلدان العالم العربي.
فانتفاضات الشعوب وثوراتها ، وحراكها الجماهيري يلخص عمق الازمة وحدتها، والحاجة الملحة والآنية لحلها ومعالجة آثارها بكل ابعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
ان الانتفاضات والثورات وعموم الحراك الجماهيري الواسع، ليس مؤامرة خارجية او دسيسة امبريالية، انما فرضته حاجة الشعوب وارادتها للخلاص من المعاناة والمآسي متعددة الاوجه، وللتمتع بثروات اوطانها الغزيرة والمنهوبة من تحالف قوى الاستبداد الحاكمة (ممثلي الشرائح الطفيلية، البيروقراطية، الكومبرادور) مع الشركات الاحتكارية الرأسمالية، من اجل تأمين حياة حرة كريمة، انسانية، وثقافة متطورة تنسجم مع ما يشهده العالم من تقدم حضاري، علمي تكنولوجي.
أعزائي
لقد حقق العديد من شعوب منطقتنا انتصارات رائعة، وتمكن بعضها من الاطاحة بانظمة فاسدة، معادية لمصالحها، بثمن غال وتضحيات عزيزة وبمآثر رائعة، ووضعت بلدانها على طريق الاختيار الحر لمستقبلها. ولم يرق هذا التطور الثوري، وما نجم عنه من انعطاف ديمقراطي، للكثير من قوى الردة، وفلول الانظمة السابقة، ولا لحلفائهم الامبرياليين، فسعوا لتحجيمه، واحتوائه، وافراغه من جوهره الديمقراطي - الثوري الاصيل، مستفيدين من مجموعة الثغرات والنواقص التي عانى منها هذا الحراك، كتفشي العفوية، وغياب التنظيم المجسد للوحدة الوطنية وللقيادة الموثوقة ولتحالف واسع متسلح بالبرنامج الواضح والاهداف الواقعية لتحقيق البديل المدني - الديمقراطي المنشود الذي تتحقق في ظله العدالة الاجتماعية. واستغلوا نزوع بعض قوى الاسلام السياسي التي التحقت بهذا الحراك وطموحها غير المشروع للهيمنة، وركوب الموجة، وسلوكهم المنفرد الهادف لاحتكار السلطة وقطف ثمار النصر لصالح المجاميع التي تمثلهم، مما ادخل الحراك ، الانتفاضات ، الثورات ، في ازمة جديدة نراها في ما يحدث في مصر وتونس وليبيا واليمن.. وغيرها من البلدان .
ولكننا على ثقة من أن شعوب هذه البلدان التي استخلصت الكثير من العبر واستوعبت االعديد من الدروس، وبتضامن من قوى الخير والسلام والديمقراطية، قادرة على تصحيح المسارات وتحقيق اهدافها.
ولا بد لنا ايها الرفاق ان نؤشر بأهتمام خاص تطورات ازمة القضية السورية وتعقيداتها، وانعكاساتها وتأثيرها على عموم اوضاع المنطقة... فالازمة اتسع نطاقها وتشابكت عناصرها، ولم تعد بحدود حق الشعب السوري الباسل في الاصلاح والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وانما حولتها التدخلات الاقليمية المفضوحة ، ومن اطراف عدة ، وكذلك التدخلات الدولية، الى مشكلة عامة تنذر بالخطر والشؤم على جميع دول الجوار الاقليمي والسلام العالمي. وهذا يتمثل ليس في قضية اللاجئين (وهم الان بالملايين)، وانما بتدفق المسلحين، الارهابيين (المجاهدين!) والمليشيات من كل صوب وحدب من دول الجوار، ومن دول الاقليم البعيدة، ومن الدول الاوربية ، وتتجاوز اعدادهم عشرات الآلاف، فضلا عن التدخل المباشر وغير المباشر، العسكري- الامني- السياسي- الاعلامي الذي لم يعد سرا على احد، بل تبجحت به بعض الحكومات علنا. الامر الذي وضع عموم المنطقة على طريق الانزلاق الى حروب طائفية ،وخيارات اخرى لا تحمد عقباها بالنسبة الى مصائر الشعوب والكادحين.
