شهداء الحزب

في الذكرى الـ 38 لاستشهاد الرفيق حامد خضير خير الله / ناصر حسين

في السابع عشر من شهر أيار لهذا العام – 2016 – مرت الذكرى الثامنة والثلاثون لاستشهاد الرفيق حامد خضير خير الله البدري ورفاقه الميامين الذين أعدمتهم حكومة حزب البعث بقرار جماعي وقع عليه كما علمنا في حينه كافة أعضاء القيادتين القومية والقطرية لحزب البعث ومجلس قيادة الثورة . ولم تفلح كافة الجهود التي بذلتها قيادة الحزب من أجل حملهم على التراجع عن قرارهم . وقبل قرارهم . وقبل ذلك ومنذ اعتقالهم حتى تاريخ تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة بحقهم من قبل محكمة المقبور عواد البندر لم يتوان الحزب يوماً عن الضغط عليهم من أجل أطلاق سراح رفاقنا الذين يعلمون هم قبل غيرهم – زعماء سلطة البعث – أن تلك الدعاوي كانت من تلفيقات زمر أمن المقبورين صدام حسين وفاضل براك الذي كان آنذاك مديراً للمخابرات ومرشحاً لعضوية قيادتهم القطرية . تلك الجهود التي استعرضها الفقيد الرفيق عامر عبد الله في دفتر ذكرياته وأذكر جيداً ان من بين تلك الجهود أن الرفيق الشهيد الدكتور صباح الدرة طرح الموضوع في الاجتماع الموسع للجان الجبهة المنعقد عام 1976 في بناية المجلس الوطني على ضفة نهر دجلة – مقر عمل المقبور صدام حسين عندما كان نائباً – بتكليف مسبق من قبل الاجتماع الموسع لرفاق الحزب العاملين في لجان الجبهة في المحافظات الذي عقد قبل يوم في مقر اللجنة المركزية للحزب وبأشراف من المكتب السياسي وقد تصدى وبعصبية لما طرحناه في الاجتماع كل من برهان الدين عبد الرحمن القادم من الموصل والذي أصبح فيما بعد عضواً في قيادتهم القطرية ونعيم حميد حداد السكرتير العام للجبهة الذي وضعنا أمام خيارين لا ثالث لهما أما متحالفين فيكون تحالفنا على الخير والشر وأما مفترقين وكل يذهب إلى طريق متجاهلاً تماماً أن التحالفات تكون وفقاً للمشتركات ولا تعني أبداً عدم وجود الاختلافات في الرأي والموقف من هذه القضية أو تلك فالاختلاف في الانتساب الطبقي لابد وأن يحتم وجود تلك الاختلافات . وحتى عندما علمنا بقرارهم القاضي بتنفيذ أحكام الإعدام لم نيأس وبذلت قيادة الحزب كل ما تستطيع من جهود لحملهم على التراجع عن قرارهم إلا أنهم كانوا مصرين على موقفهم ولم يحترموا كل أواصر الصداقة التي كانت قائمة بين العراق والاتحاد السوفياني فأقدموا على تنفيذ أحكام الإعدام بالوجبة الثانية بعد يومين من استلامهم رسالة الرئيس السوفياتي ليونيد برجنيف الذي ناشدهم فيها إلى النظر بمسؤولية إلى مستقبل الدولة العراقية وعدم تنفيذ تلك الإعدامات .
أجل لم تفلح كافة الجهود التي بذلت وأقدموا على تنفيذ جريمتهم صباح يوم 17/ آيار/1978 وكان الرفيق الشهيد حامد خضير خير الله أحد الذين نفذت فيهم أحكام الإعدام صباح ذلك اليوم.
حامد خضير خير الله ذلك المناضل الشيوعي الشاب الذي أختطفه الجلادون عنوة وأرسلوه إلى ساحة الإعدام رمياً بالرصاص بتهمة ملفقة من ألفها إلى يائها ليكون شاهداً على ما كان يرتكب نظام الجلاد صدام حسين من جرائم مدانة بحق البشر وحقوق الإنسان وتعديه على حرمة الفكر المخالف والرأي الأخر .
كل ما كأنه الشهيد حامد خضير خير الله البدري هو أنه أختار لنفسه أن يكون أحد مناضلي الحزب الشيوعي العراقي حملة راية النضال من أجل (( وطن حر وشعب سعيد )) .
حامد نشأ في أسرة شيوعية وفي بيئة ثورية تصل أحياناً حد التطرف المغامر.
كان حامد من (( أهل الشط )) في مدينة الديوانية .
