من الحزب

باني الحزب الشيوعي وقائده.. في طليعة شهداء الشعب*

اهلا بكم، وكل الامتنان لمشاركتكم ايانا هذا الاحتفال، الذي نقيمه ضمن فعاليات احياء العيد الثمانين للحزب الشيوعي العراقي، والاحتفاء بمسيرته الكفاحية والتنويرية المديدة الحافلة، واضاءة إنجازه المشهود في سبيل حرية الوطن وسعادة الشعب، واستذكار رموزه ومناضليه، وتضحياته الاكثر من ان تُجمعَ وتُحصى.
وحين نعود، ونحن في غمرة احتفالاتنا هذه، التي ستتواصل على امتداد السنة الحالية.. حين نعود الى اولئك الرموز والمناضلين الطليعيين الذين ارسوا لبنات صرح الحزب الشيوعي، لا نجد مَن هو أوْلى بالاستذكار من يوسف سلمان , فهد، وهو احدُ رواده، ومؤسسُه وقائدُه، وشهيدُ قضيته الوطنية والطبقية والانسانية.
نقرأ في الادبيات التي تتناول اوضاع العراق وتطوراته في عشرينات وثلاثينات القرن العشرين، انه في مساء احد الايام، اواسط كانون الأول من عام 1932، جرى في اماكن مختلفة من مدينة الناصرية توزيع مناشير، قيل انها كانت مكتوبة على ورق احمر، وقد تصدرها شعار "يا عمال العالم اتحدوا" وشعار "يعيش اتحاد جمهوريات العمال والفلاحين في البلاد العربية"، وحملت توقيع " عامل شيوعي ". وكانت المناشير، التي ستكشف الايام ان " العامل الشيوعي" الذي وقعها لم يكن غير يوسف سلمان يوسف، كانت موجهة الى العمال، تدعوهم الى النضال " من اجل كرامتنا وحياتنا، ومن اجل خير الاجيال القادمة "، وتحثهم على المسير "الى الامام في سبيل العمل المثمر والحرية والرفاه".
كان ذلك حدثا غير مسبوق، وقد اثار ضجة واسعة في المدينة، وسبّب الكثير من وجع الرأس للسلطات الحكومية، المؤتمرة باوامر السفارة البريطانية في بغداد، والتي كانت تتابع وترصد بقلق النشاط الوطني الثوري المتنامي في الناصرية، مثلما في البصرة وبغداد وغيرهما.
وعندما عادت المناشير الى الظهور في الليلة التالية، واستمر توزيعها في الاسابيع اللاحقة، عمدت سلطات المدينة في 21 شباط 1933 الى اعتقال اعضاء الهيئة الادارية لفرع الحزب الوطني العراقي (بقيادة جعفر ابو التمن)، وبضمنهم يوسف سلمان يوسف، ظنا منها ان فرع الحزب هو من يقف وراء المناشير والبيانات. ورد الحزب بحملة احتجاج ومطالبة باطلاق سراح المعتقلين، تصدرها رئيسه جعفر ابو التمن شخصيا، وكانت حملة مؤثرة اجبرت السلطات على الافراج عن بعضهم، واستثنت يوسف سلمان يوسف وعددا آخر منهم.
وفي التحقيق وامام متصرف اللواء (اي المحافظ) اعلن يوسف بصراحة وهدوء، انه شيوعي، ومن الحزب الشيوعي العراقي وليس من الحزب الوطني، وراح يشرح للمحققين مبادئ الشيوعية. وامام المحكمة التي احيل اليها مع آخرين من رفاقه بتهمة التبشير بالشيوعية، عاود يوسف سلمان يوسف الدفاع عن الشيوعية. لكن الحاكم عبود الشالجي، الذي كان معروفا بوطنيته ونزاهته، افرج عن يوسف والمتهمين الآخرين، بعد ان لم يجد في قانون العقوبات النافذ آنذاك ما يحرم الشيوعية.
هذه الواقعة المثبتة في كتب التاريخ، والتي وثقت اول مواجهة علنية ليوسف سلمان يوسف مع سلطات النظام الجائر، التابع للاستعمار، جاءت بعد حوالي 15 سنة من اول نشاط سياسي مسجل له. ففي سنة 1918، وكان عمره سبع عشرة سنة فقط، ويعمل في محطة كهرباء ميناء البصرة، عاضد عمال حوض السفن (الدوكيارد) في اضرابهم ضد ادارة الميناء المعينة من طرف سلطات الاحتلال البريطاني، وهو الاضراب الذي كان يقوده شقيقه الاكبر داود سلمان يوسف، وصاغ لهم باللغة الانجليزية، المذكرة التي تضمنت مطالبهم بتحسين اوضاعهم المعيشية السيئة وزيادة اجورهم.
