شهداء الحزب

مقداد العامل.. الحارس الأمين للشهيد سلام عادل / د . علي الخالدي

يغمره الفرح ما أن تحييه، وبحس شيوعي فريد، يتعرف على شخصيتك كرفيق درب تشاطره المسيرة النضالية، فيرد على تحيتك، بلغة اﻹشارة، أو بمساعدة ولده، أو يلجأ لكتابة ما يريد قوله.. الإبتسامة التي لا تفارق محياه تمحو أي تشاؤم قد يعتريك، في زمن ساد فيه الفاشلون والفاسدون، وتتعزز الثقة، ويزهر في دواخلك الأمل.. إنه الفنان المسرحي والتشكيلي مقدادالعامل، الذي فقد النطق جراء التعذيب الوحشي على أيدي جلاوزة شباط الأسود. إلتقته "طريق الشعب" في مدينة بودابست، حيث يقيم منذ أن إنتزعه النظام البائد من أحضان الوطن:

أنت من عائلة قدمت الكثير على طريق الكفاح، فمتى تعرفت على الحزب؟

إلتحقت بالحزب منذ كنت يافعاً، وقد رشحني لعضويته، أخي الشاعر الراحل رشدي العامل عام 1956 وكنت حينها أسكن في منطقة الكرخ ببغداد. وبسبب جهاديتي ومن قوة جسدية تمتعت بها في شبابي، إضافة الى تمثلي لوصايا الرفيق الخالد فهد في صيانة أسرار الحزب كحدقات العيون، كُلفت بمهام الحماية. وبعد قيام ثورة 14 تموز، تدّرجت في صفوف المقاومة الشعبية للدفاع عن الثورة وعملت مع العقيد طه البامرني والمقدم موسى كاظم، قبل أن أنتقل الى حماية محكمة الشعب، حيث عملت بأمرة الشهداء العقيد رئيس المحكمة فاضل عباس المهداوي والمدعي العام العقيد?الركن ماجد محمد امين والمقدم حسين خضر والمقدم فتاح والرائد عباس والنقيب كمال فخري والمقدم طارق والعقيد الحاكم جلال بالطة والمقدم سعيد مطر وغيرهم. ويبدو أنهم رشحوني كحارس شخصي للشهيد الخالد سلام عادل، فأنتدبت لهذه المهمة.

كانت تلك بالتأكيد تجربة غنية في حياتك؟

بصراحة كنت أتمنى رفقة الشهيد سلام عادل، فهل هناك أجمل من أن تحرس شخصية عظيمة كهذا القائد الفذ. ذكرياتي عن تلك الفترة كثيرة جداً، منها ما يتعلق بالمستوى الثقافي والتنظيمي الذي يعطيك الثقة بالمستقبل الزاهر، ومنها ما يتعلق بالمستوى الإنساني. إبتسامته الجميلة ما تزال تلازمني كتعبيرعن التواضع والبساطة. أذكر في يوم ممطر وبارد، قدمت معه الى مبنى جريدة اتحاد الشعب في شارع الكفاح ببغداد، وقد رفض الرفيق مسؤول الحراسة أن يسمح لنا بدخول المبنى، حيث لم نكن نحمل تصريحاً بالدخول ولم يشأ الشهيد أن يصرح بهويتنا أو يستخدم موقعه في فرض الأمر على الحراس، وبقي هادئاً مبتسماً حتى خرج المرحوم رشدي العامل وأدخلنا الى المبنى، وحين علم الحارس بهوية الشهيد سارع للإعتذار، قال له الشهيد أنت من أهل الثقة ورفيق شجاع وقبّل رأسه وشدّ على يديه.

ماهو شعورك وانت تواكب الأحتفالات بتسمية شارع بأسم سلام عادل في مدينة النجف الاشرف؟

الشهيد سلام عادل من مواليد مدينة النجف الاشرف عام 1922. وكان سكرتير حزب سياسي عريق ساهم في النضال ضد الحكومات الرجعية والدكتاتورية في سبيل رفعة الوطن وخدمة الشعب، وقدم حياته دفاعاً عن هذه المثل، تاركاً بصمات عزّ وفخار على صفحات التاريخ، ولهذا فمن حقوق أبناء النجف الكرام، أن يتم تخليد إبنهم وأبن العراق البار، حسين أحمد الرضي.
أصبت بالعوق جراء التعذيب الفاشستي الذي تعرضت له، هل يمكن أن نعرف شيئاً عن تلك الجريمة؟

أعتقلت إثر إنقلاب شباط الأسود، وسيطرة البعث الفاشي على الحكم، وأشرف على تعذيبي المجرم النقيب عمار علوش، الذي توهم بإنه قادر على أن ينتزع بالتعذيب ما أملكه من أسرار حزبية، ولاسيما عن الشهيد سلام عادل، لكني صمدت وصنت شرفي والحقت العاربالقتلة ، فأمعنوا بالتعذيب، وزادت شراستهم. كنت مكبلاً ومعلقاً من يدي على الجدار، أو بمروحة طوال الوقت، وهم يضربون بسياط حديدية وبسلاسل، حتى كُسرت بعض الفقرات في عمودي الفقري، وخلع كتفي. وفي النهاية زرقوني أبرة تحت الاذنيين ورموني في أحدى الطرقات، وما أن صحوت حتى كنت قد فقدت النطق والسمع. إنهم كسروا ظهري وأفقدوني القدرة على أن أعتلي خشبة المسرح، الذي عشقته طيلة حياتي، لكنهم أبداً لم يكسروا إرادتي، وبقيت فخوراً بحزبي ورفاقي.

وماذا عن نشاطاتك الفنية هنا في هنغاريا حيث تقيم؟

المسرح هو الفن والفن هو المسرح بالنسبة لي.صحيح أفقدتني الإعاقة القدرة على مواصلة النشاط المسرحي، لكني إتجهت للرسم، فمازلت ارسم اللوحات الفنية. واليوم استعد لإقامة معرض تشكيلي بمناسبة العيد الثمانين لميلاد الحزب الشيوعي العراقي. كما أقدم بعض المساعدات الفنية للرفاق في حزب العمال المجري، الذين تربطني بهم علاقة احترام، وأنا ممتن لما قدموه لي حينها من علاج مجاني، ولن أنسى ما حييت لقائي البسيط والسريع مع الرفيق الراحل يانوش كادارفي ساحة الابطال عام 1979في عيد العمال العالمي، الذي شهد حينها أكبر المسيرات الجماهيرية.

وبماذا توصي أبناء الوطن بمناسبة الإنتخابات البرلمانية القادمة؟

هذه المرحلة هي محطة صعبة، لكنها واعدة بالتغيير الذي سيكنس أرث الدكتاتورية المقيت ومأسي نهج المحاصصة الطائفية واﻹثنية. لا أعتقد بأن العراقي سينتخب من فشل بما أوكل له من مهام ، وكي لا نكرر الخطأ فيصبح خطيئة، أدعو الناس الى التأني قبل تأشير ورقة الأقتراع، والتفكير بإختيار البعيد عن الطائفية والمحسوبية والعشائرية، بإختيار ذوي اﻷيدي البيضاء من الوطنيين الذين سيضعون العراق على طريق الأمن والرفاه. أنا سأصوت للعدالة اﻷجتماعية والدولة المدنية، للقائمة رقم 232، مع خالص احترامي لباقي القوائم المشاركة.