من الحزب

كلمة الرفيق سلم علي، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، في الحفل التأبيني للرفيق الراحل د. غانم حمدون – لندن، الأحد 9 نيسان 2017

الحضور الكرام .. الرفيقات والرفاق الاعزاء
عكست كلمات الرثاء الجميلة لفقيدنا الغالي الرفيق د. غانم حمدون، التي نشرت في صحافة حزبنا ومواقع الانترنت، فيض مشاعر الحب والتقدير للموقع الأثير الذي احتلته هذه الشخصية الشيوعية والوطنية الديمقراطية البارزة في أفئدة وعقول محبيه الكثر، سواءً في الوطن، الذي أحبه وبقي ملتصقاً بهموم شعبه، أو في ارجاء العالم. وهو ما تجلى اليوم ايضاً في كلمات المشاركين في هذا الحفل التأبيني وما عبّرت عنه من مشاعر ود صادقة تجاه رفيقنا الراحل.
ولست هنا بصدد تكرار ما جاء في النعي الصادر عن قيادة حزبنا، وفي كلمات العزاء الشخصية التي توالت بعد انتشار نبأ وفاة د.غانم، من رفاق الفقيد واصدقائه، من تأكيد على السمات المميزة لهذه الشخصية، الفريدة والاستثنائية بحق، بما اتصف به من خلق رفيع وتواضع ونكران ذات، وروح وطنية وثابة، استمدها من قناعة راسخة بمبادىء الشيوعية وقيمها العليا، الى جانب امتلاك ناصية العلم والثقافة ومعرفة موسوعية.
.. بل أود تقديم اضاءات موجزة على بعض الجوانب من حياته، من خلال العلاقة التي توثقت معه منذ قدومه الى منفاه الجديد، بريطانيا، في اوائل التسعينات.
• سلّمني الفقيد في عام 2008 مظروفاً مغلقاً، قال انه يتضمن وصيته، للعمل بموجبها في حال وفاته، ومعه مبلغ من المال. احتفظت بالمظروف ولم افتحه الاّ بعد رحيله المفاجىء في 24 شباط الماضي. وأقرأ لكم بعض ما جاء في "وصيته":
" لندن 13 آب 2008
العزيز أبو جواد .. تحية رفاقية من القلب
لست أخاف الموت لكن يجب أن أستعدّ له آملاَ ألاّ يسبقه ألم طويل.
هذا مبلغ مقداره 3500 باوند لجنازتي التي أريدها متواضعة لا تعكرها الخرافات وإقتصار التأبين على جلسة لمحبين لا يحجمون عن الضحك على بعض ذكرياتهم عني ويتمتعون بشىء من الطرب
وإذ أودعهم ارجو ان يغفروا لي ما قصّرت بحقهم. "
(انتهى المقتطف)
وقد حرصنا، في قيادة حزبنا ومنظمته في بريطانيا، على تلبية رغبة الرفيق الراحل وتطبيقها بأمانة في مراسم التشييع المهيب الذي جرى للفقيد في لندن يوم الخميس 2 آذار الماضي، واليوم ايضاً في هذا الحفل التأبيني.
• كما لم يعد خافياً على أحد، وكما جاء في بعض ما نُشر في رثاء الفقيد، انه اتخذ قراراً ببيع بيته في العراق وتحويل قيمته الى الحزب. وهو ما كان قد توصل اليه منذ وقت طويل. وقدم بهذا الموقف النبيل مثالاً آخر، نادراً، يعبّر عن انسجام تام مع قيمه ومثله الشيوعية، وعن حبّه اللامتناهي للحزب.
لكن هذه المأثرة ليست هي الأهم في سيرة حياته المليئة بالعبر.. لأنه كان قد كرّس بالفعل حياته، كلّ حياته، للحزب الشيوعي العراقي..
