من الحزب

في مناسبة مرور ربع قرن على انتفاضة آذار .. الجزائري : الانتفاضة بيّنت لا محدودية طاقات الشعب وقوى جماهيره

اقامت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ، الثلاثاء الماضي ، حفل استذكار في مناسبة مرور ربع قرن على انتفاضة اذار 1991 ضد النظام الدكتاتوري المباد. وفي الحفل القى الرفيق مفيد الجزائري ، عضو اللجنة المركزية، كلمة الحزب ، وفيما يلي نصها :
الرفيقات والرفاق الاعزاء
الاخوات والاخوة المحترمون
الحضور الكرام
في الصباح الباكر من يوم الجمعة الأول من آذار1991 انطلقت شرارة الانتفاضة في أهوار الناصرية، لتسقط بمثل لمح البصر قضاء الفهود، وناحية الطار. وفي الساعة السادسة صباحا خرج ابناء الكرمة ليسقطوا مقرالمنظمة الحزبية، ويستولوا على اسلحتها لتوزع على المنتفضين الذين كانوا بلا سلاح. وتوجهت الجموع للسيطرة على مركز الشرطة ومقر مدير الناحية والأمن .. وفي الوقت الذي احكمت فيه الحصار على مركز الشرطة، توجهت مجموعة من الشباب الى قضاء سوق الشيوخ، وكان ذلك في الساعة التاسعة والنصف تقريبا، فوجدوا ابناء سوق الشيوخ يتظاهرون في الشارع العام. وانطلقت التظاهرة الى مقر الشعبة الحزبية وقائممقامية القضاء، وعند وصولها الى هناك هرب جميع منتسبي الشعبة الحزبية، وافرغ الشرطة مقرهم ومقر القائممقامية امام الجموع المتظاهرة، فاستولت على كافة الأسلحة التي تم توزيعها ايضا على الثوار.
هكذا كان طلوع شهر آذار قبل خمسة وعشرين عاما في مناطق اهوار الناصرية واريافها، حسب شهادة احد المشاركين في الانتفاضة. مثلما كان في ساحة سعد بمدينة البصرة، حيث انهمر الرصاص على جدارية الطاغية من بندقية احد العسكريين الثائرين العائدين منكسرين من الكويت. وكما حدث، اضافة الى البصرة والناصرية، في ارياف وحواضر محافظات الجنوب جميعا، وصولا - في مثل لمح البصر - الى معظم محافظات الوسط والى اقليم كردستان.
لقد انفجر اخيرا سخط السنين الطويلة المتراكم والحبيس في الصدور، اشتعل غضب الملايين على الطاغية والطغيان، على الحكم القائم على القهر والجور والاستهتار بالدماء والارواح، على نظام الارهاب الوحشي والحروب الهوجاء الداخلية والخارجية.
ما اطول اعوام الرعب، ما اطول ايام العذاب والمهانة والبؤس وحتى اليأس، التي كتب على جماهير الشعب ان تتحملها، قبل ان تحل لحظة انبعاث الامل تلك، في مثل هذا الشهر قبل ربع قرن، مع سقوط الجبروت الزائف للطاغية، وانكسار شوكته، واندحار هيبته وسطوته!
ويالهول وعظمة انفجار الجماهير المقهورة المضامة حينها، وهي تنطلق كاسحة قلاع الدكتاتورية وحصونها، وعاصفة بصروحها وعروشها!
كان استفتاء بالدم – مثلما جاء في بيان حزبنا الصادر في تلك الايام عن مكتبه السياسي – رفضا لصدام ونظامه، وعزما على اسقاطه.
وقد اسقطته الجماهير المنتفضة بالفعل، ومرغته بالاوحال وهي تسطر المآثر .. متفانية متقحّمة مقدامة.
ويومها .. "لم يدر في خلد احد ان الشعب الثائرالقاهر يمكن ان يحاصر ثانية، ويكبل مجددا، وينكل به، ويغرق وانتفاضتَه بالدم"!
لكن هذا ما حدث. صنعه الغدر الامريكي اضافة الى عوامل عديدة من داخل الانتفاضة ذاتها، فمكـّن ضواري الدكتاتورية من العودة الى الميدان، بـأيديهم الوالغة بالدماء الطاهرة، واسلحتهم الضاربة، وكوبتراتهم، ليبطشوا بالمنتفضين الابطال والانتفاضة المجيدة.
