شهداء الحزب

الصابئة المندائيون ويوم الشهيد الشيوعي / فائز عبد الرزاق الحيدر

سلاما" على جاعلين الحتوف جسرا" الى الموكب العابر

لمذا تمجد الشعوب والأحزاب السياسية شهداءها؟ سؤال يطرح من قبل الكثيرين، ترى أهو تمجيدا" للموت البطولي؟ أم هو محبة وعشقا" للتضحية بالنفس؟ وهل كان الشهداء الشيوعيين زاهدين بحياتهم بمعزل عن الأهداف التي ناضلوا من أجلها؟ بالتأكيد سيكون الجواب كلا !! فلم يكن العظماء من البشر ومن بينهم الشهداء، على مدى التأريخ عشاقا" للموت، بل كانوا من عشاق الحياة، ولكن ليس أية حياة، بل حياة العزة والكرامة والدفاع عن القيم الأنسانية الرفيعة التي آمنوا بها وكرسوا حياتهم من أجل تحقيقها وضحوا بأنفسهم دفاعا" عنها. فمنذ بداية التأريخ كان الشهداء ولا يزالون يلهمون رفاقهم العزم على الكفاح حتى تحقيق ما ضحوا بحياتهم من أجله، وهكذا تظل ذكرى الشهداء ساطعة تنير درب المناضلين وتعطيهم المثل والقوة في الصمود دفاعا" عن القضايا النبيلة في وجه أعتى الدكتاتوريات.
في الرابع عشر من شباط من كل عام يحتفل الوطنيون العراقيون بشكل عام الشيوعيون بشكل خاص بيوم الشهيد الشيوعي، هذا اليوم الذي أصبح تقليدا" يلتقي فيه الشيوعيين وأصدقائهم لأحياء ذكرى شهداء حزبهم الذين سقطوا في ساحات النضال المختلفة، في السجون والمعتقلات، في الشوارع والانتفاضات، في سهول وجبـال العراق، في المنافي والقبور الجماعية دفاعا" عن قضايا شعبهم ووطنهم في مواجهة الدكتاتوريات المتعاقبة، فهذا الأحتفال ليس أحتفالا" عابرا" بل أحتفالا" تحتشد فيه المعاني والرموز العميقة، هو أستعادة غير مجلبة بالسواد لأرواح شهداء الوطن الذي أبتلع الحقد الأسود الالاف من صفوتهم. أنه يوم ذكرى البطولة والصمود والأستشهاد من أجل القيم والمبادئ الفكرية السامية، ذكرى القادة في الحزب الشيوعي العراقي الذين قدموا أنفسهم قرابين للمبادئ التي آمنوا بها من أجل حرية الشعب وأستقلال الوطن والغد الأفضل.
ففي الرابع عشر من شباط / فبراير 1949 وفي العهد الملكي البغيض تعهد الطاغية نوري السعيد بالقضاء على الحزب الشيوعي العراقي وجماهيريته وذلك بأعدام قادته الأبطال. حيث صعدت الى المشانق أول كوكبة خالدة من الشهداء هم قادة ومؤسسي الحزب الشيوعي العراقي يوسف سلمان يوسف ( فهد )، زكي بسيم ( حازم )، وحسين محمد الشبيبي ( صارم ) وهم يهتفون بحياة وطنهم وحزبهم وشعبهم. ففي هذا اليوم وفي ذكرى أستشهادهم دأب الشيوعيون أينما وجدوا على تمجيد هؤلاء القادة وهم يقفون إجلالا" لأرواحهم الطاهرة. وفي لحظات الخشوع يتطلع الشيوعيون وكل الوطنيين بإكبـار إلى الأرادة الصلبة التي حملها هؤلاء الأبطال والتي واجهت المشانق برجولة وشرف متحدية الطغاة والجلادين.
وفي الخمسينات كانت دماء ومآثر الشهداء الشيوعيين والوطنيين تتواصل، في إنتفاضة تشرين الثاني 1952 ومجازر السجون في بغداد والكوت عام 1953 وأضرابات العمال والفلاحين وأنتفاضة خريف عام 1956 هذه الدماء التي تعتبر مشاعل على طريق النضال الذي توج بثورة 14 تموز 1958.
وكانت مأساة الأنقلاب الفاشي في الثامن من شباط الأسود / 1963 محطة من أكثر المحطات سطوعا" في تأريخ الحزب، ففي هذا اليوم تعهد قادة حزب البعث الفاشي بأنقلابهم الدموي الأسود بتحقيق نفس الأمنيات بعد تسلمهم السلطة، حيث إمتزجت دماء العرب والأكراد والكلدوآشوريين والمندائيين والتركمان والأيزيدين عندما أصدر الحاكم العسكري للأنقلابيين رشيد مصلح التكريتي البيان رقم 13 الذي يدعوا ويخول رؤساء الوحدات العسكرية وقوات الشرطة والحرس القومي إبادة الشيوعيين وكل من يقف في طريق أنقلابهم .
ثم تبعه قانون رقم 35 لسنة 1963 الخاص بتشكيل فرق الحرس القومي تحت عنوان ( حرس البعث الأمين على أهداف الأمة العربية )، ومنذ الساعات الأولى لتشكيله بدأت عصابات الحرس القومي بألقاء القبض على الآلاف من الشيوعيين والديمقراطيين من كافة القوميات والأديان، عسكريين ومدنيين، من قادة الحزب وكوادره وأصدقائه. وتحول العراق على يد هؤلاء القتلة في تلك الأيام الى سجن رهيب بأستعمالهم كافة أدوات التعذيب البشعة في سراديب قصر النهاية وبيوت المخابرات السرية والنادي الأولمبي في الأعظمية وملعب الأدارة المحلية في المنصور ومركز شرطة الفضل وبناية محكمة الشعب وغيرها بحق الشخصيات الشيوعية والوطنية بموجب قوائم معدة سلفاً من قبل المخابرات الأمريكية بأسماء الشيوعيين ومؤيديهم، وأمتلئت تلك السراديب ببرك الدماء والجثث المقطعة للضحايا، وجرى إغتصاب الفتيات والنساء وبنات أمام أعين ذويهم. في حين كانت تواصل بقية قطعان البعث تنفيذ عمليات الأعدام في النادي الأولمبي في الأعظمية ببغداد ومعتقل رقم واحد في معسكر الرشيد وغيرها. وقضى عدد كبير منهم وهم يسطرون ملاحم بطولية خالدة ومن هؤلاء الشهداء :
سلام عادل، جمال الحيدري، محمد صالح العبلي، جورج تلو، محمد حسين أبو العيس، طالب عبد الجبار، وعبد الرحيم شريف، عبد الجبار وهبي، نافع يونس، وحسن عوينة، متي الشيخ ، ومهدي حميد، وحمزة سلمان، شريف الشيخ، لطيف الحاج ، عزيز الشيخ والمئات من الشهداء من كافة القوميات والمذاهب والشخصيات النقابية والأجتماعية.

