شهداء الحزب

يوم الشهيد الشيوعي : عوائل الشهداء تتحدث عن هذا اليوم / داود أمين

الشهداء الشيوعيون، الذين فقدناهم طوال العقود الثمانية الماضية، يسكنون في دوحة المجد، التي صنعتها مأثرة تضحياتهم، وفي ذاكرة تاريخ الذي وشمت فيه دمائهم روعة البقاء والخلود، أما عوائل الشهداء، أولئك الأخوة والأخوات، الأبناء والبنات، الأزواج والزوجات، أولئك الذين يستعيدون في الرابع عشر من كل شباط، صور الراحلين وملامح من مآثرهم وبطولاتهم، فلهم في هذا اليوم المجيد، طعم الحزن والفرح، الإعتزاز والفقدان، ولذلك رأينا ان نسمع من بعضهم، من نماذج من أؤلئك الذين حملوا حزناً ومفخرة لعقود من الزمن، فكانت أسئلتنا مقتصرة على سؤالين وهما:
_ ماذا يعني لك يوم الشهيد الشيوعي؟ وكيف تشعر عندما يحل الرابع عشر من شباط في كل عام؟
_ الرفيق أبو وائل (عبد الرحمن الخالدي)، وهو شقيق الشاعر الشهيد (بحر الخالدي) أجاب على هذا السؤال قائلاً: هذا اليوم يعني لي الكثير، فهو رمز للتضحية، رمز للصلابة والثبات، ففيه منح الشهداء حياتهم، وهي أعز ما يملكون، معلنين أنهم بشر غير عاديين.
كما لا يمكن إنكار مشاعر الألم، الممتزجة بالفخر، لفقدان أولئك الرفاق الشجعان، خصوصاً عندما يكون بينهم واحد من أخوتك! وإنه كان من الممكن تماماً أن تكون واحداً منهم، فدربهم هو دربك، والطريق الذي سلكوه، وقدموا حياتهم من أجله، لا تزال تسلكه.
_ الرفيقة رجاء (ماركو بولس ميا ) شقيقة الشهيد النصير أبو حسن (فرانسو بولس ميا) أجابت على السؤال نفسه قائلة:
في هذا اليوم أشعر بالحزن، فأنا لا أستطيع نسيان أخي الشهيد "ابو حسن"، لآنه كان أقرب إنسان لي، كما أتذكر أيضاً، الكثير من الرفاق الشهداء، الذين عشت معهم، وشاركتهم سنين النضال، في كردستان ومناطق أخرى.
_ الرفيق ابو سيفان (يونس متي) شقيق الشهيد النصير أبو سمرة (جبرائيل متي) أجاب على السؤال نفسه قائلاً:
يحمل يوم الشهيد عندي الكثير من المعاني، فهو يوم مقدس، فبالرغم من خسارة الشهداء الذين فقدناهم، فأنني أعتبره يوم أمل وإنبعاث، وهو يذكرني على الدوام بمقولة الرفيق الخالد فهد، وهو يعتلي المشنقة بأن (الشيوعية أقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق).
_ الرفيقة أم سيفان (منى توما توماس) شقيقة الشهيد (منير توما توماس) قالت عن هذا اليوم:
بالرغم من قناعتي بخسارتنا الكبيرة بمن إستشهدوا، فأنني أقتنع أكثر بمقولة (إن لم تمت حبة الحنطة) هذه الحبة من دون غيرها، من أجل أن تهب ما فيها لإنطلاقة حياة جديدة، وهكذا هم شهداؤنا، فقد منحوا حياتهم الغالية، من أجل أن نعيش نحن.
_ الرفيق أبو قصي (عبد المطلب عبد الواحد) شقيق الشهيد (قصي عبد الواحد) أجاب على هذا السؤال بالقول:
أنا أجد أن مفردة الشهيد صغيرة، أمام عِظم التضحية، فهذه المفردة مستعارة من المجتمع، وهي مصطلح ديني في الأساس! لكننا الفناه وتعودنا عليه، الشيوعيون كانوا يحبون الحياة والجمال وكل ما هو مثمر وإنساني، ويعشقون الحرية، لكن أعداءهم، من كل الألوان والأصناف، هم من إختاروا لهم هذا المصير، ورغماً عنهم! ولذلك فالشهادة عندي لا تحمل معنى إيجابياً، وأمر لا اتمنى أن يتكرر.
_ الرفيقة أم غادة (سهام السعداوي) شقيقة الشهيدة النصيرة أم حسين (رضية ياس السعداوي) والشهيد النصير قيس (محمد ياس السعداوي) اجابت على هذا السؤال:
في يوم الشهيد الشيوعي، تنتابني مشاعر تبدو متناقضة،
لكني اعتبرها طبيعية، فهي مزيج من الفخر والإعتزاز، ومن الحزن والألم ايضاً، إذ كيف لي نسيان أختي واخي، اللذين أصبحا ضمن قافلة الشهداء الشيوعيين، واللذين هما مفخرة لي ولعائلتي.
