شهداء الحزب

"الحياة حلوة لكن الموت من اجل الوطن وسعادة الشعب احلى" / جليل حسون عاصي

هذه العبارة وجدت محفورة على جدار زنزانة احد السجناء السياسيين الشيوعيين. وكأنه يستذكر ويذكر الآخرين بالمآسي التي مرت بها البشرية منذ انقسام المجتمع الى طبقات. وما رافقها من احتدام الصراع بين المُستغل والمستغَِل. بين العبيد والاحرار، بين من يكنزون الثروات وبين من لا يجدون قوت يومهم. وهذا الصراع تمخض عن ظهور رجال ثوريين. احبوا الحياة وضحوا بحياتهم بكل شجاعة ورباطة جأش. وبروح مفعمة بالايمان من اجل ان تكون الحياة حلوة سعيدة هانئة. تتحقق فيها العدالة الاجتماعية، وتحترم فيها آدمية الانسان وحريته وابداعه. وتلبى حقوقه وحاجاته
مما دفع القوى المعادية للأنسانية التي بيدها مقاليد الحكم على مر التاريخ الى اسكات هذه الاصوات عن طريق التشريد والتشهير والسجن والتعذيب والاعدام والحرق. من هذا الواقع وبهذه الروحية قاتل (سبارتاكوس) محرر العبيد من حكام روما. ووقفة العصامي (اباذر الغفاري) يندد بالذين (يكنزون الذهب والفضة) وصرخة الامام علي (ع) عندما ضربه بن ملجم (فزت ورب الكعبة). وخروج ولده الحسين الشهيد (ع) لأصلاح الامة. واعلان (عمر المختار) الثورة ضد الطغيان. وتلقى (صلاح الدين الصباغ، ومصطفى خوشناو) وزملائهما رصاصات الغدر التي اطلقها عليهم رجال الحكم الملكي بايعاز من اسيادهم الانكليز بصدور عامرة بالايمان. وبنفس الاستعداد العالي للتضحية تلقى العديد من الثوار العسكريين والمدنيين والعلماء والكتاب رصاصات الفاشست من بينهم (عبد الكريم قاسم / ماجد محمد امين / فاضل عباس المهداوي / وصفي طاهر / طه الشيخ احمد / داود الجنابي / محمد باقر الصدر وشقيقته بنت الهدى / محمد صادق الصدر ونجليه / الرفاق سعدون وكامل شياع) وغيرهم الكثير من المفكرين والعلماء الذين اخذوا من مكاتبهم ومعاهدهم ومختبراتهم. وقدموا الى المقصلة لا لشيء وانما لأنهم ارادوا بعملهم خدمة البشرية. وآخرون لم نأتي على ذكر اسمائهم. وسيلحقهم بالتأكيد آخرين ما دام هنالك ثائر مستعد ان يقدم حياته ثمنا من اجل خدمة الانسانية، ودكتاتور وارهابي يريد اذلال الانسان واستغلاله واستعباده والرجوع به الى العهود المظلمة والى شريعة الغاب.
ان يوم الشهيد الشيوعي اقترن باليوم الذي اعدم فيه الرفيق الخالد (فهد) ورفيقيه عضوا المكتب السياسي (حسين محمد الشبيبي) صارم. وزكي بسيم (حازم) ليلة 14/15 شباط 1949.