وبعد سقوط حكمهم الفاشي في 18 / تشرين الثاني / من قبل شريكهم في السلطة والأجرام المجرم عبد السلام محمد عارف صدر كتـــاب ) المنحرفون ) الذي يبين صور التعذيب وأحواض الأسيد وأدوات التعذيب والجرائم البشعة للضحايا من الشيوعيين والوطنيين الأبرياء من النساء و الرجال الذين دفنوا أحياء على يد جلادي البعث وحرسه القومي في مقابر جماعية في منطقة الجزيرة بالقرب من الكوت. وتذكر المصادر الرسمية وتقارير الطب العدلي أن عدد الضحايا خلال الأيام الأولى للأنقلاب قد بلغت 12 - 16 الف عراقي من مختلف الأحزاب السياسية والأديان والقوميات.

وبما ان الصابئة المندائيين هم أحدى المكونات الأساسية للشعب العراقي فقد تعرضوا منذ مئات السنين الى الأضطهاد الديني والأجتماعي، هم أبناه هذا الوطن والحريصين عليه قبل غيرهم وقدموا كل شئ من أجل بناءه ، هم الشريحة المتعلمة والمثقفة المسالمة المسامحة المحبة للخير والسلام، ووجدوا في الأفكار الوطنية والأشتراكية الوافدة الى العراق خير وسيلة للدفاع عن حقوقهم المفقودة لذلك ساهموا بالحركة السياسية الوطنية منذ نشأتها في العراق، وأرتبط المئات منهم بالأحزاب الوطنية وخاصة الحزب الشيوعي العراقي وساهموا في النضال الشاق طيلة تأريخه الطويل وتعرضوا أسوة برفاق الدرب الآخرين الى البطش والتصفيات الجسدية والتعذيب في الثامن من شباط الأسـود / 1963. ففي هذا اليوم دخل المئات منهم السجون والمعتقلات وتعرضوا الى أبشع أساليب التعذيب الجسدي والنفسي وأغتصاب المناضلات وأستشهد منهم العشرات تحت التعذيب ومنهم من سقط في أرض المعركة وهو يتصدى ببطولة وبسالة لجلاوزة الأنقلاب الفاشي في ذلك اليوم المشؤوم.
وفي ذكرى يوم الشـهيد الشيوعي لابد للصابئة المندائيين أن يتذكروا شهداءهم، ويفتخروا بهم كرموز لطائفتهم المندائية ولشعبهم العراقي، ومن حقهم أن يقفوا دقيقة صمت أجلالا" لأرواح هؤلاء الشهداء الأبطال....( صبيح سباهي خلف، مهدي عودة الوالي ( شنور )، حواس حلو بندر الزهيري، سميع جاني سهر الناشي، شاكر نعمة هليل، ماجد عبداللة خلاوي الزهيري، عبد الواحد راشد عنبر الزهيري، فرج شجر منصور الزهيري، كريم خلف داخل، نعيم عنبر منشد سعيد، خليل مكطوف جابر السعدي وغيرهم العشرات من الأبطال المجهولين الذين تمت تصفيتهم أواختفت آثارهم ..
وفي17 تموز من عام 1968 عاد حزب البعث الفاشي لتولي زمام السلطة بأنقلابه المعروف ليواصل من جديد فكره الشوفيني الفاشي والتصفيات الجسدية لقادة وكوادر وأعضاء الحزب الشيوعي والأحزاب الوطنية الأخرى. وجرت تصفيـة العديـد من قادته وكـوادره عن طريق الأغتيـالات في الشـوارع والـدهـس بالسـيارات أو الخطـف، مدعين بأنهـا حـوادث مؤسـفة لا علم للسـلطة بها !!! وتقيّـد ضـد مجهـول !! وكـان من بين القياديين الذيـن استشهدوا بهذه الطريقة كل من أستاذ الفلسفة في جامعة البصرة الدكتور ( عبد الرزاق مسلم الماجد ) في 31 آذار /1968 وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي الشهيد ( ستار خضير الحيدر ) في 23 حزيران من عام 1969 والشهيد ( محمد الخضري ) عضو مكتب بغداد للحزب الشيوعي في آذار من عام 1970 ، ( وفكـــرت جاويـــد ) في السليمانية عام 1974 وغيـــرهم. وعنـدها بـدأ الحزب يتحـول الى العمل السـري تدريجيا" لتلافي الضربات المتتالية.
