شهداء الحزب

الى الشهداء الذين بفضلهم ما زلت على قيد الحياة / فريد جلَو

منذ منتصف السبعينات انتميت الى الحزب الشيوعي العراقي وعملت ضمن تنظيمات محلية الكرخ المركز، التقيت في تلك الفترة بالعشرات من الرفيقات والرفاق من خلال العمل في التنظيم ولا زلت اذكر بعد هذا الوقت الطويل الكثير من الاسماء والوجوه التي صادفتها ونسيت الكثير ايضا فالشيخوخة غزتني مبكرا ولكن ترسخ في ذهني رفاق استشهدوا في اقبية النظام المقبور استشهدوا تحت التعذيب او اعدموا دون ان يشوا برفاقهم الاخرين لذلك ادين لهم بحياتي، ورأيت من واجبي ان اتذكرهم في هذه السطور القليلة :
اولا : الشهيد ابو فريد كان الرفيق يعمل في خلية كنت اقودها , كان يتميز بالصلابة والتصاقه بالحزب كما هي عائلته عندما كان نائب ضابط في الجيش عام 63 اعتقل وعذب وطرد من الجيش , لم يثنه ذلك عن التواصل مع الحزب فقد تطورت قناعاته بمبادئ الحزب خصوصا بعد ان تحول الى عامل نجارة في معمل لصناعة الرحلات المدرسية. كان يعيل زوجة وأربعة اطفال يعيشون في غرفة واحدة في احد بيوت البتاويين وينام اطفاله تحت السرير الوحيد في تلك الغرفة التي هي مطبخ ايضا اما الحمام فمشترك مع 5 عوائل اخرى، فشظف العيش هذا والاضطهاد الديني، حيث كان ا?شهيد من الديانة المسيحية، كل هذا مع العوامل الاخرى التي ذكرتها جعلته صلبا وفي بداية عام 78 ومع الهجمة الاولى للبعث الفاشي على حزبنا اعتقل لنشاطه وسط العمال في معمل النجارة ذاك كما كان نشاطه في منطقة البتاويين مرصوداً ايضا ولم تسلم زوجته هي الاخرى من الاعتقال لنفس سبب اعتقال زوجها وكانت من شغيلة مقر الحزب في ذلك الوقت. اما ابو فريد فقد انقطعت اخباره ولحد الان حتى في القوائم التي ظهرت بعد سقوط النظام.
ثانيا : الشهيد كاظم كان الشهيد مدرس لغة انكليزية ويمتلك ثقافة ماركسية عالية وله نشاط معروف في منطقة الدوريين. بعد ان اعتقل كان احد الشهود هو زوج اخته البعثي الذي كان يسكن معه في نفس الدار، وتعرض الشهيد كما هو حال الكثير من الشيوعيين الى التعذيب بمختلف الوسائل ولكن لم يبح بسره وحافظ على شرفه لآخر لحظة كان التحقيق معه يدور عن اسماء التنظيم الذي كان يعمل معه اذ قدم زوج شقيقته تسجيلاً عن احد الاجتماعات الحزبية كدليل ولكن صمد ولم يبح بأي اسم من اسماء الحاضرين في ذلك الاجتماع، كان اعتقاله عام 79 واختفت اخباره ال? ان ظهر اسمه في قوائم المعدومين.