ومنذ ذلك الحين ظل يوسف سلمان يوسف يعيش بكل جوارحه، وملء قلبه وعقله، الاحداث الجسام التي مر بها وطنه، لا سيما ثورة العشرين التي خاضها بطريقته الخاصة. فقد كان يحصل من احد اشقائه، الذي كان يعمل ايام الثورة مترجما مع قوات الاحتلال البريطاني في الناصرية، على اخبار تحركات تلك القوات واسرارها، ويسارع الى ايصالها الى الحاج رويضي آل بشارة وصحبه الذين كانوا يقودون الثوار في الناصرية. كما كان يترجم لهم ما تنشره الصحافة البريطانية عن الثورة.
وقد اشار يوسف بعد ذلك بسنين طويلة، اثناء التحقيق معه في بغداد مطلع سنة 1947، الى الاثر الذي تركته في نفسه ثورة العشرين، وكيف نمّت عنده حب الوطن والحس الوطني. وفي دفاعه يوم 18 كانون الثاني 1947 امام محكمة جزاء بغداد التي احيل اليها، عبّر عن ذلك في قوله المعروف: لقد انغمرت في النضال الوطني قبل ان اكون شيوعيا. وبعد ان اصبحت شيوعيا، لم اجد في الحقيقة ما يتنافى مع معتقدي الوطني، وما يتميز عنه، سوى انني صرت اشعر وانا شيوعي بمسؤولية اكبر تجاه وطني.
مثيرة، ومؤثرة، ومعلمة، وموحية، ومحفزة على اقتفاء اثرها والانخراط فيها .. هي مسيرة يوسف سلمان يوسف الانسان، والوطني، والمناضل الثوري، والقائد الشيوعي .. باني الحزب العراقي العريق، الاصيل في عراقيته، الراسخ في وطنيته، المثابر في نضاله، السخي والمتفاني في عطائه، والذي تقدم هو نفسه، يوسف سلمان فهد، صفوف مناضليه الباذلين الواهبين، المتسامين شهداء في سبيل حرية الوطن وسعادة الشعب.
عندما اوعز اقطاب العهد الملكي الرجعي، ومن ورائهم وحوش الاستعمار البريطاني، باصدار حكم الاعدام في حق يوسف سلمان فهد ورفاقه، اعتقدوا انهم بذلك انما يصدرون حكم الموت على اكبر واخطر اعدائهم في العراق، الحزب الشيوعي العراقي، وعلى الحركة الوطنية العراقية برمتها.
لكنهم كانوا واهمين تماما.. كما بينت السنين والعقود التالية. وفي لحظتها فند فهد نفسه تصوراتهم، وهو يوضح ان الشيوعية، بمعنى الفكر والمنهج، هي صنو الحياة، وهي ثمرة تطورها وصعودها غير المنقطعين، فكيف لأحد ان يحكم عليها بالموت؟
انما الشيوعية كما قال من منصة الاعدام - اقوى من الموت واعلى من المشانق!
نشعر بالفخر ونحن نستذكر اليوم باني حزبنا وقائدَه يوسف سلمان فهد، الذي اطلق مسيرته النضالية المشرفة، وخاض في طليعتها الكفاح المثابر المتفاني، وتحدى الموت وقهره .. فسطع مثل نجم في سماء وطننا، فيما كلل العار قتلته، الذين كنستهم بعد تسع سنوات لا اكثر، ثورة الشعب في 14 تموز 1958. .
نعم .. ورمت بهم في المزابل، بينما اعادت الاعتبار الى فهد ورفاقه . كان ذلك في 24شباط 1959، عندما اصدرت حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم قرارا، اعتبر الاعمال التي حُكم بسببها فهد ورفاقـه، من اعمال الكفاح الوطني التي تستأهل التقدير، واعتبرهم هم " شهداء الشعب".
ونشعر بالسرور ونحن نحتضن بيننا الفنان طه وهيب، الذي خص حفلنا الاستذكاري هذا بأبلغ وأجمل مساهمة، وبذل جهدا ابداعيا استثنائيا في سبيل انجازها، وتقديمها هدية كريمة الى حزب فهد، ورفاق فهد، وكل من يقدرون نضاله وعطاءه ومأثرته.
15 ايار 2014
ـــــــــــــــــــــــ
* نص كلمة الرفيق مفيد الجزائري في حفل ازاحة الستار عن تمثال يوسف سلمان - فهد