وفي عام 1979 حدث ما كان بالحسبان حيث شنّ البعث حملة واسعة النطاق لتصفية الحزب وإعتقال قياداته وكوادره وأعضائه في كافة أنحاء الوطن، لكن الحملة هذه لم تحقق أهدافها بأنتقال غالبية قيادة الحزب للعمل السري أو بالسفر لمحافظات أخرى أو بالتوجه ألى كردستان، بينما وقع في أيدي البعث المئات من أعضاء الحزب وكوادره وتعرضوا للتعذيب والتصفيات الجسدية، وكان من بين القياديين المعتقلين القياديين والذين تمت تصفيتهم ( عايدة ياسين ) عضوة اللجنة المركزية للحزب والدكتور ( صفاء الحافظ ) والدكتور ( صباح الدرة ) وغيرهم .
وفي تلك الفترة والأيام العصيبة والنضال الشاق والصعب واصل الصابئة المندائيون أيضا" تقديم العشرات من الشهداء في نضالهم العنيد ضد النظام الفاشي أسوة برفاقهم الشيوعيين من بقية القوميات والأديان. إن تأريخ هؤلاء الشهداء ونضالهم ومآثرهم هي بالتأكيد جزء لا يتجزأ من تأريخ الحزب وأمجاده البطولية، فهم لا زالوا أحياء في ضمائرنا ووجداننا وباقون في قلوب وذاكرة ذويهم ورفاقهم، بل هم نبراسا" هاديا" للجميع بما تركوه من آيات في الشهامة والبسالة والعطاء والتضحية والأرث النضالي والتأريخ الناصع المشرف، وهنا لابد أن نتذكر هؤلاء الشهداء المندائيين.....
أكرام عواد سعدون السعدي، ألتفات ثجيل خفي السعدي، أمين نوري جابر الدهيسي، أنتصار خضير موحي، باسم خضير موحي، بدرية داخل علاوي، بشير زغير حرز، بشير يوسف خصاف، جبار حلاوي راضي الزهيري، جبار كريم حافظ، جبار نعيم غانم الكيلاني، جبار عنيد منصور، حسام خضير موحي، حميد شلتاغ حالوب، حرية فعيل حطاب، خالدة فعيل حطاب، رعد ثجيل خفي السعدي، رشيد ثجيل خفي السعدي، رعد عبد الجبار خماس، رعد مالك عبد الكريم الدهيسي، رحيم كوكو حمادي العيداني، زاهرة ذياب سرحان الفريجي، زهير ناصر منصور، سمير جبار حامي حاجم، سمير زامل صادق، سعدون لعيوس عفن بشارة العثماني، سعيد صبيح رشم المناحي، سلمان عبد السادة الكيلاني، سعد نوري جابر الدهيسي، شنيشل طعيس منصور، شوقية ضايف لايذ، صائب ضمد منصور، صالح هليجي شفيف الكلمشي، صبار نعيم غانم الكيلاني، عبد المنعم فزع ضيدان، عبد الجبار عسلاوي الزهيري، عبد الواحد راشد عنبر، عبد الرزاق سهيم علاوي، عبد الكريم مطشر تقي علوان الهلالي، عزيز بطيخ ساهي الدهيسي، عزيز سوادي السيفي، عصام حسناوي كسار، عميدة عذبي حالوب، عواد داخل نجارة، فائز ناصر منصور، فرحان شامي مدينف الزهيري، كريم حميد شلتاغ حالوب، لؤي عودة بطي الزهيري، مهتم مجيد عزيز سفيح الزهيري، مصطفى شنيشل حسين الحلي، منذر منديل سنيد، نافع عبد الرزاق صكر الحيدر، نبيل علوان شلتاغ، هيثم ناصر صكر الحيدر غيرهم.

