شهداء الحزب

الفقيد الدكتور محمد صالح سميسم (ابو مها) سلاماً..

د. حسان عاكف
من يتعرف عليه لا يمكن ان ينسى ما تختزنه روحه النقية من بساطة وتواضع وحب للمزاح والمرح وصفاء سريرة واخلاص غير محدود لاصدقائه ورفاقه وللقضايا الانسانية الكبرى التي آمن بها.
من عائلة دينية نجفية معروفة،، طورد واعتقل وهو مايزال طالبا في كلية طب بغداد في خمسينيات القرن الماضي وانتهى به المطاف حينها اسوة بالكثير من المناضلين من ابناء جيله في “نكرة السلمان” ، التي سمعت منه قصصا مثيرة ومشوقة عنها. وحين شاركت في العام الماضي في احتفالية نكرة السلمان كنت أجول بنظري بين قاعات(قواويش) السجن وساحاته بحثا عن الاماكن التي كان ينام ويتنقل فيها الفقيد د. محمد ومئات الرفاق الاخرين ممن اعرفهم او قرات عنهم وكانوا نزلاء في هذا المعتقل الصحراوي القابع خارج التاريخ والجغرافيا،كما اراد له مؤسسوه.
وكان نصيبه من انقلاب 8 شباط الاسود عام 63 كنصيب الالاف من رفيقاته و رفاقه واصدقائه ملاحقة وسجنا وتعذيبا. وتجدد الامر معه في الحملة الفاشية على الديمقراطيين والشيوعيين اعوام 1978/ 1979، التي لم تستثنه من الاستدعاءات المتكررة والاعتقال والتعذيب على مدى اشهر عدة.
تعرفت على استاذي وزميلي واخي الكبير د. محمد صالح سميسم عام ١٩٧٤ حين شاءت الصدفة بنقلي الى مستشفى طواريء العلوية حيث كان يعمل هناك طبيبا اخصائيا في جراحة العظام والكسور، وتدربت على يديه، وكانت الصدفة الثانية بنقل عملي في الحزب الى هيئة جديدة كان يقودها الفقيد، وشاءت الصدفة الثالثة ان نكون سكان منطقة واحدة في شارع فلسطين.. ومن حينها توطدت علاقاتي الاجتماعية والسياسية به. يومها كان الفقيد مقترنا بالدكتورة حياة شرارة وله منها بنتان ؛ مها وزينب.
التقينا آخر مرة في ظهيرة يوم قائظ نهاية آب ١٩٧٩ ، زرته في بيته خلف الجامعة المستنصرية لاودعه،بعد ان اتخذت قرار الهرب ومغادرة العراق ، لا استطيع نكران ان لقاءنا كان حزينا موحشا كئيبا كتلك الايام، لان الكابوس الاسود الذي كان قد ذر رماد المحنة والفجيعة في كل مدينة عراقية لم يكن يسمح لك بالحديث عن اشياء اخرى غير الاشياء المكدرة، استعرضنا اسماء من اعتقل وعذب ومن استشهد ومن اختفى ومن هرب ومن مايزال مفقودا ،،، واخبرني بموقف انساني شجاع تجاهه من جانب وزير الصحة يومئذ،الذي قتله صدام في وقت لاحق ، وطلب ان يجري الحديث عن ذلك في ظروف اخرى ممن يبقى منا على قيد الحياة، انصافا للرجل وحماية له، كما قال… كان لقاءنا حزينا رغم ان كلينا لم يكن يتوقع ان هذا سيكون اللقاء الاخير بيننا.
وصلنا خبر وفاته بداية عام ١٩٨٣ يوم كنا لاجئين في دمشق، كتبت خبر نعيه ودخلت صدفة رابعة، لكنها لعينة هذه المرة، حين نشرت “طريق الشعب” في نفس العدد خبر نعي صديقي ابا مها الذي توفي في بغداد مع نعي آخر لشقيقي جمال الذي استشهد في بيخال/راوندوز.