(( أهل الشط )) مجموعة من عشيرة المياح المعروفة هجرت أرض الإباء والأجداد في محافظة واسط أيام النظام الملكي نتيجة الاضطهاد الإقطاعي والعنت الحكومي لتستقر في مدينة الديوانية مشكلة حياً من أحيائها والذي مازال يعرف بنفس الاسم . ولم يكن العنت الحكومي الذي واجهوه هنا في الديوانية بأقل قسوة من العنت الذي واجهوه سابقاً بل وأكثر بشاعة فقد قدم هؤلاء المواطنون الكرام على مذبح الحرية أكثر من خمسين شهيداً منهم من كان من أسرة آل عواد ، ومنهم من آل هيجل ، ومنهم من آل هلال ومنهم من آل ربيح ومنهم من آل رزام . وهذه الأسماء والعناوين أذكرها هنا على سبيل المثال وليس الحصر .
لقد أرتبط أهل الشط بالحركة الثورية منذ بدايات تواجدهم في مدينة الديوانية . وساهموا في نضالها الثوري ونشاطاتها الجماهيرية كوثبة كانون الخالدة عام 1948، وانتفاضتي تشرين 1952 ، 1956 وأذكر هنا مثالين رائعين عن مساهماتهم تلك ، المثال الأول في شباط 1962 حيث حل موعد انتخابات نقابة المعلمين ، وكأجراء احتياطي لضمان مساهمة معلمي قضاء السماوة من مؤيدي القائمة المهنية – قائمة الشيوعيين والديمقراطيين – تم استقدام الكثير منهم قبل يوم من موعد التصويت الذي يجري عادة في قاعة النشاط الفني في الجانب الصغير من المدينة والذي مازال يحمل التسمية (( صوب الشامية )) . فتح (( أهل الشط )) أبواب بيوتهم لاستضافة المعلمين القادمين من السماوة تلك الليلة وعند الصباح ولما كان متوقعاً من أن الأجهزة القمعية ستبذل كل جهودها من أجل تزييف الانتخابات واستخدام شتى إشكال العنف لمنع وصول المعلمين إلى قاعة التصويت ، فقد توجه المعلمون من (( الجانب الكبير )) ، في موكب مهيب بتصدره الشهيد محمد أحمد الخضري تحيط به جماهير من (( أهل الشط )) والجديدة والسراي باتجاه الجسر الذي تقابله بناية المحافظة وقد تحولت تلك الساحة ذلك اليوم إلى ساحة معركة حقيقية مع القوى القمعية ، وقد كتب الكثير عن تلك المجابهة بين المعلمين المهنيين ورجال أمن عبد المجيد جليل .
المثال الثاني من العام 1973 ، مساء ، بعد الإعلان عن التوقيع على ميثاق الجبهة فقد أنطلق شباب أهل الشط في تظاهرة عفوية وأندمج معهم شباب الجديدة والسراي، ومثقفوا الديوانية وتوجهوا إلى الساحة المقابلة لبناية المحافظة ، وجاء ذلك بمثابة الرد على سلوك المماحكة الذي سلكه رجال أمن الديوانية صباح ذلك اليوم وبقيادة على الخاقاني وفاضل براك ومحمد عباس وآخرين تجاه موكب منظمة الحزب الشيوعي في الديوانية أثناء المسيرة التي انطلقت ذلك الصباح احتفاء بأعياد تموز ولم يغادروا تلك الساحة إلا بعد أن توجهت إليهم لأشكرهم باسم منظمة الحزب الشيوعي في الديوانية ودعوتهم إلى التفرق ومغادرة الساحة .
لقد ساهم (( أهل الشط )) كما ذكرت في نشاطات الحركة الثورية في الديوانية فبرز من بينهم كوادر حزبية ونقابية أذكر هنا كمثال وليس الحصر الشهيد شاكر هادي هيجل عضو اللجنة المحلية للحزب في سبعينيات القرن الماضي ، الفقيد القائد النقابي المعروف كيطان ساجت – أبو عمش – والرفيقة الفقيدة بدرية عواد .
بدرية عواد كانت واحدة من أبرز كوادر منظمة الحزب النسوية في مدينة الديوانية برز أسمها وسيبقى خالداً كما آلت إلى الخلود أسماء الشهيدات فوزية محمد وجميلة موشي والست حميدة ونجاة الحكيم .
بدرية عواد برزت في صفوف الكادر النسوي في الديوانية كما برزت أسماء أم محمد – والدة الشهيد محمد أحمد الخضري – نورية عباس طماطة ، ساجدة العتابي ، ملكة حمادة، سهام محمود التميمي ، هناء الوحاش ، أسماء محمد طه ، وأم سامي زوجة الفقيد عبد الأمير فرحان قائد انتفاضة فلاحي الديوانية – الريف المجاور لمركز المحافظة – عام 1958 رئيس عشيرة آل أحمد ، الذي كان عضواً في محلية الديوانية عندما أعتقل عام 1963.