ايها الاعزاء
نعم، افلح الطاغية وعصاباته المجرمة، يدعمهم الغدر الامريكي، في ذبح الانتفاضة وابطالها من الوريد الى الوريد. الا انهم لم ينالوا من عظمتها.
فقد كانت من طراز العمليات الثورية الاصيلة، التي تكمن مأثرتها في التجسيد الحي لارادة وعزيمة الجماهير المظلومة المسحوقة، حين تنهض دفاعا عن النفس وعن الحقوق. كما تكمن في الاندفاع غير الهيّاب لجماهير المنتفضين وتفانيهم غير المحدود، من اجل الوصول الى غاياتهم السامية في الحرية والعدالة والكرامة الانسانية.
وكم من ثورة مغلوبة في التاريخ غدت فنارا تهتدي به اجيال الثوار اللاحقة، فتتعظ بتجربتها وتتعلم من دروسها.
ولقد كانت تجربة انتفاضة آذار زاخرة بالدروس، ذات الاهمية بالنسبة الينا حتى في الظروف الراهنة، التي نخوض فيها صراعا مريرا ولكن سلميا، للخروج بالعراق من دائرة الازمة الشاملة والعميقة التي تخنقه، صراعا نرفض استخدام العنف فيه وندينه، ونقاوم اي محاولة لجر البلاد اليه وتوريطها فيه وإغراقها في لجته.
ولعل اول واهم هذه الدروس هو ان طاقات الشعب وقوى جماهيره لا حدود لها، وانها هي القادرة على تحدي قوى الظلم والارهاب والفساد، وعلى تعديل ميزان القوى في المجتمع بما يتيح الوقوف في وجهها ودحرها، وحسم الصراع لمصلحة الملايين المحرومة والمهمشة.
وهذا ما يتجلى في مجرى معركتنا اليوم ايضا، التي تتصاعد ويتسارع زخمها بعد ثمانية شهور من الحراك الشعبي المتواصل، والتظاهر المتسع في بغداد والمحافظات، وصولا الى الاعتصام الجماهيري الذي تشهده العاصمة حاليا. حيث تبرز الحاجة الى تعزيز التوجه نحو جماهير الشعب الواسعة، وهي الضحية الاولى للارهاب والفساد والظلم باشكاله، والعمل على توعيتها، وإعانتها على ادراك حقوقها ومصالحها، واهمية تنظيم صفوفها، والسعي الى جمع قواها وتنسيق جهودها مع جهود القوى السياسية الوطنية الحية والمخلصة، لانقاذ البلاد من هوة المحاصصة الطائفية والقومية، ومحاربة الفساد ورؤوسه، واسترداد اموال الشعب المسروقة، وبناء الدولة على وفق قيم المواطنة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
ولقد برهنت انتفاضة آذار الخالدة ان الصورة الخارقة للنظام الاستبدادي، المستند الى القهر والترويع وشراء الذمم والتضليل، انما هي صورة كاذبة جوفاء، سرعان ما تتهاوى امام النهوض الجماهيري العارم، القادر على مقاربة النصر، إن توفرت له القيادة الكفوءة المجربة والمخلصة لقضيته العادلة.
كذلك دللت على اهمية وضرورة حشد القوى السياسية الواعية والمخلصة بكافة قدراتها، وتنسيق جهودها، والعمل سوية واضعة مصالح الشعب والوطن فوق اية مصالح ضيقة، حزبية او فئوية او شخصية.
الحضور الاعزاء
ان احياء ذكرى انتفاضة الشعب العظيمة في ربيع 1991، هو احتفال بالمأثرة الكبرى التي اجترحها شعبنا العراقي، وبالتضحيات الهائلة التي قدمها من اجل الانعتاق من كابوس الدكتاتورية، وارساء اسس العراق الجديد - الديمقراطي الاتحادي العصري السائر على طريق النماء والتقدم والرفاه لملايين بناته وابنائه.
مجدا لشعبنا العراقي وجماهيره المناضلة البطلة!
مجدا لانتفاضته الخالدة في آذار 1991 في ذكراها السنوية الخامسة والعشرين!