الرفيقات والرفاق الاعزاء
في اطار ما تقدم، وبوحي منه، ونحن نقيم الحال موضوعياً، ونشخص مسؤوليتنا الذاتية كقوى وطنية ديمقراطية - يسارية، يواجهنا الكثير من المستحقات والمهام، هي بمثابة تحديات ، قديمة - جديدة، لعملنا المستقبلي، تتوجب صياغتها في برنامج محفز للنضال الجماهيري المثابر. برنامج تتجسد مفرداته في :
1- الديمقراطية وبناؤها، بابعادها السياسية والاجتماعية ، وحقوق الانسان واحترام المؤسسات وترسيخ دولة القانون المدنية، فلا ديمقراطية بدون تنمية والعكس صحيح.
2- مكافحة وباء الطائفية الذي استفحل، وصار يسمم حياة الشعوب ويشوه وعيها الاجتماعي لصالح بعض السياسيين المغامرين في تطلعهم الاناني للاستحواذ على السلطة والثروة والنفوذ الى جانب التأكيد على مبدأ المواطنة وتجسيده عملياً، وفي الممارسة الفعلية.
3- التصدي للارهاب والتطرف الديني المنفلت (القاعدة او مثيلاتها)، وحلفائهما: الفساد والنهب المنظم لثروات الشعوب من الامبريالية وتوابعها وحلفائها.
4- الامن والاستقرار هما حاجة حياتية لمسار تطور الشعوب في المنطقة، وهي تعيش اليوم هذه الفوضى المصطنعة. فالفوضى لا تخلف الا الفوضى، ومهما افترى الامبرياليون والمحتلون بالحديث عن "الفوضى الخلاقة" فهي ليست الا خراب ودمار وحروب طائفية واهلية، تبقي هذه البلدان وشعوبها في حالة نزاع دائم وتشرذم وقتال متواصل يسهل معه الابقاء على تبعيتها، ويؤمن تسيير ادارتها من قبل ممثلي الاحتكارات وناهبي ثروات الشعوب. ويصعب الحديث عن ديمقراطية وتنمية دون امن واستقرار، فيما التجربة تقول بعدم امكان معالجة التدهور الامني بالادوات العسكرية والامنية فقط. فالامر يحتاج الى خطة متكاملة ومتوازنة، بابعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاعلامية .
5- ضمان العدالة الاجتماعية في توزيع الثروات، والاستثمار الوطني- العقلاني للثروات الطبيعية لصالح شعوب المنطقة، وتطوير قدراتها الانتاجية والخدمية المحلية وحماية البيئة والادارة السليمة لملف المياه وما يواجهه من تعقيدات.
6- تطوير القدرات الاقتصادية لبلداننا، كشريك فاعل في الاقتصاد الدولي. وضمان تنمية مستدامة تحقق الاستقلال الاقتصادي، وتعيد ترتيب بلداننا في قسمة العمل الدولية، من تابع ومستهلك الى شريك منتج، عبر اللحاق بركب الثورة العلمية - التكنولوجية والتطور الحضاري لبقية الشعوب. وهذا لا يمكن ان يحصل الا في ظل استراتيجية علمية اقتصادية متوازنة تنهض بالزراعة والصناعة والخدمات الانتاجية وتكرس لها نسبة متصاعدة من موارد الثروات الطبيعية وخصوصاً الناضبة.
7- بناء علاقات سياسية - اقتصادية دولية، وما بين بلدان الاقليم، على اساس التكافؤ والتعاون والاحترام والمنفعة المتبادلة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
8- مساندة الشعب الفلسطيني في انتزاع حقه في تقرير مصيره واقامة دولته الوطنية المستقلة على ارض وطنه .
9- معالجة حقوق القوميات المتآخية في بلداننا الشرق اوسطية ، بما ينسجم مع الشرائع الدولية وحقوق الانسان، وضمان حقها في تقرير مصيرها.
10- السعي الدؤوب لتحقيق الوحدة الوطنية، الديمقراطية، ووحدة قوى اليسار - الممثلة لمصالح اغلبية جماهير الشعب والمدافعة عن حقوق الكادحين- لاستقطاب القوى الحية، واستثمار طاقة الشباب المهدروة وتوظيفها بالاتجاه السليم ، وتفعيل طاقة اغلب النساء والمعطلة نسبياً الان .
11 – العمل المتواصل على اشراك اوسع الجماهير بتقرير مصائرها والدفاع عن مطالبها وضمان مصالحها وانتزاع حقوقها ، عبر النضال الواعي، المثابر، والمنظم، وعلى اساس برنامج واضح الاهداف، واستراتيجية علمية متوازنة ملموسة وواقعية.

وشكرا لكم على حسن استماعكم.