شهداء الحزب

رفاق خالدون في معركة مصيرية / كفاح حسن

عدت مسرعا من العطلة الأسبوعية في كربلاء إلى بغداد, و كان الطريق مليئا بالدبابات و العجلات العسكرية, حيث إحتل الجيش المدينة و الطرق المؤدية إليها, خلال زيارة الأربعين في عام 1977. بعدما منعت الناس من التوجه إلى المدينة. و إصطدم الجيش مع المواطنين العزل في منطقة خان النص. عدت مسرعا لحضور الإجتماع الدوري للجنتنا الحزبية, و الذي إنعقد في زقاق فقير في منطقة الزوية, قرب الجسر المعلق. و خلال جلوسنا منتظرين بدء الإجتماع, دخل علينا بدون إذن والد الرفيق الذي إنعقد في بيته الإجتماع. و تحدث معنا بلغة أبوية و حنونة ليحذرنا من غدر النظام البعثي. فهذه الدبابات و القوات التي ضربت زوار الأربعين في كربلاء, ستوجه فوهاتها نحونا نحن الشيوعيين. و قد إرتبك ولده من لهجة والده المحذرة, حيث قال لنا والده محذرا..إتركوا العمل السياسي إذا لم تكونوا متأكدين من صمودكم. و بعد أيام بدأت تصلنا أخبار المضايقات التي تتعرض لها منظمات الحزب في المحافظات. وبعد عدة أسابيع حضرت إجتماعا حزبيا كمشرف في منطقة النواب في ضاحية الكاظمية, في بيت شرقي قديم. و خلال الإجتماع دخلت علينا والدة الرفيق الذي عقدنا في بيته الإجتماع. دخلت علينا بدون إستئذان. و بدأت تحدثنا باكية عن مجزرة شباط في 1963, تحذرنا باكية من إن الدور جاء لضربنا. لقد كانت حزينة على شبابنا الذي سيهدر. و بعد أيام , هجم المجرمون من زمرة الإتحاد الوطني و المخابرات على صديق العمر خالد يوسف متي و زميله لطيف (أبو مروان) داخل الحرم الجامعي, هجموا عليه بشكل وحشي و حقود. لقد كشفوا عن وجوههم الحقيقية.
لقد عرفنا بأن المعركة إقتربت. و إن النظام قد إنفرد بنا لتكون معركته الأخيرة تصفيتنا. و هنا كانت المواجهة و التحدي و الصمود ما كان يدور في خلدنا. نحن شبيبة الحزب التي انتمت اليه في السبعينيات. و كانت هذه المعركة المصيرية الأولى التي نخوضها. ثم جاء أيار 1978, ليعلن بدء المعركة, حيث أعدم النظام الدموي كوكبة من الشبيبة بتهمة الإنتماء للحزب الشيوعي. كما كانت جريدة الراصد تنشر سلسلة مقالاتها المكتوبة داخل أروقة الحزب الحاكم في التهجم على الحزب الشيوعي و إجتماع لجنته المركزية الأخير الذي زعمت الجريدة انه وقتذاك لم يقل شيئا سوى الإعتراض غلى المضايقة و الملاحقة التي تتعرض لها قواعد الحزب. و هدف اللجنة المركزية في أعتراضها هو المحافظة على التحالف الهش القائم مع البعث.
و هنا بدأت الدماء تفور في عروق شبيبة الحزب..و بدأت ساعة الإمتحان. لقد إنتهت أيام العسل و بدأت الأيام الصعبة.. ففي عام 1978 و العام الذي تلاه خاض رفاق و أصدقاء الحزب في جامعات و معاهد و مدارس بغداد معركة حقيقية.. معركة كرامة و مواقف و رجولة. و كنت في حينها قد أجبرت على ترك مسكني المريح إلى المبيت في المقرات الحزبية في بغداد. حيث سأكون ضمن كما يعلق ساخرين الأصدقاء كبش فداء في معركة الحزب و رفاقه ضد السلطة.
لقد تم إعتقال العشرات من الأصدقاء و الرفاق داخل الحرم الجامعي. و تم تخييرهم ما بين توقيع البراءة أو مواجهة مصير مظلم. و في نفس الوقت سهلت السلطة السفر إلى الخارج لتفريغ البلد من أبنائه الحقيقيين, لترميهم في غياهب الغربة القاتلة.
لقد قدمت منظمة الحزب الطلابية في بغداد العشرات من الشهداء في هذه المعركة. و كان في مقدمتهم قادة المنظمة أبو حيدر و منعم ثاني و خالد يوسف متي و علي بوتو و أزهار و أم أيار.