ثالثا : الراحل كشاش صحيح انه لم يستشهد بل توفي وفاة طبيعية ولكنه ليس اقل من الشهداء شأنا تعرفت عليه في تلك الفترة فقد زار تنظيمنا كمشرف وباعدتنا الايام فلم نلتق إلا بعد السقوط لم يتعرف احدنا على الاخر و اقتضت الضرورة ان ازوره في داره في احد الاسواق الشعبية في علاوي الحلة وكان حاضرا في ذلك اللقاء احد رفاقه القدماء من الستينات بدأ كشاش لمن لا يعرفه، حياته عتالاً وتنقل من عمل الى اخر كان كادحا بحق بدا لقائنا بمزحة منه اذ قال شكرا لوالدي الذي اسماني كشاش لاني فعلا اسم على مسمى استغربنا ما يريد ان يقول اكمل حدي?ه بأنه ساهم في ( كش ) الملكية قبل وبعد ثورة تموز 58 وله صورة وهو متسلق على تمثال مود ويعمل بمطرقته لتهديمه وأضاف واستمر ذلك معي اذ اني ( كششت ) ازلام النظام عنكم ايها الرفاق ودحرت افكارهم بالنقاش هذا انا كشاش ألا يحق ان افتخر باسمي وتجمعت لدي خيوط قصة ذلك الرفيق الراحل وكان للرفيق ابو ميثم العميد المتقاعد بعض الخيوط اضافة الى اصدقاء اخرين سأرويها في الآتي:
كشاش كان احد كوادر الحزب في محلية الكرخ المركز , تعرض لاعتقالات منذ منتصف الخمسينات ولعدة مرات وهو الذي فقد زوجته اثناء احدى المطاردات البعثية الفاشية حيث قفزوا على سطح الدار لإلقاء القبض عليه وطأت اقدامهم على راس زوجته التي كانت تنام على السطح فتوفيت فورا ولكن لم يستطيعوا اعتقال كشاش وابتداء من منتصف عام 78 وعلى اثر هجمة الفاشست على حزبنا تحول التنظيم الى العمل الخيطي ونتيجة للاعتقالات والمطاردات واعتراف بعض من كانوا يسمون انفسهم شيوعيين فقد التنظيم الكثير من رفاقه مما اضطر الى حصر قيادة التنظيم بأربعة ا? خمسة كوادر ووضع قيادة ظل للاحتمالات القادمة وبعد اشهر طويلة من مطاردة كشاش واختفائه القي القبض عليه ثم اطلق سراحه بعد 3 ايام مما جعل التنظيم يشك بموقفه وكنا في بعض الحالات نحاول ان نؤمن اتصالاً بمثل هؤلاء الرفاق لمعرفة ما حدث ولكن جاءت رسالة سريعة منه تقول اني ما زلت على عهدي مع الحزب ولم يحصلوا مني على كلمة واحدة وأطلقوا سراحي وأنا تحت المراقبة الشديدة ليجعلوني مصيدة للرفاق الاخرين لذا ارجو ان لا يتصل بي احد في الوقت الحاضر .رحل الرفيق عن الحياة بعد مرض انتابه لم يستطع ان يتعالج منه بشكل صحيح لظروفه الما?ية الصعبة وكان له ما اراد فبناته استلمن الراية ليكملن مسيرة ابيهن.
رابعا : الشهيد نافع صكر كان مدرس جغرافية في احدى ثانويات مدينة الثورة شخصية رائعة تجمع بين اسلوبه في التعامل مع الناس وثقافته الماركسية العالية وصلابته المبدئية وقدراته القيادية وبعد الضربة آنفة الذكر واعتقال الكثير من الرفاق والهجرة القسرية لرفاق اخرين استلم التنظيم الخيطي لمحلية الكرخ المركز مع بعض الرفاق ومنهم الراحل كشاش ورفض الهجرة او الالتحاق بالرفاق في كردستان اذ كان يعتقد ان العمل في الداخل يجب ان يدام وسيكون احد الذين يديمون هذا العمل. كانت لي معرفة شخصية بالشهيد وعائلته تلك العائلة المندائية الشي?عية التي احتضنت الكثير من الرفاق الذين اختبؤوا لظروف امنية وفي مراحل مختلفة من مسيرة نضال الحزب وكان ابن عمه الشهيد ستار خضير قد تقدم قافلة الشهداء بعد انقلاب البعث عام 68 ولكن بعد فترة وردت اعترافات على الشهيد فاعتقل عام 80 ومورست معه شتى انواع التعذيب ولكنه صمد في بطولة نادرة لا تجدها إلا عند الشيوعيين ثم انقطعت اخباره حتى جاء امن النظام بورقة اعدامه عام 83 ثم ظهر اسمه في قوائم الشهداء بعد السقوط
خامسا :الشهيد سمير حامي طالب اعدادية وهو احد اقارب الشهيد نافع كان يعيل عائلة مكونة من اربع اخوات واخ صغير ووالدته. عام واحد وثمانون التقيت به بالصدفة وكنت قد تسرحت من الجيش توا وسبق ان انقطعت علاقتي الخيطية بالحزب بعد سفر من كنت ارتبط به خيطيا واعتقال نافع والكثير من الرفاق الذين اعرفهم لذا كنت ابحث عن طريقة لإعادة الاتصال فجرى حديث بيني وبين الشهيد سمير الذي كان يعرفني جيدا فعرفت منه بعض اخبار الحزب وقررت ان يكون ارتباطي الخيطي به على ان يحدد هو الموعد اللاحق باتصال هاتفي ولكن هذا اللقاء لم يتحقق فبعد ش?ر من ذلك اللقاء وصلني خبر اعتقاله وقد سار على خطى اقربائه من الشهداء فلم يحصلوا منه على شيء يفيدهم وانقطعت اخباره تماما ليظهر اسمه في قوائم الشهداء بعد سقوط النظام.