من الحزب

موقف الحزب الشيوعي العراقي من خيار الحرب

بعد الاعتداءات الارهابية الذي شهدتها الولايات المتحدة يوم 11 ايلول 2001، انطلقت التهيئة للحملة العسكرية وسط اجواء "الحرب ضد الارهاب" التي اعلنتها الادارة الامريكية ، ونفذت اولى حلقاتها بشن الحرب في افغانستان.
وقد أدان حزبنا وقتها، بشدة ، اعتداءات 11 ايلول، وبيّن دوافع ظاهرة الإرهاب نفسها وجذورها وسبل مواجهتها. لكنه رفض اللجوء الى القوة والتدخل العسكري خارج اطار الامم المتحدة، ومن منطلقات يغلب فيها الغموض والالتباس والعشوائية، والخلط بين الارهاب والمقاومة المشروعة، وعدم التمييز بين ارهاب كل من الدول والجماعات والافراد .. الخ.
وأكد الحزب في الوقت نفسه ضرورة ان يتم ، تحت اشراف الامم المتحدة ، اعتماد تعريف واضح ودقيق للارهاب، وان يـميّزعنه حق الشعوب المشروع في النضال ضد الاحتلال، ومن اجل تقرير المصير والاختيار الحر لانظمتها الاجتماعية - السياسية، وفي الكفاح ضد الانظمة الدكتاتورية والفاشية.
لقد أطلقت أحداث 11 أيلول العنان لليمين المحافظ المتطرف في الولايات المتحدة، لتنفيذ مخططات الهيمنة على العالم. فراح يفتش عن المواقع الرخوة فيه، وكان العراق بين اضعفها. فهو بلد تحكمه طغمة دكتاتورية ملطخة الايدي بدماء الشعب، ويواجه نهجها الارهابي في الداخل والحربي العدواني ضد الجيران، ادانة واسعة، . وفي الوقت نفسه ثبت انتاجها وحتى استخدامها اسلحة الدمار الشامل ، وظلت تتصرف بطريقة توحي باستمرار امتلاكها هذه الاسلحة، ورفض التخلي عنها. حتى غدت السياسة الرسمية الامريكية تعدها احدى قوى "محور الشر" التي يجب التخلص منها باسرع ما يمكن . وقدم السلوك المريب من جانب النظام الدكتاتوري، الذريعة التي كانت الولايات المتحدة تبحث عنها لتبرير شن الحرب على بلادنا، ومهد السبيل لاقدامها عليها. اضافة الى سعيها لتامين مصالحها ،ولاسيما الاستراتيجية .
ان حزبنا يرفض خيار الحرب باعتبارها الخيارالاسوأ والاشد تدميرا وتخريبا. منطلقا من الاعتبارات التالية:
- ان رفضه لها مبدأي اخلاقي، ينطلق من واقع ما سيتعرض له شعبنا من اهوال في حرب شاملة ، تستخدم فيها الاسلحة الحديثة كبيرة التدمير ، ومن خسائر في الارواح قبل الممتلكات . فهي ستكون كارثة بكل معنى الكلمة على صعيد الحاضر، كما ستمتد آثارها الى المستقبل.
- انه يرفضها لانها ستأتي كذلك بالاحتلال والحكم العسكري ، ولن تجلب الديمقراطية .
- ان رفضه لها كوسيلة للتغيير لا يعني التخلي ، ولو للحظة ، عن الايمان بضرورة التغيير ذاته ، والخلاص من النظام الدكتاتوري واقامة العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد.
- كما ان رفضه الحرب كخيار ، لا يعني وقوفه متفرجا على ما يحدث ، وقد سعى بالفعل لطرح خيارات افضل لانجاز عملية التغيير والخلاص من النظام ، وهي تتركز في العمل على تأمين تبني مشروعه الوطني الديمقراطي .
لكن الحزب اكد في الوقت عينه ان رفض خيار الحرب لا يعني ان الشعب سيترحم على النظام الدكتاتوري في حال اسقاطه، او ان الحزب سيتردد في مواصلة النضال ضد الدكتاتورية، حتى تخليص شعبنا منها.
وكما سبقت الاشارة كان حزبنا، وهو يرفض الحرب ويحذر من مخاطرها، يشدّد على اعتماد وسائل واساليب مغايرة، داعياً، مع أطراف سياسية أخرى، إلى جمع جهود الاحزاب والقوى الوطنية العراقية، والسعي للحصول على اسناد خارجي، يستند الى الشرعية الدولية ، لتلك الجهود المشتركة من اجل اسقاط النظام والخلاص النهائي منه.
وفي هذا السياق عمل الحزب لاقامة تحالف وطني واسع، ولاستنهاض الجيش وعامة القوات المسلحة، كي ينجز العراقيون عملية التغيير بأيديهم، وكي يمكن بالتالي استبعاد الحرب وويلاتها، ثم عواقبها التي يعاني شعبنا اليوم منها الكثير.
وعلى طريق تحقيق هذه الاهداف طرح الحزب مشروعه الوطني- الديمقراطي آنف الذكر كخيار امثل لحل الأزمة العميقة الشاملة التي كانت تخنق شعبنا وبلادنا. غير ان هذا المشروع لم يحظ ، للأسف ، بالتجاوب المرتجى من طرف القوى السياسية الاخرى المناهضة للدكتاتورية ، التي كان معظمها فاقدا الامل في امكان تحقيق التغيير بالاعتماد على القوى الداخلية اساساً .
