من الحزب

كلمة اللجنة المركزية للحزب في الاحتفال بيوم الشهيد الشيوعي

 
مجداً لنهر الدم والدموع الذي روّى تراب بلادنا*
نجتمع اليوم، في حضرة طيوف الهداة الضخام، كوكبة نيرة من كل أنحاء الوطن ومدنه وقصباته، حملت راية الحزب، وآمال كادحي الوطن وفقرائه، مخترقة حلكة الظلام، ومؤسسة لقيم التضحية والعطاء.
من كل شرائح وفئات الشعب، من كل أطياف المجتمع العراقي المتنوع، مناضلون جادوا بأنفسهم قرابين لقضايا الناس المسحوقين والمضطهدين، ومن اجل عالم تسوده الحرية والعدالة الاجتماعية والاشتراكية.
في حضرتهم، نستذكر مأثرة الرابع عشر من شباط عام 1949، يوم اعتلى قادتنا الاماجد مؤسس الحزب فهد، ورفيقاه صارم وحازم، اعواد المشانق دفاعا عن الشعب والوطن وعن المثل والمبادئ النبيلة، مفتتحين طريق النضال المفعم بالتضحيات، الذي سارت عليه من بعدهم قوافل غيرُ منقطعة من حاملي شعلة الحزب. الشعلة ذاتها التي أراد لها الطغاة أن تنطفئ في ذلك اليوم، والتي سعى إلى إخمادها من بعدهم مغتصبو ثورة تموز المجيدة في شباط أسودَ ثانٍ عام ١٩٦٣، ومرة اخرى غداة الانقلاب الثاني سنة 1968.. فأبى ناكرو النفوس الكرام إلا أن يرفعوها متوهجة على الدوام.
في حضرتهم.. نمجد مآثرهم، من فهد وصارم وحازم إلى سلام عادل وجمال الحيدري ومحمد صالح العبلي، إلى شهداء الحركة الانصارية الباسلة، إلى سعدون وكامل شياع وابو فرات والآلاف من رفيقاتهم ورفاقهم الميامين.
نجتمع اليوم، لا لنستذكر جاعلي الحتوف جسرا الى الموكب العابر، فهم حاضرون في كل كلمة وكل موقفٍ وكل خطوة في سفر النضال الطويل.. بل نجتمع لنقول لهم مرة اخرى واخرى إن دماءهم المسفوحة ظلما لم تذهب هدراً، فهي تروي جذور شجرة حزبهم، وترفع عاليا راية قضيته الأولى: قضية الوطن الحر والشعب السعيد.
أيها الحضور الكرام
ونحن نجدد هذا العام، مثل كل عام، عهد الوفاء لذكرى شهدائنا الأماجد وإرثهم النضالي، تشهد بلادنا منعطفاً تاريخياً لا يقل تعقيدا عن كل المنعطفات الحادة التي مر بها شعبنا على مر تاريخه الحديث.
فمع اشتداد معاناة الناس وتدهور أوضاعهم المعيشية في ظل أزمة اقتصادية عميقة تسبب بها الفاسدون والفاشلون، ومع استمرار تردي الوضع الأمني وغياب الخدمات، تتعاظم مسؤوليتنا ازاء أبناء شعبنا ولتخليصهم من هذه الأوضاع المأساوية.
لقد اصبح التغيير ضرورة لا بد منها، ونعني التغيير في النهج والممارسة، وفي نمط التفكير وإدارة الدولة، وهذا غير ممكن التحقيق من دون تغيير ميزان القوى في البلاد. الامر الذي يتطلب مواصلة وتصعيد الضغط على القوى المتنفذة المتشبثة بالحكم، وبالتالي إدامة وتطوير الحراك الجماهيري الهادف للإصلاح، الذي يعززه الشيوعيون ويلعبون فيه دورا ريادياً.
ان هذه الرؤية التي حددها المؤتمر الوطني العاشر لحزبنا المنعقد مطلع شهر كانون الأول الماضي، وترجمها في شعاره "التغيير.. دولة مدنية ديمقراطية اتحادية وعدالة اجتماعية"، تنبع من حقيقة أن النظام السياسي المبني على أسس المحاصصة الطائفية والاثنية، عاجز عن حل المشاكل المستعصية التي تثقل كاهل الشعب، وإحداث نقلة ملموسة تخرج العراقيين من الحال المأساوي الذي يعيشونه، والذي اصبح هو نفسه منتجا للمشاكل والازمات.