لم يكن الحزب بالنسبة الى د. غانم حمدون عائلته الكبيرة فحسب، بل كان ايضاً عائلته الصغيرة. وكان يعامل رفيقاته ورفاقه، مثل بناته وأبنائه، لا يبخل عليهم بشىء من عطائه وسخائه الذي لم ينقطع حتى رحيله عن عالمنا.
• اذكر، كمثال حديث العهد نسبياً، انه بعد زيارة الى احدى منظمات حزبنا في الخارج العام الماضي، أخبرته عن معاناة أحد رفاقنا الذي كان تمكن من الوصول الى اوروبا بعدما خسرت عائلته كل شىء إثر احتلال تنظيم داعش الارهابي للموصل، ولكنه لم يتمكن من إخراج زوجته وطفليه الصغيرين اللذين بقيا في أحد مخيمات النازحين في اربيل. وكان طلب قرضاً من المنظمة لتدبير أموره ومساعدة عائلته لحين الحصول على عمل. ولم يتردد د.غانم على الفور في تقديم القرض المطلوب للرفيق (الذي لم يكن يعرفه شخصياً)، باسم المنظمة وليس باسمه شخصياً، كي لا يتحمل الحزب أي اعباء مالية اضافية.
• امتاز الفقيد بقدرة استثنائية على تطوير علاقات شخصية مع رفاق واصدقاء في مناطق بعيدة حول العالم، وإدامة الصلات معهم (عبر الرسائل والاتصال الهاتفي – والفاكس أيام زمان – ولاحقاً عبر الايميلات.. ). وكان مواظباً على ذلك، رغم مشاغله ومسؤولياته في رئاسة تحرير "الثقافة الجديدة"، ومتاعبه الصحية لاحقاً. بل كان يأخذ على عاتقه ارسال نسخ من المجلة الى مشتركين ويتحمل كلفة بريدها. واستمر ذلك الى بضع سنوات خلت.
• كان فقيدنا الكبير وفياً لأصدقائه، يتفقد أوضاعهم، ولا يبخل بتقديم شىء للتخفيف مما يعانوه من آلام الغربة القاسية، وكبر السن والمرض.
إحدى الصور التي كان يحرص على الاحتفاظ بها في غرفته، صورة منشورة في صحيفة اميركية لصديقه البروفسور جبار علوان وهو يصوت لقائمة "اتحاد الشعب" عام 2005 في احدى محطات الاقتراع في ولاية وسكانسن الاميركية حيث عاش بعد تقاعده، وبعد رحلة 150 ميلاً في ثلج الشتاء. توفي البروفسور جبار في اواخر 2005، ونعاه الرفيق غانم بكلمة رثاء جميلة نشرت في "طريق الشعب".
كما بقي على صلة وثيقة بزميله الدكتور عباس النصراوي، الاكاديمي والاقتصادي البارز، الذي كان مقيماً في اميركا حتى وفاته في 2009.
• ولم يتوانى الفقيد عن استذكار رفاقه واصدقائه عند رحيلهم، رغم صعوبة الكتابة ووضعه الصحي. في منتصف كانون الثاني الماضي، قبل قرابة شهر ونصف من وفاته، ارسل الى "طريق الشعب" نعياً لصديقه القديم (فاضل محمود)، بعدما علم متأخراً بنبأ وفاته في لندن قبل ذلك بثلاثة أشهر.
• وعندما طلب مني الدكتور جمال العتابي في بغداد، في كانون الأول 2016، مفاتحة د.غانم لارسال كلمة الى حفل استذكاري للفقيد المربي والمناضل نعمة عبد اللطيف، نظمته اللجنة المحلية للمثقفين في حزبنا في "بيتنا الثقافي" في الاندلس في مطلع كانون الثاني الماضي، سارع الى تلبية الطلب. وساعده في طباعة النص الرفيق ابو شهلة، لأنه كان يعاني صعوبة في الطباعة.
• صورتان كانتا تزينان غرفة الراحل د.غانم حتى وفاته.
