من الحزب

المحرر السياسي لطريق الشعب : في الحدث التركي .. منطقتنا الحافلة بالدروس !

يثير ما يجري في تركيا هذه الايام العديد من التساؤلات المشروعة، عن حقيقة وطبيعة الدوافع التي جعلت الناس تواجه في ميدان تقسيم باسطنبول، هذا " الغضب " من جانب حكومة اردوغان وقواتها الامنية، التي استخدمت كل ما وقع في ايديها وهي تتصدي لمن اعترضوا اساسا على قطع اشجار كيزي بارك، وعلى ازالة هذا المعلم التاريخي لاجل بناء سوق تجاري، من تلك التي تقول التقارير ان المدينة تعج بها .
ولم يتوقف الامر عند الحراك الشعبي في اسطنبول ، بل امتد الى مدن تركية اخرى. وما زالت الاحداث تتفاعل، فيما تبدو حكومة اردوغان محاصرة داخليا وخارجيا، ومطالبة بتقديم اجوبة في شأن ردة الفعل المفرطة في قسوتها وفي عنفها المدان، الذي جابهت به الجموع المسالمة، وهي تريد التعبير عن رأيها بطريقة حضارية.
وبعد التصريحات النارية لاردوغان واتهاماته للمتظاهرين واطلاقه شتى النعوت بحقهم، من دون ان ينسى ايضا، وشأن امثاله في المنطقة ، الحديث عن "المؤامرة الخارجية" ، حاول رئيس الجمهورية ونائب رئيس الوزراء التركيان من جانبهما، احتواء الموقف والاعتذار للمصابين عن قسوة الشرطة وسوء تصرفها .
لكن الامور راحت تتطور وتأخذ ابعادا اخرى، خصوصا بعد مشاركة قوى جديدة في الاحتجاجات، وبعد دعم الحراك من طرف اكبر نقابتين عماليتين في البلاد. وقدمت الشعارات المرفوعة في التظاهرات التي عمت المدن التركية، بعض الاجابات بشأن دوافع الانفجار الشعبي، وما يعتمل في نفوس المواطنين الترك. وظهر جليا ان حادث كيزي بارك لم يكن سوى الشرارة التي فجرت خزين السخط الجماهيري .
ان ما حدث ويحدث ليس بعيدا عن نهج اردوغان وادارته وسياساته على كلا الصعيدين الداخلي والاقليمي، ولا عن الاطالة المفتعلة لذراعه وتدخلها في شؤون بلدان المنطقة، مثيرة الكثير من التساؤلات عن مصلحة الشعب التركي فيها ، وما اذا ستساهم في استقرار المنطقة وامنها، المطلوبين لتمكين شعوبها من رسم طريقها وفقا لارادتها الحرة .
على ان الاحداث تدلل، كما سبق ان بينت في بلدان اخرى، على ان شعوب منطقتنا وعت الدرس جيدا. فهي لن تقبل بعد الآن بقيود تفرض عليها لتنمط حياتها، او بقوانين تصادر حرياتها وتـُبرقع باردية براقة الالوان . لا سيما وهي تتابع بقلق وخوف هذا التداخل المريب لراس المال والسلطة على حساب اغلبية الناس، خصوصا منها الكادحون والفقراء، وعلى حساب حقهم في الحياة اللائقة الكريمة ، وعلى حساب العدالة الاجتماعية التي ما زالت في اجازة قد تطول، فهي ليست بعد على اجندة الحاكمين عندنا .
كما ان هذه الاحداث برهنت على ان الانتخابات التي توصل الحكام الى مواقع المسؤولية، لا تمنحهم حق النكوص لاحقا عن الديمقراطية بآلياتها المتكاملة ، ولا حق الانتقاء منها ما يشاءون. وهي اذا حققت لهم الفوز، تصون في الوقت عينه حريات الآخرين ، المعارضين. وهؤلاء، في الحالة التركية، يكادون يشكلون نصف المجتمع .كذلك دللت على ان الغرور والتسلط والانفراد والاقصاء، لن تعود على اصحابها بالنفع ، ولن تغير شيئا من مصيرهم المعروف .
ان ما يحصل في تركيا ستكون له انعكاساته على المنطقة وشؤونها، لا سيما في العراق وسوريا. وسيكون موضوع اهتمام اكبر من جانب من انبهروا بهذه التجربة قبل ان تمتحن. وها هي اليوم قد فشلت في الامتحان، وكشرت عن انيابها التي تريد ان تعض على السلطة باي ثمن.
ومع استمرار تفاعل الأحداث، وفيما يبلور المعترضون مطالبهم ، تترسخ القناعة بان اوضاع تركيا لن تعود الى ما كانت عليه قبل احداث كيزي بارك، وان ذراع اردوغان لن تطول بعد كثيرا. في حين يبقى حق الشعب التركي في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية مشروعا، والتضامن معه في ذلك واجبا .