لقد فقد العراق باعدامهم. قادة مخلصين تفانوا من اجل سيادة البلد واستقلاله وحرية الشعب وسعادته ورفاهه. وتشير الدراسات التي اعدها الكثير من الباحثين والكتاب، ان الرفيق (فهد) نذر نفسه منذ نعومة اظفاره لخدمة الوطن والشعب. فهو الذي اعد مذكرة الى عمال الارصفة في البصرة تتضمن مطالبهم وشجعهم على الاضراب من اجل تحقيقها صيف 1918. وهو (اول اضراب عمالي). وكان ينقل تحركات القوات البريطانية في الناصرية وضواحيها الى قادة ثورة العشرين عن طريق (الحاج رويضي) وقاد صيف 1931 اضراب الناصرية احتجاجا على قانون الرسوم البلدية الذي شمل جميع مدن العراق وتحول في الناصرية والبصرة الى صدامات دامية. ودعم انتفاضة فلاحي سوق الشيوخ عام 1935. وتوجيه المنتفضين من خلال علاقته الوطيدة مع قائد الانتفاضة (ريسان الكاصد) رئيس عشيرة بني خيكان. وشكل اول حلقة ماركسية في الناصرية عام 1928 وتجول في مدن العراق واريافه والدول المجاورة خاصة العربية للتعرف على حياة الناس ومعاناتهم. وشارك رفاقه الاخرين في تأسيس الحزب الشيوعي العراقي عام 1934 وفي اعادة بنائه مطلع الاربعينيات بعد الضربات التي وجهت له. والانشقاقات التي تعرض لها. وعمل على تثبيت القيم والمثل والممارسات واساليب العمل وتنظيم الحياة الداخلية للحزب ونضاله الوطني والطبقي. وعمل على اقامة تحالفات سياسية بين القوى الوطنية والديمقراطية. دعا الشعب الكردي الى تأسيس حزب كردي تقدمي. وهذا ما اكد عليه المؤتمر الاول للحزب الشيوعي العراقي عام 1945. الذي عقد تحت شعار (قووا تنظيم حزبكم. قووا تنظيم الحركة الوطنية) وكتب عدة دراسات حول الموضوع لا تزال لحد اليوم تحتفظ باهميتها. وبعد اعتقاله حافظ على اسرار الحزب ودافع عن سياسته وافكاره. ومما قاله في المحكمة (عملت في الحقل الوطني. وبعد ان صرت شيوعيا لم اجد مايتعارض ومعتقدي الوطني. وانما اصبحت اشعر بمسؤولية اكبر) كما قال (نحن افكار واجسام فان استطعتم القضاء على اجسامنا فلن تستطيعون القضاء على افكارنا). وعند دخوله السجن وضع قواعد تنظيم الحياة في السجن وتحويله من قبر يدفن فيه الاحياء ويعزلون عن العالم الخارجي كما اريد له، الى اكاديمية لتخريج المناضلين. وقبل ان يعتلي حبل المشنقة في ساحة المتحف قال مقولته الشهيرة (الشيوعية اقوىمن الموت واعلى من اعواد المشانق) ومما قاله رفيق دربه عضو المكتب السياسي (حسين محمد الشبيبي) عندما اعتلى جبل المشنقة التي نصبت في ساحة باب المعظم (لي الشرف ان اعدم في الساحة التي كانت تنطلق منها المظاهرات التي ينظمها حزب التحرر الوطني) وقال رفيق دربه الآخر عضو المكتب السياسي الشهيد (زكي بسيم) لو قدر لي ان اعود الى الحياة مجددا لما سلكت غير هذا الطريق الذي سلكته من قبل) وتواصلت قوافل الشهداء حيث كان ضحاياها هذه المرة كوكبة شجاعة من خيرة قادة الحزب وكوادره واعضائه وفي المقدمة منهم الشهيد حسين احمد الرضي (سلام عادل) السكرتير الاول للحزب. الذي اعتقل ورفاقه بعد انقلاب شباط الاسود. جابه جلاديه بصمود رائع، تحداهم من ان ينالوا منه شيئا، قطعوا اوصاله وهو ينشد الاناشيد الثورية، فقأوا عينيه وهو يترنم باسماء الثوريين الذين استشهدوا تحت سياط الجلادين في كافة ارجاء المعمورة ارعبهم وهو يصرخ في وجوههم (سينهض شعبي، سينهض حزبي، ويقضي على انقلابكم الاسود) وكان في الفترات التي يتوقفون فيها عن تعذيبه، يحث رفاقه على الصمود، ويبث فيهم روح التحدي فكان له ما اراد. فقد استشهد العشرات من الرفاق تحت التعذيب من بينهم (محمد حسين ابو العيس/ حسن عوينه/ رحيم شريف/ جورج تلو/ نافع يونس/ حمزة سلمان/ محمد صالح العبلي/ جمال الحيدري/ عبد الجبار وهبي/ عدنان البراك/ طالب عبد الجبار/ وعد الله النجار/ مهدي حميد/ فاضل البياتي/ عائدة ياسين.. وغيرهم.
ان الواجب الوطني يتطلب منا ونحن نستعرض هذه الاسماء ان نقف اجلالا واحتراما لهم جميعا بغض النظر عن انتمائاتهم السياسية والفكرية. وقومياتهم وطوائفهم واديانهم والوانهم والسنتهم. وان يجري انصاف عوائلهم دون تمييز بين هذا الشهيد او ذاك. كما يتوجب علينا استلهام القيم والمثل التي خلفوها لنا. واخذ الدروس والعبر منها. ومن بين اهم هذه الدروس احترام الانسان وحقوقه وحرياته واطلاق طاقاته. واعتماد الديمقراطية كأسلوب في الحكم. والوقوف بوجه اي تجاوز عليها لقطع الطريق على عودة الدكتاتورية.