أما سؤالي الثاني فكان:
_ ما الذي تتذكره عن شهيدك؟ أعني ما ابرز وأهم الصور التي ترد الى ذهنك عندما تتذكره؟
_ الرفيق أبو وائل قال: أخي الشهيد (بحر الخالدي) كان المثال الذي أستلهم منه القوة والعزم، فصورته عندما كان شاباً، وهو يخط العبارات الثورية، في شوارع مدينة (أبو غريب) لا تفارقني، كان رمزاً للتحدي والصمود، وقد تعرض لأربع محاولات إغتيال، كما إعتُقل مرات عدة، كان آخرها عام 1981، والتي إستُشهد فيها تحت التعذيب، كما ان صورته وهو يُلقي الشعر أو يرسم أو يكتب او يخط محفورة في ذاكرتي للأبد.
_ الرفيقة رجاء أجابت على السؤال نفسه قائلة: عن أخي الشهيد (أبو حسن) أتذكر أشياء كثيرة، فقد كان خالقاً للمرح والدعابة، سواء عندما كنا في بغداد، أو عندما كنا نذهب الى مدينة مانكيش في العطل الصيفية، كان ذكياً ومتفوقاً في دراسته الجامعية، وعندما تخرج وتعين، أذكر أنه اعطاني راتبه قائلاً: إشتري لك هدية أنت تختارينها! ثم سافر عام 1976 لإكمال دراسته العليا في الإتحاد السوفيتي، وعاد بعد إنجازها، الى صفوف الأنصار في كردستان، كان يتمتع بروح المساعدة في البيت، وقد إستُشهد في كردستان في عملية غادرة.
_ الرفيق أبو سيفان أجاب على السؤال الثاني قائلاً: ليس هناك يوم لا أتذكر فيه أخي الشهيد أبو سمرة، فأنا أحس بأنه يراقبني، وينظر لي بالنظرة نفسها التباهي والإعتزاز، التي كان ينظر لي بها وقت حياته، لذلك فأنا حذر في سلوكي ونشاطي، وفي كل عمل أقوم به، أنا حريص على أن أرضيه، في عملي وحياتي، وكأني أقول له: إن ثقتك في محلها!
أما أبرز صورة لا تغادر ذاكرتي عنه، فهي خيال جسم إنسان، وفوهة بندقية تخرج من الكتف، ومنظره وهو يركض صاعداً نحوي، عندما سمع بوصولي الى كردستان.
_ الرفيقة أم سيفان أجابت على هذا السؤال قائلة: أنا لا أعتقد أن أحداً من عوائل الشهداء بإمكانه مواصلة حياته من دون تذكرهم، ومن دون الإندماج روحياً معهم ومع ذكراهم العطرة.
كان شقيقي منير يكبرني ثلاث سنوات تقريباً، وقد تميز بهدوئه وبراءته وطيبته،، وهي صفات لمستها فيه، منذ حياتنا المشتركة في مدينتنا القوش، وقد واصل عمله الحزبي بكتمان شديد، في فترة بالغة الخطورة، لغاية إعتقاله في بداية عام 1981، ومن يومها إنقطعت أخباره عنا، وبعد سقوط النظام عثرنا على كتاب يقر بإعدامه وكوكبة من 16 شيوعياً آخرين في عام 1984.
_ الرفيق أبو قصي قال عن شقيقه الشهيد قصي: كان يتحلى بسمات أغبطه عليها، فقد كان يركز بقراءته، إلى الحد الذي ينسى فيه من حوله، كان مؤمناً بالشيوعية، حد الإندماج والتماهي، وأذكر عندما عرضت عليه مسألة السفر خارج العراق، وكان وقتها قد ترك وظيفته، مدرساً في إعدادية الجمهورية في البصرة، ويعمل عاملاً في البناء، أذكر أنه رفض وقال، إنه يستطيع أن يقدم للحزب الشيء الذي يستطيعه! وقد بقي في الوطن، ليُعتقل ويستشهد تحت التعذيب.
_ الرفيقة أم غادة أجابت على السؤال نفسه قائلة: لا يمكن نسيان صديقتي وأختي الشهيدة رضية، فقد كنا في أعمار متقاربة، وقد درسنا معا في مختلف المراحل، كانت إنسانة قوية وشجاعة، محبة لأهلها وأخوتها، والمسؤولة مادياً ودراسياً في البيت. وقد استشهدت تحت التعذيب، عندما ألقي القبض عليها، بعد أن نزلت من قوات الأنصار في كردستان، للعمل في تنظيمات الداخل.
أما أخي الشهيد محمد فكان مثل إبني، فهو أصغرنا سناً، وأذكر أنه كان عضواً، ضمن فرقة الطلائع الفنية في الحلة، كان طموحاً ويود أن يقدم للحزب ما يستطيعه، لذلك إلتحق بصفوف الأنصار عام 1986، ليستشهد في معركة الأنفال البطولية في منطقة كرميان/ قادر كرم، في 28/4/1987، وهو لم يتجاوز الثانية والعشرين من عمره.