وفي غضون ذلك أكّد الحزب، تكراراً، أن أسلوب تغيير النظام، وطبيعة القوى التي ستنهض بمهمة التغيير، سيكونان مقررين في تشكيل البديل الذي سيقوم في البلاد، وتحديد طبيعة وطريقة تعامله مع قضايا الشعب الملحة.
وفيما راح احتمال اندلاع الحرب يزداد رجاحة ، كنا قد عقدنا العزم على ان نكون مع شعبنا والى جانب جماهيره ومطالبها وان نستعد لتداعيات خيار الحرب واستحقاقاته.
و كنا ندرك، في الوقت نفسه، ان الخلاص من النظام الدكتاتوري هو واحد من اهم سبل تفادي الحرب. لذلك ، وانطلاقا من الحرص على شعبنا ووطننا ، دعونا الدكتاتور قبل اندلاع الحرب، مع كثيرين غيرنا، الى التنحي عن السلطة ومغادرة البلاد ، رغم توقعنا ان يرفض ذلك بالنظرالى ما عهدناه فيه من غطرسة، ومن استعداد للتضحية بكل شيء من اجل البقاء في كرسي الحكم. كما دعونا الى عقد مؤتمر دولي برعاية الامم المتحدة حول القضية العراقية . ثم عدنا بعد اندلاع الحرب وحددنا المهمة المزدوجة المتمثلة في ضرورة ايقافها من جهة ، والخلاص من النظام الدكتاتوري من جهة اخرى . ودعمنا ثانية فكرة تنحي صدام كوسيلة لوقف الغزو ، ولإطلاق عملية التغيير في بلادنا وتجنيب شعبنا وبلادنا العواقب الخطيرة للحرب .
الا ان الدكتاتور ، وكما كان متوقعا ، صم آذانه مرة اخرى ازاء تلك الدعوات المخلصة لتجنيب الشعب ويلات الحرب ، وفضل ان يعرض الشعب والبلاد الى ما تعرضا اليه من خسائر كبيرة، ومن دمار وخراب واسعين ، ومعاناة معيشية وصحية وحياتية شديدة شملت ملايين المواطنين .
ومثلما اصر رأس النظام على عنجهيته ونهجه ، اصرت الادارة الامريكية على اعتماد الحرب خيارا وحيدا ، باسم تغيير النظام تارة، وباسم تدمير اسلحته المحظورة تارة اخرى ، او باسم هذا وذاك وغيرهما من الاهداف المعلنة . وشهد فجر الخميس العشرين من اذار 2003 قيام القوات الامريكية بشن الهجوم الصاروخي الامريكي الاول ، معلنة بدء الحرب .
بعد ما يقارب الثلاثة اسابيع من بدء الحرب تهاوت اشرس دكتاتورية في تاريخ العراق الحديث منذ الحرب العالمية الثانية . وبانهيارها تحققت ارادة الغالبية الساحقة من ابناء شعبنا ، من العرب والكرد والتركمان والكلدان والاشوريين والسريان والارمن وكذلك من الطوائف الايزيدية والمندائية والشبك وغيرها، وهم الضحية الاساسية لقمعها وظلمها وممارساتها المنافية لابسط حقوق الانسان . ولاشك ان العزلة الداخلية الشديدة والعميقة التي كانت تحيق بها ، تفسر جانبا هاما من انهيارها السريع، ولاسيما في بغداد.
وكنا، ونحن ندرك طبيعة النظام وواقع حاله ، لا نتوقع له ان يصمد طويلا امام القوات الامريكية والبريطانية الغازية، والمدعومة باحدث وسائل التكنولوجيا العسكرية ، ولا ان تسفر الحرب ، التي رفضناها باعتبارها اسوأ الخيارات لاسقاط النظام ، الا عن الحاق المزيد من الاذى بالعراقيين والعراق ، وعن تسليم مفاتيح السلطة في البلاد الى القوى الاجنبية وبما يخدم مخططاتها الاقليمية والعالمية .
وفي مجرى الحرب، لم تكن جماهير شعبنا الواسعة متحمسة للحرب والاحتلال ، لذلك لم تستقبل الجيوش الغازية بالورود والاحضان ، لكنها، من جانب آخر، لم تقف الى جانب الطاغية ولم تدافع عنه ، بل تركته وزمرته يواجهون مصيرهم الذي لم يشك احد في انه سيكون الهزيمة والسقوط . وقد عاقب شعبنا بموقفه هذا الدكتاتور ونظامه على ما اقترفه بحقه من انتهاكات وآثام وجرائم.
لقد كان طبيعيا ألا تأسف جماهير الشعب على سقوط الطاغية وحكمه، وألا تذرف الدموع على رحيله. غير ان ابتهاجها بسقوطه ونظامه ، لم يعن ولا يعني بحال انها كانت مسرورة بالغزو والاحتلال .
ـــــــــــــــــــــــ
من التقرير السياسي للمؤتمر الوطني الثامن للحزب الشيوعي العراقي 10-13 أيار 2007