شهداء الحزب

شيوعيون في الذاكرة ، الشهيد محمد حسين موسى عبد الرزاق الجراح

إن الحديث عن النضال والمناضلين الذين لهم مساهمة واضحة في الفعاليات الجماهيرية المميزة والتي سطرت أحداثها بأحرف من نور،لا يمكن أن يكون بمعزل عن معرفة الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي كان يمر بها العالم وبشكل خاص مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وانتصار الاتحاد السوفيتي في تلك الحرب واندحار معسكر ألمانيا النازية بقيادة (هتلر) وتأثير ذلك على مجريات الأحداث في بلدان العالم الثالث ومنها العراق.
وعندما نتحدث عن تلك الفعاليات الجماهيرية المميزة في العراق،يجب علينا أن لا ننسى من كان لهم الدور المميز فيها،الذين لم يتوانوا ولو للحظة واحدة عن الاستجابة لنداء الشعب والوطن عندما كانت الظروف التي يمر بها البلد تستدعي توظيف كل الجهود من اجل مواصلة النضال والضغط على الأنظمة الرجعية والمستبدة لتحقيق مطالب الجماهير في الحياة الحرة الكريمة.
وبالرغم مما شهده العراق من انفراج نسبي في الحياة السياسية في تلك الفترة ،والذي تمثل في السماح لبعض الأحزاب السياسية في ممارسة نشاطها السياسي وإجازة بعض الصحف الوطنية،لكن ذلك لم يدم طويلاً،إذ سرعان ما عمدت حكومة نوري السعيد التي جاءت بعد سقوط حكومة صالح جبر على إثر وثبة كانون المجيدة عام 1948حين خرجت جماهير الشعب رافضة (معاهدة بور تسموث) التي وقعها عن الجانب العراقي رئيس الوزراء آنذاك صالح جبر وعن الجانب البريطاني رئيس الحكومة البريطانية (بيفن) إلى فرض الأحكام العرفية وإعادة محاكمة قادة الحزب الشيوعي العراقي (فهد-حازم-صارم)ومن ثم إعدامهم في يوم14/شباط/1949.
كل تلك الظروف تركت بصمتها الواضحة على مجريات الإحداث لاحقاً ،إذ لم تنل تلك الممارسات القمعية من عزيمة الشعب العراقي ،حيث ازداد التفافاً حول قواه الوطنية وبشكل خاص الحزب الشيوعي العراقي ،وقد تجلى ذلك واضحاً من خلال ما حققته الجماهير في انتفاضة تشرين الباسلة عام 1952وحين نزلت القوى المؤتلفة في الجبهة الوطنية بقائمة موحدة في الانتخابات البرلمانية عام 1954في مواجهة قائمة السلطة، وكذلك عند حدوث العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
واحد من أولئك المناضلين ،كانت مساهمته كبيرة ودوره واضحاً للعيان في مجريات تلك الأحداث التي مر ذكرها سابقاً،ألا وهو الشهيد (محمد حسين موسى)الذي ولد في مدينة الهندية عام 1940لعائلة فقيرة كادحة عرفت معنى الفقر والبؤس كما عرفته غيرها من العوائل العراقية في تلك الفترة،لذلك كان التفكير في معاناة الشعب وكيفية العمل على تخليصه من تلك المعاناة هو الشغل الشاغل للشهيد ولغيره من أبناء تلك العوائل، كما يجب أن لا ننسى الدور الكبير والمؤثر لأخوال الشهيد في دفعه باتجاه أن يكون له موقف مشرف في النضال الذي تخوضه الجماهير ،وهم الذين يشهد لهم بمشاركتهم الكبيرة في النشاطات السياسية التي تهدف إلى رفع الحيف عن أبناء الشعب.
لقد كان لهذه العائلة الدور المؤثر في أن يكمل الشهيد محمد حسين موسى مشوار النضال من بعدها في فضح سياسات النظام الملكي وحكوماته الرجعية التي تعاقبت على إدارة دفة الحكم آنذاك. فبعد أن أكمل الشهيد دراسته في متوسطة الهندية بتفوق ،انتقل إلى الدراسة في دار المعلمين في الحلة وقد تميز بدماثة الخلق والحرص على التعاون مع جميع الطلبة ،إضافة إلى كونه كان رياضياً.
وقد أثبت الشهيد ذلك من خلال تواصله مع أصدقائه ورفاقه في الحزب بعد تخرجه من دار المعلمين بعد ثورة 14/ تموز/ 1958حيث كان جزءاً لا يتجزأ من تلك الجماهير الملتفة حول الحزب في دفاعه عن ثورة 14 تموز ومنجزاتها التي تحققت للشعب، حيث كان لا يفارق مقر منظمة الحزب في الهندية معتبراً اياه بيته الذي طالما حلم به ويجب الدفاع عنه بكل قوة، وان تواجده في مقر الحزب يجعله قريباً من أخبار الحزب في تلك الفترة المتسارعة الأحداث بسبب تآمر القوى الرجعية على الحزب والثورة، وقد برهن على ذلك أيما برهان يوم تجمعت قوى الشر مدفوعة بحقدها الدفين ضد الحزب في أحداث الهندية عام 1959حين شنت هجومها البربري على مقره في الهندية "مكتبة إتحاد الشعب" وعندما وجدت مقاومة صلبة من الرفاق المتواجدين في المقر عمدت إلى حرقه وقتل الرفيقين ( معطي بلور الدبس ومحمد حسين موسى) وسحلهما في شوارع الهندية .
إن شجاعة الرجال تظهر في المواقف الصعبة التي تتطلب اتخاذ قرارات سريعة وحازمة تتوافق مع الإحداث التي يمرون بها،لذلك كان موقف الشهيد محمد حسين موسى في الدفاع عن مقر الحزب نابعا من شجاعته ومن عمق ارتباطه بالحزب ،إذ لم يدع مجالاً للتفكير في ما ستؤول إليه الأمور لاحقاً، لم يفكر في نفسه ولا في عائلته، وإنما كان كل تفكيره منصبا في الدفاع عن الحزب حتى الاستشهاد دونه، وذلك لم يأت من فراغ وإنما عن إيمان عميق بفكر الحزب ونضاله الدؤوب من أجل رفع الظلم عن جماهير الشعب وتحقيق مطالبه في الحياة الحرة الكريمة.
المجد للرفيق الشهيد ...محمد حسين موسى
المجد كل المجد لشهداء الحزب الشيوعي العراقي..شهداء الشعب والوطن