الأولى، فوق مكتبه الصغير والكومبيوتر، للشهيد متي القس. اما الثانية، فهي للشهيد كامل شياع.. كانت فوق الكرسي الذي اعتاد الجلوس عليه، وقبالة سريره.
كانت للشهيد كامل شياع مكانة خاصة وأثيرة في قلب رفيقنا الراحل د.غانم. وكان أدرك امكانات الشهيد الفكرية وضمّه الى مجلس تحرير "الثقافة الجديدة". وتواصل معه بعد عودته الى الوطن في اواخر 2003 وعمله مستشاراً في وزارة الثقافة. كما كان برفقته خلال انعقاد المؤتمر الوطني الثامن للحزب في بغداد في ايار 2007.
وتجدر الاشارة الى ان د.غانم، الذي كان شرع منذ فترة بكتابة مذكراته، قال في مقدمة مسودتها التي لم يكن قد انتهى منها عندما داهمه المرض:
" ذكرياتي المتواضعة اهديها الى الشهيد الحبيب كامل شياع، فقد وعدته بها في مناجاتي المعنونة "ياكاملنا الكامل" التي القيتها في حفل تأبينه بلندن والقاها في بغداد مذيع قدير كان يعمل في "اذاعة الناس" وذلك خلال الحفل التأبيني المركزي. "
• حظي فقيدنا د.غانم بحب واحترام وتقدير الكثيرين ممن رافقوه في محطات حياته المختلفة، منذ بواكير الشباب.. وأشير هنا الى علاقات الرفقة والصداقة الحميمة التي ربطته برفاقه في الجزائر، والعديد منهم انتقل معه للاقامة في بريطانيا، ولم ينقطعوا عن زيارته في اصعب الظروف الصحية التي مرّ بها. وكان يبادلهم مشاعر الود الرفاقي ذاتها.
• كما نال تقدير واعتزاز كل رفاق منظمة بريطانيا، التي كان أحد رفاقها، وعمل فيها بتواضع ونكران ذات شيوعيين. وليس سراً أنه كان أبرز الرفاق في جمع التبرعات للحزب، عبر صلاته المنتشرة في العديد من البلدان. لقد كان حق منظمة حزبية قائمة بحد ذاته.
• وإذ أشكر الرفاق في منظمة بريطانيا جهودهم في تنظيم هذا الحفل التأبيني، واستذكار رفيقهم الراحل د.غانم، اود التعبير عن الاعتزاز والتقدير لجهود رفيقنا، علي رفيق (ابو ليث)، لإعداده الافلام الوثائقية عن فقيدنا، وهي جزء من عمل توثيقي مهم نهض به، ولا يزال، بجدارة وشعور عالٍ بالمسؤولية.
• اخيراً، لا بد من كلمة تقال في هذه المناسبة، بالنيابة عن رفيقنا الراحل، وهو طلب وجهه الى قيادة حزبنا.. بتثمين الموقف النبيل للرفيق العزيز د.رضوان الوكيل، الذي لم يفارق د.غانم في السنوات الاخيرة، مقدماً له كل ما أمكن من دعم خلال فترات مرضه، وحتى رحيله المفاجىء في 24 شباط الماضي. وذلك رغم المتاعب الصحية للعزيز ابو رافد. وأنا أنقل اليه هنا تثمين قيادة الحزب للرفيق وتمنياتها له، وللعزيزة ام رافد، بالصحة والموفقية.
ستظل ذكرى فقيدنا الكبير وعزيزنا الغالي د. غانم حمدون حية في قلوب الشيوعيين وكل الوطنيين والديمقراطيين العراقيين، مستلهمين مآثره وسيرة حياته النضالية، حتى تحقيق الاهداف السامية لحزبنا في "وطن حر وشعب سعيد"، وأماني شعبنا في التغيير المنشود وإقامة الدولة المدنية الديمقراية الاتحادية وتحقيق العدالة الاجتماعية.
شكراً لكم جميعاً .. مع الود والاعتزاز