ليكن يوم الشهيد الشيوعي مناسبة لوقفة إجلال وإكبار أمام تلك الدماء الزكية التي أضاءت الدرب. ولابد ان نقول لكل الشهداء من الصابئة المندائيين وشهداء الحركة الوطنية العراقية اننا نفتخر بأسمائكم ووجوهكم وصفاتكم فقد صنعتم عهدا" جديدا" للوطن وكنتم الصخرة التي دفعت النظام الدكتاتوري الى مزبلة التأريخ، أليكم المجد أيها الأبطال .. يا من قدمتم حياتكم ودمائكم قربانا" للمثل النبيلة التي آمنتم بها، اليكم المجد أيها الأحبة فأنتم في الوجدان والضمير.
أن من واجب الصابئة المندائيين في هذا اليوم أن يشعروا عوائل الشهداء ... آبائهم وأمهاتهم وأراملهم وأطفالهم اليتامى بأن طائفتهم لم ولن تنساهم يوما"، وليبدأ الجميع وخاصة ذوي الشهداء ومعارفهم بأحياء ذكراهم سنويا" بالكتابة عنهم، وعن تأريخهم وبطولاتهم وهذا أقل ما يمكن أن نقدمه لأرواحهم الطاهرة فهل سيتم تحقيق ذلك؟ أنها أمنية نتمنى ان تتحقق وأملنا كبير بذلك.
المجد كل المجد لشهداء الصابئة المندائيين، لشهداء الحزب الشيوعي العراقي، لشهداء الحركة الوطنية، لكل شهداء الشعب والوطن.

كندا
شباط / 2015