بدرية عواد لها شقيقان شهيدان من بين شهداء الأنصار البيشمركه : أبو سحر (( ناصر عواد )) و (( إقبال عواد )) ولها من أسرتها أخوة وأخوات كما لأهل الشط أيضاً أبناء وبنات اضطروا إلى الهجرة.
وفي خريف عام 1976، وفي نفس الليلة التي أعلن فيها القرار الحكومي بتأميم المتبقي من أسهم الشركات النفطية الذي لم يشمله قرار التأميم الأول عام 1973 قامت أجهزة أمن الديوانية باعتقاله واعتقال الرفيقين المعلم عبد الزهرة محمد حسن – أبو واقد – وصميدح خديم . وفي صباح اليوم التالي اعتقلوا الرفيق المحصل في مصلحة نقل الركاب كريم عبد الله ديوان.
أتصلنا برئيس لجنة الجبهة في المحافظة وهو في نفس الوقت أمين سر الشعبة في حزب البعث شهيد كاطع العلي مستفسرين عن سبب اعتقال رفاقنا فأجابنا وبعجرفة أنها قضية أمنية وممنوع عليهم مناقشتها والتطرق إليها وأنهى النقاش معنا .
أذا هي خطوة جديدة من خطوات تسليطهم الأجهزة الأمنية على رقاب منظمات الحزب وفي التعامل مع حزبنا . هذا النهج الذي أشار أليه وبوضوح تقرير اللجنة المركزية للحزب المقدم الى المؤتمر الوطني الثالث للحزب المنعقد في ربيع عام 1976.
تعرض رفاقنا الأربعة للتعذيب البشع في مديرية أمن الديوانية والذي واجهوه ببساله ، ساوموهم بأساليب الثعالب الماكرة ، لكنهم اختاروا موقف العز والشرف . عند ذاك نقلوهم الى الأمن العامة ومنها إلى (( محكمة الثورة )) التي قضت بإعدامهم وبنفس التهمة الملفقة التي حكم بموجبها رفاقهم الذين سبقوهم أي بناء تنظيمات للحزب الشيوعي في الجيش وأودعوا سجن أبي غريب حتى تاريخ إعدامهم ضمن المجموعة الأولى من شهداء الحزب الذين أعدموا في 17 آيار 1978 وسلمت جثامينهم إلى الرفيق أحمد خضير خير الله شقيق الشهيد حامد الذي وضع الجثامين فوق سيارة وتوجه بها إلى ساحة عقبة بن نافع حيث يقع مقر اللجنة المركزية للحزب ولف بها ولأكثر من مرة حول المقر إذ وقف أمام البناية كافة رفاق اللجنة المركزية المتواجدين في المقر.
ولدى وصول الرفيق أحمد خضير إلى الديوانية وكان (( أهل الشط )) قد تجمعوا من أجل القيام بتشييع الشهداء لدى وصول جثامينهم بما يستحقون من تكريم رغم أنف الأجهزة الأمنية التي كانت قد احتشدت لمنع تشييع كهذا للشهداء ، ودفعا لما قد يحصل من مكروه قام الرفيق بمغادرة الديوانية ناقلاً الجثامين إلى مدينة النجف لتدفن في مقبرة وادي السلام .
وهنا لابد لي أن أشير إلى مهزلة من مهازل البعث، ففي أحدى المقابلات التي قام بها الرفيق الفقيد عامر عبد الله مع رئيس الجمهورية – أحمد حسن البكر والتي كان يشارك في بعضها الرفيق عزيز محمد ، أجاب البكر بأن أمر أطلاق سراح رفاقنا المحكومين بالإعدام قد تقرر وأقسم بشرفه على ذلك وأكد أنه قبل تموز 1978 لن يبقى أحد منهم رهن السجن وأضاف بإمكانكم أبلاغ عوائلهم بقرارنا هذا وطمأنتها على مصير أبنائها . وقد أطلعت في حينه على تفاصيل ما دار في المقابلة وأذكر أنني في زيارة قمت بها لعائلة الشهيد أبو واقد تحدثت مع العائلة عن الموضوع وعن قسم البكر بشرفه أنهم سيطلق سراحهم قبل تموز 1978 . إلا أن الأمور سارت فيما بعد في غير (( ما تشتهي السفن )) هذا هو الشهيد حامد خضير خير الله المياحي ، فالمجد كل المجد له وللأب الذي أنجبه وللأم التي أرضعته من لبنها ولأهل الشط الكرام ولكل شهدائهم الأولين والآخرين ولكل شهداء العراق نساء ورجالاً ، صغاراً وكباراً .
والتحية والتقدير للمواصلين للمسيرة من مناضلي أهل الشط بغض النظر عن وجودهم داخل العراق أو خارجه ولجميع مناضلات ومناضلي الشعب العراقي .