شهداء الحزب

بمناسبة الذكرى الثلاثين لإستشهادها : الشهيدة "أم حسين" تكتب رسالة مفعمة بالرقة والوطنية / داود أمين

الشهيدة رضية ياس خضير السعداوي (أم حسين)، تخرجت من كلية الآداب/ قسم اللغة العربية، في جامعة البصرة عام 1976، وتعينت بعدها في وزارة التجارة في كربلاء، ومع إشتداد الحملة ضد حزبنا أواخر السبعينات، تركت رضية عملها نهاية عام 1978 وإختفت، مثل المئات من الشيوعيين، ثم إضطرت للخروج من العراق، الى سوريا وبيروت ثم اليمن الجنوبية، ومن هناك قررت العودة للوطن، لتكون ضمن صفوف أنصار الحزب في كردستان، ومن مواقع أنصار الحزب، حيث أمضت هناك اكثر من ستة أشهر، تسللت نحو عمق الوطن، لتنضم الى تنظيمات الداخل، وفي ظل ظروف بالغة الصعوبة، لممارسة العمل الحزبي، وتوفير بيوت آمنة للإختفاء، عاشت الشهيدة رضية حياة قاسية، تنقلت خلالها في أخطر المواقع، ومن بينها السكن في مزرعة لتربية العجول، تقع بين الحلة والكفل، لعائلة إحدى صديقاتها الجامعيات، وكانت تمضي معظم يومها في حفرة، صنعتها داخل المزرعة، لإختفائها والحفاظ على حياتها، ولكن أجهزة السلطة، وأخطبوط مخابراتها وعملائها، إستطاعت ألقاء القبض عليها، لتستشهد تحت التعذيب.
الشهيدة رضية كانت، وهي ضمن صفوف الأنصار في كردستان، تكتب لشقيقتها أم غادة (سهام السعداوي) رسائل تقطر رقة ووعياً ووطنية، وإعتزازاً بأطفال أختها (غسان وغادة)، وحباً للمدينة اليمنية ( عدن ) التي عاشت فيها وأحبت أهلها، ففي واحدة من تلك الرسائل، مؤرخة في 24/1/1983، تقول الشهيدة (سلاماً يا بحر العرب.. سلاماً عدن الحبيبة الجميلة.. كل الذين ذاقوا ملح طعامها لا ينسون أبداً، ويتكلمون وكأنهم من عدن أو أبين أو حضرموت.. وكل يوم يسقط فيه الثلج غزيراً، واحدنا يُكلّم الآخر.. مارأيك وما هو شعورك الآن، وأنت على ساحل البحر العربي؟ .. الله الله .. لا أتمنى الآن إلا أن أكون في جرف الساحل وأمامي (جوب) وفي (الجوب) حبيب إسمه غسان) ثم تسترسل في ذكرياتها، عن إبن أختها الصغير غسان، عندما كانت تعيش معهم في عدن، فتكمل رسالتها قائلة (غسان يقول لي خالة غني لي أغنية عراقية، وأغني له أغنية يمنية.. يصيح.. ولج عراقية عراقية.. فيا حبيبي العراقي الصغير، تعال لأغني لك كل الأغاني العراقية) ثم تصف ثلج كردستان، حيث كل شيء أبيض وتقول للصغير غسان ( هلاّ أتيت؟ لنتزحلق على الثلج,, إنه التلج في لفظة لسانك الحلوة العذبة، وليس الثلج كما نقول أو(البفر) كما يقول إخواننا الأكراد (بفر زوره بخوا.. الثلج كثير والله..) ثم تواصل الشهيدة رضية رسالتها المُكرسة لأبناء شقيقتها، لغسان وغادة، فتتحدث لغسان، عن جمال العراق، وطيبة أهله فتقول ( إن بلادك جميلة أيها العراقي، الذي لم يرَ العراق، بلادك جميلة، وجبالها شامخة كالأم العراقية، شامخة تحتضن أبطالاً رجالاً، تحتضنهم وتحِّن عليهم وتأويهم، من قسوة البرد ووحشية العدو، وأرض بلادك يا صغيري خصبة معطاءة، بساتينها مد البصر، وأناسها طيبون كرماء، ولو أتيت إليها ستعرفك انت إبنها، كما أنت عرفتها أغنية عراقية، والعراقية حلوة وجميلة صدقاً كما سمعتها أنت في الأغنية وتردده بصوتك، إني أتذكره الآن).
هذه الرسالة العفوية للشهيدة رضية، وثيقة هامة، تعكس إنسانية الشيوعيين، ورقة مشاعرهم، ومدى إعتزازهم بوطنهم، وثقتهم بأبناء شعبهم، وهي أيضاً درس وطني وأخلاقي، تُعلم من خلاله الرفيقة الشيوعية، جيل الأطفال القادم، قيمة الوطن وعظمة الشعب.