ان التحديات التي يواجهها العراق في الوقت الراهن، تتمثل في:
1- حماية المكاسب الديمقراطية التي أسس لها الدستور، وضمان تداول سلمي ونزيه للسلطة، وتعزيز الحريات المدنية، بما فيها حرية التعبير والتظاهر السلمي.
2- الخلاص من إرهاب تنظيم داعش، ليس عسكرياً وحسب، بل وسياسياً واجتماعياً وثقافيا بما يمنع تشكل الجماعات الارهابية وانهيار الاوضاع مجدداً.. وإعادة توطين النازحين وإعمار مدنهم وتأمين المعيشة والحياة الكريمة لهم.
3- التصدي للأزمة الاقتصادية والمالية التي تعصف بالبلاد، عبر إجراءات إصلاحية جذرية في السياسة الاقتصادية والمالية، بما يحقق استثماراً سليما لموارد الدولة، ويخفف الاعباء الثقيلة عن كاهل المواطنين، الذين فرض عليهم تحملها جراء الضائقة المالية الحالية.
4- بناء مؤسسات الدولة على أسس المواطنة، وبعيداً عن المحاصصة، بما يضمن قدرتها على تقديم الخدمات للمواطنين وادارة شؤون البلاد.
ان هذه التحديات، وغيرها كثير، لا يمكن مواجهتها إلا بضمان مساندة الجماهير لمشروع التغيير. المشروع الذي يتوقف تحقيقه على تغيير مفوضية الانتخابات وضمان استقلاليتها، وعلى تشريع قانون انتخابي عادل، يحترم الناخب العراقي وارادته.
أيها الحضور الكرام
ان تحقيق التغيير المنشود واقامة الدولة الديمقراطية المدنية، يستلزم خوض معركة سياسية وفكرية ضد المشروع الطائفي الفاشل، وهذا بدوره يتطلب من جميع القوى المدنية والشخصيات الوطنية السعي إلى توحيد صفوفها، وبناء قوة سياسية قادرة على التأثير في إدارة الدولة.
ان الخلاص من المحنة التي اوقعت العراقيين فيها ثلةٌ من الفاسدين والفاشلين، ليس عصيّ التحقيق، لا سيما وأن بشائر النصر العسكري على داعش تلوح في الأفق القريب، بفضل بسالة وتفاني قواتنا المسلحة والمتطوعين في الحشد الشعبي وقوات البيشمركة والمتطوعين المحليين، الذين قدموا تضحيات جساما تستحق منا الاشادة والعرفان.
أيها الرفاق الأعزاء
ان حزبنا الذي نجح في مؤتمره الوطني العاشر في تعزيز وحدته، وترسيخ الديموقراطية في حياته وأعماله وتوجهاته، يواجه مهمات عديدة تفرضها المرحلة الراهنة.
واننا، ونحن نخوض غمار المواجهة السياسية، جماهيرياً وفكرياً، لمدعوون الى أن نجعل من يوم الشهيد الشيوعي حافزاً على استنهاض الهمم لاستعادة رفاقنا الذين يقفون على مسافة غير بعيدة عن صفوف الحزب.
كما أن من واجبنا تجميع صفوف القوى المدنية، وتوسيع قاعدة المدافعين عن خيار الدولة المدنية الديمقراطية، منطلقين في هذا وذاك من وصية مؤسس حزبنا الخالد فهد، أن "قووا تنظيم صفوفكم، قووا تنظيم الحركة الوطنية".
ختاماً نقول لشهداء حزبنا: اننا على طريقكم ماضون ..
مجدا لكم.. لنهر الدم والدموع الذي روّى تراب بلادنا
الاجلال والاكبار لشهداء الحزب الشيوعي العراقي وشهداء الحركة الوطنية
والتقدير والاكبار لعوائلهم وتضحياتها الكبيرة
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* ألقاها الرفيق ياسر السالم، عضو اللجنة المركزية للحزب في الاحتفال بيوم الشهيد الشيوعي الذي اقيم امس السبت على قاعة «بيتنا الثقافي» في ساحة الاندلس ببغداد.